لم يطفئ استحواذ مصرف "يو بي أس" السويسري على منافسه "كريدي سويس" نيران الأزمة المصرفية العالمية تماماً، إذ يواصل المودعون الهروب من البنوك الصغيرة التي لا تزال أسهمها تخسر من قيمتها.
ورغم خطة الإنقاذ تراجع سهم كريدي سويس بشكل حاد بلغ أكثر من 62% خلال تعاملات الاثنين، في أعقاب الإعلان عن صفقة بيع البنك، وهبط سهم منافسه بنحو 13%، في حين تراجع سهم فيرست ريبابليك 18% الأميركي بعد خفض تصنيفه الائتماني مجدداً.
وفي الولايات المتحدة ارتفع مؤشر يقيس الضغوط في النظام المصرفي الأميركي إلى أعلى مستوياته في ثلاثة أشهر، في أعقاب اضطرابات القطاع المصرفي الأخيرة والتي أسفرت حتى الآن عن إغلاق 3 بنوك.
غولدمان ساكس قال إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقرر هذا الأسبوع
وقال اقتصاديو بنك غولدمان ساكس إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي لن يرفع أسعار الفائدة خلال اجتماعه المقرر هذا الأسبوع، بسبب الضغوط التي يتعرض لها القطاع المصرفي الأميركي.
ووفق مذكرة للبنك الأميركي نُشرت الاثنين: "بينما استجاب صانعو السياسة بقوة لدعم النظام المالي، يبدو أن الأسواق غير مقتنعة تماماً بأن الجهود المبذولة لدعم البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم ستثبت أنها كافية".
ونقلت "رويترز" خلال عطلة نهاية الأسبوع، عن مسؤول أميركي قوله إن التدفقات الخارجة من ودائع العملاء، وضعت الكثير من البنوك تحت الضغط في أعقاب انهيار بنك "سيليكون فالي".
ودخل إيلون ماسك، المدير التنفيذي لشركة تسلا على خط الأزمة، حيث وجه أمس اتهاماً للبنوك بأنها غير كفؤة في إدارة مخاطر استثماراتها التي تصل إلى مئات المليارات من الدولارات.
وأتهم الملياردير الأميركي البنوك بتطبيق المعايير الصارمة الواجبة عندما تتلقى طلب ائتمان، لكنها تكون أكثر تساهلاً عندما يتعلق الأمر بتقييم محافظ الاستثمار الخاصة بها.
كما انتقد الخبير الاقتصادي البارز محمد العريان صفقة بيع كريدي سويس لمنافسه يو بي أس، ورْبط المسؤولين السويسريين الاضطرابات التي شهدها الأول بالأزمة المصرفية في الولايات المتحدة.
وفي سلسلة تغريدات عبر "تويتر" الأحد، شبه العريان صفقة الاستحواذ بين أكبر بنكين في سويسرا بـ"الزواج القسري"، وغير المتكافئ.
وأضاف أن "الحقيقة الفظة" بعيداً عن تفاصيل الصفقة، هي أن ثاني أكبر بنك في سويسرا (كريدي سويس)، والذي بدأ أعماله منذ عام 1856 وكان أحد أهم 30 بنكاً من الناحية النظامية حول العالم، لم يعد موجوداً بعد الآن.
في سلسلة تغريدات عبر "تويتر"، شبه محمد العريان صفقة الاستحواذ بين أكبر بنكين في سويسرا بـ"الزواج القسري"، وغير المتكافئ.
وفي أوروبا تراجعت قيمة السندات الخطرة للبنوك الأوروبية، بعدما تكبد حاملو سندات كريدي سويس خسائر تاريخية ضخمة في أعقاب استحواذ منافسه يو بي أس على أعماله.
وانخفضت قيمة سندات "إيه تي 1" الأكثر خطورة، الصادرة عن دويتشه بنك، ويونيكاجا بانكو، ورايفيزن بنك إنترناشيونال، وبي إن بي باريبا، بأكثر من 10 نقاط أساس الاثنين.
