- الطائرات المعروضة للبيع من طراز A320-200، اشتريت بـ1.2 مليار دولار وتباع بخسارة 40%، وسط انتقادات لعدم ملاءمتها للظروف المناخية وتوجهات لبيع الشركة.
- تحيط شبهات الفساد بالصفقة مع تسريع التعاقدات ودعم سياسي، وسط دعوات لطرح نسبة من أصول الشركة في البورصة لتحسين الإدارة والتخلص من الخسائر.
عاش العاملون في الشركة الوطنية "مصر للطيران" حالة من الصدمة، على مدار اليومين الماضيين، إثر إعلان رئيس الشركة القابضة يحيى زكريا، بيانا مفاجئا حول قرار بيع 12 طائرة من اجمالي أسطول الشركة البالغ 80 طائرة، لاستخدام حصيلة البيع في سداد ثمن قرض شراء الطائرات.
أدهشت الصفقة أعضاء الغرف السياحية والفندقية، ومسؤولي وزارة السياحة التي تطالب بمضاعفة عدد المقاعد المتاحة على مصر للطيران والشركات العاملة في مصر، لضمان توفير طاقة تستوعب زيادة عدد الزائرين للبلاد من 14 مليونا إلى 30 مليون مسافر بحلول عام 2030.
لم تقتصر الصدمة على الطائرات من طراز A320-200 التي اشترتها مصر من مجموعة إيرباص الأوروبية، منذ عامين فقط، بنحو 1.2 مليار دولار، ويعرضها للبيع على وجه السرعة، خلال الشهر الجاري، بأقل 40% من قيمتها السوقية، وإنما امتدت الصدمة إلى سبب التخلص من الصفقة، بقول رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران إن "الطائرات بيعت بسبب عدم ملاءمتها لظروف مصر المناخية".
أثارت صفقة البيع حالة من السخط بين العاملين الذين يرون في قرار رئيس الشركة المفاجئ، مقدمة لبيع الشركة الوطنية، التي تتعرض لخسائر مالية فادحة، بلغت 30 مليار جنيه (الدولار = نحو 47.5 جنيها)، بنهاية عام 2023، وتفشل الإدارة في تعويمها من تلك الخسائر المتتالية، جراء سوء الإدارة، وشح الموارد بالدولار، وتدهور قيمة الجنيه، رغم حصولها على قرضين من بنكي الأهلي ومصر الحكوميين بـ 8 مليارات جنيه العام الماضي، مع وجود مخاوف من ملاحقة الدائنين الأجانب للشركة في حالة تعثر سداد ديونها بالعملة الصعبة.
شبهة فساد
يشير عاملون بمصر للطيران إلى وجود شبهة فساد حول الصفقة، ظهرت منذ الشروع في التعاقد على شرائها، حيث أجريت التعاقدات، بسرعة أدهشت الجميع، بحماس منقطع النظير من يحيى زكريا حينما شغل منصب رئاسة "مصر للطيران" وبدعم قوي من رئيس الشركة القابضة السابق لمصر للطيران ووزير الطيران السابق، أحمد عادل، بينما كانت التقارير الفنية حول أداء تلك النوعية من الطائرات، تبين عيوبا فنية بأجهزة التوجيه والدوائر الكهربائية.
تشير مصادر بالشركة إلى وقوف قيادات بالدولة وراء إتمام الصفقة، في إطار الحصول على دعم سياسي للنظام، من الدول المالكة لمجموعة "إيرباص" تأتي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا على رأسها، بما مكن مصر للطيران من الحصول -خلال أسابيع- على ضمانات التمويل من البنوك الأوروبية، وموافقة البرلمان وزارة المالية عام 2022، على تقديم ضمان لسداد قيمة الصفقة بالعملة الصعبة للجهات الدائنة.
عيوب الطائرات
تؤدي العيوب إلى تشقق في الجسم الخارجي، تجعل هذه النوعية من الطرازات الأكثر احتمالا للسقوط المفاجئ، والأكثر تعرضا للحوادث أثناء الطيران، وقد دفعت مثل هذه العيوب شركات عربية ودولية، سبقت مصر للطيران في اقتنائها، إلى التخلص منها ووقف استلام باقي الطائرات المتعاقد على تصنيعها.
فجر عضو مجلس النواب كريم طلعت السادات مفاجأة من العيار الثقيل قائلا لـ"العربي الجديد" إن العيوب الفنية بصفقة الطائرات كانت معلومة لرئيس شركة مصر للطيران، أثناء التعاقد على شرائها، ومعروفة بين المسؤولين بالدولة وأعضاء مجلس النواب منذ نحو عام ونصف العام بأن هذه الطائرات غير صالحة للاستخدام.
