يتزايد استخدام العملات المشفرة بين تجار المخدرات حول العالم، لا سيما في أميركا اللاتينية، فيما تُعد "بيتكوين" الأكثر شيوعاً في مبيعات الأدوية عبر الإنترنت، واللافت أن العديد من وكالات إنفاذ القانون تفتقر إلى المعرفة اللازمة في هذا المجال الاحترافي.
لعقود من الزمن، كان تجار المخدرات يحملون أموالهم في حقائب لتفادي الضوابط المصرفية والشرطة. واليوم، يستخدم الكثيرون أيضاً محافظ العملات المشفرة الافتراضية المثبتة على هواتفهم المحمولة.
عندما أعلنت وزارة العدل الأميركية اتهامات في أبريل/نيسان ضد 4 من أبناء زعيم المخدرات المكسيكي المسجون خواكين "إل تشابو" غوزمان، قالت لائحة الاتهام إنهم استخدموا "عملة مشفرة لا يمكن تعقبها" لغسل أرباح عملية تهريب "الفنتانيل" الأميركية.
ويتهم زعماء عصابة سينالوا، المعروفة باسم "تشابيتو"، بشراء مواد كيميائية من الصين لتصنيع الفنتانيل، وهو مادة أفيونية اصطناعية، في مختبرات سرية في المكسيك لتوزيعها في الولايات المتحدة.
وفي نفس اليوم من أبريل/نيسان، أعلنت السلطات الأميركية أيضا عن اعتقال أحد مبيضي الأموال المطلوبين في غواتيمالا، والذي يقولون إنه يعمل لصالح الكارتل، واتهمته بجمع 869 ألف دولار من أرباح المخدرات وإيداع الأموال النقدية في محافظ العملات المشفرة.
ويقول باحثون ومسؤولون إن هذه الحالات تسلط الضوء على كيفية قيام عصابات المخدرات وعصابات الجريمة في أميركا اللاتينية باستخدام العملات الافتراضية لغسل الأموال وتلقي المدفوعات وبيع المخدرات على الإنترنت المظلم لأن سلطات إنفاذ القانون تجد صعوبة في اكتشاف الصفقات.
المديرة في فريق الأمن الداخلي والعدالة في مركز الأبحاث التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي غريتا غودوين قالت: "إن التكنولوجيا تتحسن بشكل أساسي، مما يزيد من صعوبة ملاحقة جهات إنفاذ القانون لهؤلاء الممثلين السيئين لأن هذه العملية توفر وتسمح بعدم الكشف عن هويتهم"، وفقاً أيضاً لتأكيدات مكتب محاسبة الحكومة الأميركية (GAO)، وهو هيئة رقابية تابعة للكونغرس.
بدوره، قال عالم البيانات والباحث في العملات المشفرة، كيم غراور، إن المجرمين يستخدمون العملات المشفرة لأنها طريقة سهلة وفعالة للقيام بالأعمال التجارية، خاصة عبر الحدود.
غراور، وهو رئيس قسم الأبحاث في شركة "تشاينولوجي Chainalogy، وهي شركة لتحليلات "بلوكتشاين" blockchain، قال: "يتم استخدام العملة المشفرة حقا لأنها عملية دفع سريعة وفورية"، مضيفاً: "إننا نشهد ظهور المزيد من الحالات".
وهذا هو الاتجاه الذي تستغله أيضاً مجموعات الجريمة المنظمة في البرازيل وأميركا الوسطى، وفقاً لتقرير نُشر في مجلة جورج تاون للشؤون الدولية في مارس/آذار.
ووجد التقرير أن العصابة الإجرامية MS-13 التي تعمل في السلفادور وهندوراس وغواتيمالا تستخدم "بيتكوين" كوسيلة للضحايا لتسليم مدفوعات الابتزاز وكدفعة لنقل الكوكايين إلى المكسيك.
وقالت إن جماعات الجريمة المنظمة "تكتشف شقوقاً متزايدة في البنية الإقليمية لمكافحة غسل الأموال، مما يجعل التحول إلى العملات المشفرة جذاباً بشكل متزايد".
وقال دوغلاس فرح، المؤلف المشارك للتقرير، إن استخدام العملة المشفرة لغسل أموال المخدرات كان أسهل في البلدان التي لديها تنظيمات متساهلة في مجال العملات المشفرة أو حيث يتم تصنيف عملة البيتكوين كعملة قانونية، مثل السلفادور.
فرح الذي يرأس شركة IBI Consultants، وهي شركة استشارات أمنية مقرها الولايات المتحدة، قال: "يمكن للدولار أن يدخل ويخرج من عملة بيتكوين دون إمكانية التتبع... لا يوجد أي سيطرة على معاملات "بيتكوين"، ولكن لا توجد مراقبة، ولا محاولة لفعل أي شيء حيال ذلك".
وفي السياق، قالت شركة استخبارات العملات المشفرة "سيفر ترايس" CipherTrace، إنه لنقل الأموال من خلال منصات العملات المشفرة، يستفيد المجرمون من عمليات التبادل غير المنظمة التي لا تتطلب إثبات الهوية أو معلومات التسجيل.