وقال بوب ميشيل، كبير مسؤولي الاستثمار في أدوات الدخل الثابت لدى "جي بي مورغان آست مانجمنت"، إنه يأمل أن تكون صفقة يو بي أس لشراء منافسها المتأزم كريدي سويس كافية لتهدئة عمليات البيع في البنوك الأوروبية هذا الأسبوع.
عالمياً تمر المنظومة المصرفية بدراما من الإفلاسات والاضطرابات التي تضع الأسواق في منتصف موجات من الرعب المتواصلة منذ الأسبوع الماضي.
مديرو صناديق التحوط وغيرهم من كبار المستثمرين يخضعون إلى ضغوط كبيرة، على الرغم من التطمينات التي تقودها حكومات الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، عبر صفقات الإنقاذ الضخمة، أو الإجراءات التنظيمية، أو الإعلان عن ضمان أموال المودعين، أو الوعود بمحاسبة المسؤولين عن الأزمة المالية القائمة.
في الأسبوعين الماضيين، انهار بنكان أميركيان، ووافق كبار المقرضين في أميركا على إيداع 30 مليار دولار في مصرف آخر متعثر، مجموعة كريدي سويس أصبحت تحت سيطرة منافسها، وأسهم البنوك تتخبط بين هبوط واستقرار، وسط تحذيرات من أن مسلسل الانهيارات لم ينته بعد.
في الأسبوعين الماضيين، انهار بنكان أميركيان، ووافق كبار المقرضين في أميركا على إيداع 30 مليار دولار في مصرف آخر متعثر
المحللون يربطون الأزمات المصرفية المتواصلة بالسياسات النقدية التي اتبعها البنك المركزي الأميركي (مجلس الاحتياط الفيدرالي). فقد رفع الأخير أسعار الفائدة نحو 8 مرات في العام الماضي لمواجهة التضخم، جف رأس المال الاستثماري، مما دفع الشركات الناشئة إلى زيادة نفقاتها التمويلية.
لمواجهة عمليات السحب المتسارعة، اضطر بنك سيليكون فالي الأميركي لبيع بعض سنداته بخسائر فادحة، حيث كانت العوائد على السندات الجديدة أعلى بكثير.
أزمة المصارف الأميركية
يشرح تقرير لـ "وول ستريت جورنال" أنه في 24 فبراير/ شباط بلغت ودائع سيليكون فالي ذروتها في نهاية الربع الأول، بعد أن ارتفعت بنسبة 86 في المائة في عام 2021.
على مدار الأشهر التي تلت ذلك، انخفضت الودائع بمقدار 25 مليار دولار، أو 13 في المائة، بعدما رفع الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة.
وفي 8 مارس/ آذار أعلن بنك سيليكون فالي أنه سيحقق خسارة بقيمة 1.8 مليار دولار بعد بيع بعض استثماراته لتغطية السحوبات المتزايدة، وكذا جمع 2.25 مليار دولار من خلال بيع مزيج من الأسهم العادية والمفضلة.
في اليوم التالي، انهار سهم سيليكون فالي فيننشال عند افتتاح السوق، وهبطت معه أسهم أكبر أربعة بنوك أميركية، وسط مخاوف من إجبار بنوك أخرى على تكبد خسائر لجمع السيولة. قضت الانخفاضات على 52 مليار دولار في القيمة السوقية لأسهم جي بي مورغان، وبنك أوف أميركا، وويلز فارغو، وسيتي غروب.
مع انتشار الذعر، بدأت الشركات في سحب أموالها من بنك سيليكون فالي، وفي اليوم ذاته حاول المودعون سحب 42 مليار دولار دفعة واحدة.
وفي العاشر من مارس، جرى وقف التداول في أسهم سيليكون فالي، وبعد فترة وجيزة، أعلن المنظمون الفيدراليون أنهم سيطروا على البنك الذي أعلن إفلاسه، ليشكل ثاني أكبر فشل مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة، بعد انهيار "واشنطن ميوتشوال" في ذروة الأزمة المالية لعام 2008.