مع ذلك يعتبرها زكريا من أكثر الطائرات المجهزة بأحدث التقنيات المبكرة وتمثل الاختيار المثالي لمصر للطيران، التي تحتاج إلى إضافة وتطوير جميع طائراته، ساعيا إلى شراء طائرات أخرى من هذا الطراز ذي الممر الواحد والأكبر منه، عبر خطة ممتدة للشراء حتى عام 2025.
يحمّل السادات مسؤولية البيع المفاجئ للصفقة بعد عامين من شرائها، وشبهة الفساد المحيطة بها إلي وزير الطيران الفريق محمد عباس مطالبا بإقالته، وعدم ضمه للتشكيل الوزاري المرتقب، باعتباره المسؤول الأول عن صفقة البيع، واستمرار إهدار المال العام في إدارة مصر للطيران، بما يعرضها لخسائر فادحة.
يؤكد السادات أن الشركة الوطنية تعاني منذ سنوات، من سوء الإدارة والاعتماد على أهل الثقة، واستبعاد أهل الخبرة، وغياب الشفافية مع حالة ترهل أصابت نظام العمل بها، أدى إلى إخراجها من قائمة أفضل 100 شركة عالمية، وخسارتها الريادة التاريخية التي حققتها عربيا وأفريقيا منذ إنشائها عام 1932، إلى بضع سنوات مضت، قبل أن تحتفل بمرور قرن على تأسيسها بأموال شعبية مصرية خالصة، واكبت إنشاء مؤسسات مالية وصناعية كبرى، مثل مصانع الغزل والنسيج بالمحلة وبنك مصر.
يؤكد السادات أن صفقة البيع لم تمثل مفاجأة له لأن رئيس الشركة يجهز لها منفردا منذ عدة أشهر، بعد انتشار أنباء وجود العيوب الفنية بالطائرات، مبينا أنه انتظر لتنفيذ الاتفاق بعد تعويم الجنيه لتظهر القيمة للصفقة بالجنيه بمستوى أعلى في الموازنة الخاصة بالشركة، دون أن يكون لذلك عائد حقيقي في قيمتها السوقية التي ستقدر بالدولار أو اليورو.
البيع لسداد قرض الشراء
أوضح بيان رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران، توجهه نحو بيع الطائرة لشركة "آزور" للطيران، خلال الشهر المقبل، على دفعات، تنتهي في مارس/ آذار 2025، مع استغلال قيمة البيع في سداد ثمن قرض الشراء، متجاهلا قيمة الأقساط التي سددتها مصر للطيران للبنوك الأوربية الداعمة لها، ودون الكشف عن ضمانات السداد، نيابة عن مصر للطيران، التي ستتحملها الشركة الأوروبية متوسط الحجم والعاملة في مجال الطيران العارض" الشارتر".
يظهر الاتفاق توجه زكريا إلى شراء صفقة بديلة تشمل 10 طائرات إيرباص طراز 350-900 عريض البدن، وإحلال 18 طائرة جديدة طراز بوينغ 737-8 ماكس ضيقة البدن، سعة 170 راكبا محل الطائرات المتنازل عنها لشركة آزور.
تكشف مصادر الشركة عن اتفاق وقعه رئيس شركة مصر للطيران السابق، محمد موسى، عن شراء 4 طائرات إيرباص طراز 321 المعدل لنفس طائرات الصفقة المشبوهة، ذات الممر الواحد سعة 166 مقعدا، عام 2023، مقرر لها أن تدخل الخدمة قبل نهاية العام الجاري.
تبلغ قيمة الطائرة 113.3 مليون دولار، وفقا للموقع الرسمي لإيرباص، عدا عمولة الموردين والفوائد البنكية للقروض.
وسبق أن وافقت الشركة القابضة لمصر للطيران، عام 2019، على شراء 20 طائرة من طراز الإيرباص A320 لصالح شركة "أير كايرو" المملوكة لشركة مصر للطيران، التي خصصتها للعمل في الطيران العارض، كبديل لشركة "أير سيناء" التي تطير بين القاهرة وتل أبيب بالأراضي المحتلة، مع إنشاء وحدة لصيانة تلك الطائرات في أحد مطارات دولة الإمارات، بدلا من الاعتماد على مركز الصيانة التي أسسته مصر للطيران، لعمل العمرات الشاملة للطائرات المملوكة لها بمطار القاهرة الدولي منذ عقدين.