في المكسيك، لمنع اكتشاف المعاملات من قبل السلطات التي تطلب من منصات تداول العملات المشفرة المسجلة للإبلاغ عن التحويلات التي تزيد عن 56 ألف بيزو (3300 دولار)، يقوم المجرمون بشراء وغسل كميات صغيرة من "بيتكوين"، وفقاً لتقرير صدر عام 2021 عن الهيئة الدولية لمراقبة المخدرات.
يقوم المجرمون العاملون في أميركا اللاتينية أيضاً باستئجار خدمات "البهلوانات" الذين، مقابل عمولة، يخلطون العملات المشفرة القابلة للتحديد مع الأموال غير القانونية لجعل تعقبها أكثر صعوبة، وفقاً لـ"تشيبر ترايس" CipherTrace.
ومع ذلك، لم تقم معظم دول المنطقة بتحديث لوائحها الخاصة بمكافحة غسل الأموال لتشمل العملات المشفرة، وفقا لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC).
وقالت غودوين من مكتب محاسبة الحكومة إن البلدان التي لديها متطلبات قليلة أو معدومة للامتثال فيما يتعلق بغسل الأموال أثبتت جاذبيتها للمجرمين الذين يستخدمون العملات المشفرة.
وقالت: "يمكنهم استخدام ذلك لتجنب الكشف وتحديد الهوية من قبل سلطات إنفاذ القانون، وقد وجدنا أن ذلك يمثل تحدياً كبيراً".
يسير اعتماد العملات المشفرة في تجارة المخدرات أيضا جنباً إلى جنب مع ارتفاع مبيعات المخدرات على الإنترنت المظلم - وهو جزء مخفي من الإنترنت، وفقاً لتقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2021.
وقالت إن أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي شهدت "نمواً مستداماً" في تهريب المخدرات الاصطناعية والمواد الأفيونية عبر الإنترنت، ومعظمها باستخدام عملة بيتكوين - أول عملة مشفرة تدخل السوق في عام 2009.
وفي مايو/أيار، قالت السلطات الأميركية إن "عملية سبيكتور" SpecTor التي امتدت إلى 3 قارات وتهدف إلى تعطيل تهريب الفنتانيل والمواد الأفيونية على شبكة الإنترنت المظلمة، أسفرت عن مصادرة 53.4 مليون دولار نقداً وعملات مشفرة.
ويقول تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إن تجار المخدرات استغلوا وجود المزيد من الأشخاص على الإنترنت، ويقومون أيضاً بالإعلان عن المخدرات على مواقع وتطبيقات المواعدة، مثل "غريندر" Grindr و"تريندر" Tinder.
وبمجرّد اتصال البائعين والمشترين، تميل الاتصالات إلى الانتقال إلى تطبيقات المراسلة المشفرة مثل "تيليغرام" Telegram.
عمليات غسل أموال إلكترونية بلا حدود
المنسقة الإقليمية لمكافحة الجرائم الإلكترونية في أميركا الجنوبية بمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ماريانا كيفر قالت إن هذا الاتجاه زاد خلال جائحة كورونا عندما نمت المنصات الإلكترونية التي تبيع المخدرات حيث كان الناس عالقين في منازلهم.
وقالت كيفر إن "معظم الأنشطة عبر الإنترنت المتعلقة بتهريب المخدرات تتم من خلال العملات المشفرة. وهذا أمر جذاب لتجار المخدرات حيث يمكنهم الوصول إلى المزيد من الأشخاص عبر الإنترنت الذي ليس له حدود".
وتُسجّل العديد من معاملات العملة الافتراضية بشكل دائم على سلاسل الكتل العامة، والتي تظهر جميع المعاملات بين المحافظ، مما يعني أنه يمكن للشرطة والباحثين تتبع المعاملات بشرط أن يكون لديهم الأدوات والبرامج والخبرة المناسبة.
وفي دراسة أجريت عام 2021، تمكنت "تشاينا أناليسيز" Chaina Analysis من تحديد عناوين العملات المشفرة المرتبطة ببائعي سلائف الفنتانيل المشتبه بهم في الصين. ووجدت أن العناوين تلقت ما قيمته أكثر من 37.8 مليون دولار من العملات المشفرة منذ عام 2018.
وغالباً ما يعتمد الاختراق على ما إذا كان من الممكن الوصول إلى عنوان العملة المشفرة الصحيح الذي تلقى دفعة تسمح للباحثين بمتابعة الأموال.
وقال غراور: "إننا نحرز تقدماً في كيفية تحديد عناوين العملات المشفرة هذه"، معتبراً أن التحدي الرئيسي يتمثل في التأكد من أن وكالات إنفاذ القانون ووكالات المخدرات الأميركية على دراية بالعملات المشفرة حتى يفهموا "ما يبحثون عنه بالفعل"، لبناء تحقيق من قواعد بيانات معقدة.
بدورها تقول غودوين إن وكالات إنفاذ القانون الأميركية تتعاون مع خبراء آخرين لتتبع مدفوعات العملات المشفرة حيث يتكيّف المجرمون ويستخدمون التكنولوجيا الجديدة لتجنب اكتشافهم، مشيراً إلى أن "الأمر يتطلب برامج كمبيوتر متطوّرة حقاً، وبعض وكالات إنفاذ القانون لا تملك الخبرة الداخلية التي قد تحتاج إليها".
(رويترز، العربي الجديد)