وفي 12 مارس، كشف المنظمون الفيدراليون عن تدابير طارئة لوقف تداعيات فشل بنك سيليكون فالي، ليعلنوا سيطرتهم على بنك ثان "سيغنتشر بنك"، وقال المنظمون إن عملاء كلا البنكين سيستردون كل أموالهم.
حاول بايدن طمأنة المستثمرين مشدداً على أن النظام المصرفي آمن. وفي هذا الوقت، كانت أسهم فيرست ريبابليك والبنوك الإقليمية الأخرى تواصل انزلاقها
كما أعلنوا عن برنامج إقراض جديد للبنوك. وحاول الرئيس الأميركي جو بايدن في اليوم التالي طمأنة المستثمرين مشدداً على أن النظام المصرفي آمن. وفي هذا الوقت، كانت أسهم فيرست ريبابليك والبنوك الإقليمية الأخرى تواصل انزلاقها.
وفي 15 مارس، تراجعت أسهم البنوك الأميركية مرة أخرى، على وقع أنباء عن انهيار كريدي سويس.
وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز التصنيف الائتماني لشركة "فيرست ريبابليك" إلى حالة غير مرغوب فيها، مشيرة إلى ارتفاع مخاطر تدفقات الودائع الخارجة وضغوط الربحية.إلا أن أسهم البنك ارتفعت بعد إعلان أكبر البنوك في الولايات المتحدة عملية إنقاذ مشتركة لدعم سيولة البنك المنكوب.
وأعلن المنظمون الفيدراليون في وقت لاحق أن 11 مصرفاً قد أودع 30 مليار دولار في فيرست ريبابليك.
ولكن، يوم الجمعة الماضي هوت أسهم "فيرست ريبابليك" مرة أخرى لتنهي أسوأ أسبوع لها على الإطلاق، مما يعكس مخاوف المستثمرين من أن مشاكل البنك لم تُعالج بالكامل.
أمس الاثنين، شهد بنك فيرست ريبابليك تخفيض تصنيفاته الائتمانية إلى درجة أعمق، إلى وضع غير مرغوب فيه من قبل ستاندرد آند بورز، الوكالة قالت إن ضخ الودائع الأخير للمقرض، البالغ 30 مليار دولار، من 11 بنكاً كبيراً قد لا يحل مشاكل السيولة لديه.
وخفضت S&P التصنيف الائتماني بثلاث درجات إلى "B-plus" من "BB-plus"، وحذرت من احتمال خفض التصنيف الائتماني مرة أخرى.
وقالت الوكالة إن "فيرست ريبابليك" واجه على الأرجح "ضغوطاً عالية في السيولة مع تدفقات كبيرة إلى الخارج" الأسبوع الماضي، مما يعكس حاجته إلى المزيد من الودائع، وزيادة الاقتراض من الاحتياط الفيدرالي، وتعليق توزيعات الأسهم العادية.
أزمة "كريدي سويس"
في سياق عالمي محموم بالأزمات المصرفية، أعلنت مجموعة كريدي سويس يوم الأربعاء الماضي، أن أسهمها قد هبطت إلى مستوى منخفض جديد، مع انتشار المخاوف بشأن النظام المالي العالمي.
وتضررت أسهم البنوك الأوروبية الأخرى، بما في ذلك بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، وبنك بي إن بي باريبا، ودويتشه بنك الألماني.
تضررت أسهم البنوك الأوروبية الأخرى، بما في ذلك بنك سوسيتيه جنرال الفرنسي، وبنك بي إن بي باريبا، ودويتشه بنك الألمان
في وقت لاحق من ذلك المساء، قال كريدي سويس إنه سيقترض ما يصل إلى 50 مليون فرنك سويسري، أي ما يعادل 53.7 مليار دولار، من البنك المركزي السويسري لدعم السيولة.
في 16 مارس ارتفعت أسعار أسهم بنك كريدي سويس، لتقطع سلسلة خسائر استمرت ثماني جلسات متتالية، بعد إعلان البنك عن القرض الضخم.
