الارتفاع الجنوني في سعر صرف الدولار يهدد أسواق المال والاستقرار الجيوسياسي العالمي وينذر بحدوث اضطرابات سياسية في الدول الفقيرة، حسب تحليل بمجلة "بارونز" الأميركية.
على الصعيد النظري فإن الدولار القوي في اقتصاد ذي أداء قوي مثل الاقتصاد الأميركي، يجب أن يساهم في إنعاش الاقتصاد العالمي ويؤدي إلى رفع صادرات الدول الضعيفة اقتصادياً إلى السوق الأميركي ويمنع ارتفاع معدل التضخم في الولايات المتحدة عبر خفض كلف الواردات للشركات الأميركية.
ولكن ما يحدث حالياً وعلى المستوى الفعلي، أن ارتفاع سعر صرف الدولار القوي السريع بات يهدد الاقتصاد العالمي الذي يعاني حالياً من أزمة الحرب الروسية في أوكرانيا ولم يتعاف من تداعيات جائحة كورونا في العديد من القطاعات الإنتاجية.
ويرى محللون أن الدولار القوي وسط هذه المخاطر ربما يهدد بانهيار أسواق المال العالمية. وتواصل الأسواق الأوروبية التراجع الكبير كما تقترب قيمة اليورو من دولار واحد وتدفع المستثمرين للهروب من السندات الأوروبية. وفي آسيا، قالت صحيفة "وول ستريت جورنال"، إن السندات الآسيوية خسرت نحو 100 مليار دولار خلال العام الجاري.
ومنذ بداية العام ارتفع الدولار بنسبة 10% حسب مؤشر "دي أكس واي" العالمي لقياس قيمة العملات الرئيسية، كما ارتفع بنسبة 16% خلال الـ12 شهراً المنصرمة، وهو ما يعني أعلى معدل ارتفاع منذ 20 عاماً.
ويرى محللون أن هنالك ثلاثة عوامل دفعت الدولار للارتفاع الجنوني. وهذه العوامل هي: أولاً، التوقعات برفع مجلس الاحتياط الفدرالي الأميركي للفائدة المصرفية بسرعة أكبر من توقعات المصارف المركزية العالمية بالاقتصادات الكبرى.
ثانياً: جذب الاقتصاد الأميركي الذي يتمتع بأداء قوي لرؤوس الأموال من الأسواق العالمية، بسبب بحثها عن عائد دولاري عبر شراء الأصول الأميركية.
ثالثاً: توجه كبار المستثمرين لتفادي الأصول الخطرة في الأسواق الناشئة وبالتالي شراء الأصول الأميركية "كملاذ آمن".
ومن بين التداعيات الخطرة على العالم التي يشير إليها محللون من الدولار القوي خلال العام الجاري، زيادة عجز الميزان التجاري الأميركي بسبب زيادة الواردات وبالتالي ربما يهدد هذا العامل بنشوب حروب تجارية بين أميركا والاقتصادات الآسيوية، خاصة الاقتصاد الصيني.
أما الخطر الثاني الذي يشير إليه خبراء حسب تحليل بوكالة بلومبيرغ، فهو أن اقتصادات الدول النامية ستعاني من ارتفاع خدمة الديون الخارجية وسط أزمات ارتفاع أسعار الطاقة والغذاء.
ولا يستبعد محللون أن يقود هذا إلى عجز بعض الدول عن تسديد ديونها والتوقف عن خدمة الديون بسبب الدولار القوي. كما يهدد الدولار القوي بارتفاع كلف المعيشة إلى مستويات تدفع الشعوب بالدول النامية إلى موجة من الاحتجاجات مثلما يحدث حالياً في إيران، وربما تهدد الضغوط المعيشية باضطرابات سياسية وعدم استقرار جيوسياسي عالمي.