وتكررت الحوادث لهذه النوعية من الطائرات، وهو ما دفع شركات طيران خليجية إلى وقف طلبات الشراء المتعاقدة عليها مع إيرباص، بسبب تآكل الطلاء الخارجي للبدن، بما يزيل الطبقة العازلة للصواعق وتمزق الأجنحة ودفة الطائرة، عدا العيوب الكهربائية، وعطل ميكانيكي نادر يؤكد خبراء تسببه في ارتفاع إجمالي الحوادث السقوط المفاجئ، إلى 10 حالات منذ عام 2010، حتى 2023 من بينها الطائرة المصرية التي سقطت فجأة فوق أجواء إيطاليا في رحلة العودة من مطار شارل ديغول بباريس عام 2016، والتي حاولت فرنسا ربطها بعملية إرهابية، إلا أن التحقيقات بعد عامين أظهرت أن وراء السقوط عطلا كهربائيا مفاجئا بقمرة القيادة.
ورفضت طيران "العراق" استلام حصتها المتبقية من إيرباص 320، عام 2022، لوجود عيوب فنية، أعلنت عنها في تقرير فني وزعته على الصحف المحلية والدولية.
اهتزاز الثقة
يؤكد عضو غرفة شركات السياحة، أشرف صالح، أن قرار بيع الطائرات المفاجئ أدى إلى اهتزاز ثقة الشركات في تعاملاتها مع مصر للطيران التي تحصل على عقود احتكارية لتنقلات رحلات الحج والعمل في المطارات الرئيسية بالدولة، بينما يجري قياداتها صفقات مشبوهة لطائرات غير صالحة فنيا، وفقا لتصريحات رئيس الشركة ذاته.
وقال صالح إن هذه الإجراءات تستدعي إحالة كل المشاركين في إبرام الاتفاق على شراء الطائرات المباعة للتحقيق، مؤكدا حاجة الدولة إلى مضاعفة عدد الطائرات وسعة المقاعد بأسطول مصر للطيران، إذا كانت وزارة السياحة جادة في جلب نحو 30 مليون سائح، خلال 5 سنوات فقط.
كما يؤكد أن بيع الطائرات سيصيب مصر للطيران بمزيد من الخسائر، لأنها ستضطر إلى تأجير المزيد من الطائرات لمواجهة الطلب على رحلات الحج التي تحتكرها بمفردها، وزيادة حركة السفر بالطائرات التي تجذب 90% من تعداد القادمين للبلاد.
كررت الحوادث لهذه النوعية من الطائرات، وهو ما دفع شركات طيران خليجية إلى وقف طلبات الشراء المتعاقدة عليها مع إيرباص، بسبب تآكل الطلاء الخارجي للبدن
يقول صالح لـ "العربي الجديد" إن الأمر يتطلب "قطع رقاب" (إقالة مسؤولين) في إشارة واضحة لوجود شبهة فساد في إبرام الصفقة برمتها بمرحلتي البيع والشراء، دون أن يحاسب أحد كبار المسؤولين عنها، مبينا أن هذه الصفقات عادة ما تضم لجانا فنية وقانونية من كبار المسؤولين بمصر للطيران ووزارة الطيران المدني.
تحمل قيادات باتحاد الغرف السياحية والفندقية، وهي الجهات المنوط بها تسويق منتجات الشركة الوطنية، المسؤولين بمصر للطيران والحكومة، تبعات سوء الخدمة المقدمة من قبل الشركة الوطنية والجودة، رغم امتلاكها كوادر رفيعة من الطيارين التي تحاول شركات أجنبية جذبهم للعمل بها.
كذلك يدعو نواب ورجال أعمال إلى طرح نسبة تصل إلى 40% من أصول مصر للطيران أمام المواطنين، في البورصة، ليشارك القطاع الخاص في إدارتها بما يزيل الخسائر المتراكمة عليها جراء المحسوبية في الإدارة، والتي أدت إلى توظيف نحو 37 ألف شخص، واستمرار نزيف الخسائر.
يعزو وزير الطيران محمد عباس حلمي خسائر الشركة إلى نقص النقد الأجنبي، وتحمل الشركة أعباء تعيين آلاف المواطنين، خلال السنوات الأخيرة، مطالبا بمزيد من الدعم المالي لها، لتحسين قدرة الشركة على المنافسة في الخدمة وتطوير أسطول الطيران، آملا أن تسترد الشركة قدرتها على المنافسة والتواجد بين أفضل 100 شركة عالمية، بعد انتهاء الشركة البريطانية التي تتولى التقييم الدولي، من عملها خلال الشهر الجاري.