وبعد مفاوضات واسعة النطاق، اقتربت مجموعة يو بي أس يوم السبت من إبرام صفقة للاستحواذ على كريدي سويس، كجزء من جهد عاجل من قبل السلطات السويسرية والعالمية لاستعادة الثقة في النظام المصرفي.
و"يو بي أس" هو أكبر بنك في سويسرا من حيث الأصول، وكان يُنظر إليه منذ فترة طويلة على أنه جزء من أي حل مدعوم من الدولة لبنك كريدي سويس، ثاني أكبر بنك في البلاد من حيث الأصول.
ويوم الأحد وافق يو بي أس على الاستحواذ على منافسه كريدي سويس، مقابل أكثر من 3 مليارات دولار، في صفقة صممها المنظمون السويسريون.
تمدد التداعيات
وتعرض سهم بنك يو بي أس الذي استحوذ على بنك كريدي سويس المأزوم، لضربة قوية الاثنين، حيث يشير المحللون إلى "مخاطر التنفيذ" المرتبطة بالصفقة. وفيما انخفض سهم كريدي سويس بنسبة مذهلة وصلت إلى 63 في المائة، تراجع سهم UBS أيضاً بنسبة 13 في المائة، لا بل إن العدوى انتقلت إلى أسهم مصارف أوروبية أخرى.
امتدت التأثيرات إلى الخليج، حيث يمتلك المستثمرون حوالي خمس البنك السويسري، وشهد البنك الأهلي السعودي، أكبر مساهم في البنك، انخفاض قيمة استثماراته بنحو مليار دولار
وصباح أمس الاثنين انخفض مؤشر Euro Stoxx Banks بنسبة 3 في المائة في التعاملات المبكرة. وأشارت وكالة بلومبيرغ إلى هبوط جماعي في أسهم البنوك الأوروبية، فقد تراجع سهم دويتشه بنك 3.9 في المائة، وسوسيتيه جنرال 4.1 في المائة، وكريدي أغريكول -4.9 في المائة، وبي إن بي باريبا 3.3 في المائة، وتراجع BBVA بنسبة 5.4 في المائة، وكذلك كومرتس بنك 2.8 في المائة، وأيه بي أن آمرو 4.4 في المائة.
وامتدت التأثيرات إلى الخليج، حيث يمتلك المستثمرون هناك حوالي خمس البنك السويسري، وشهد البنك الأهلي السعودي، أكبر مساهم في البنك السويسري، انخفاض قيمة استثماراته بنحو مليار دولار.
كما تراجعت قيمة حيازة جهاز قطر للاستثمار، الداعم طويل الأجل لبنك كريدي سويس، بعد زيادة حصته في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وتبلغ قيمة الحصة البالغة 9.9 في المائة التي يملكها أكبر بنك في السعودية الآن حوالي 304 ملايين فرنك (329 مليون دولار)، بعد عرض "UBS" الاستحواذ على كريدي سويس، وفقاً لحسابات "بلومبيرغ".
واستثمر البنك الأهلي السعودي، المملوك بنسبة 37 في المائة لصندوق الاستثمارات العامة، 1.4 مليار فرنك في بنك كريدي سويس، أواخر العام الماضي.
وتراجعت الأسهم في البنك السعودي بنحو الثلث خلال تلك الفترة، مما أدى إلى محو أكثر من 25 مليار دولار من قيمته السوقية.
وساعدت مشاركة الصندوق القطري في إصدار سندات كريدي سويس القابلة للتحويل بنحو ملياري دولار في إبريل/ نيسان 2021 في دعم ميزانيته العمومية.
في يناير/ كانون الثاني، أصبح جهاز قطر للاستثمار ثاني أكبر مساهم في كريدي سويس، عندما عزّز حصته إلى 6.87 في المائة من حوالي 5.6 في المائة. كما تعتبر مجموعة العليان السعودية من بين أكبر المساهمين بحصة تبلغ 3.27 في المائة.