بعد بيانات النمو والتضخم والإنفاق التي ظهرت في واشنطن الأسبوع الماضي، تنظر الأسواق في أميركا والعالم إلى الأسبوع الجديد، باعتباره محورياً في تحديد قرار بنك الاحتياط الفيدرالي ببدء دورة جديدة لخفض أسعار الفائدة في مارس/ آذار، أو تأجيل ذلك لموعد لاحق.
وتصدر وزارة العمل الأميركية هذا الأسبوع أربعة تقييمات مهمة لسوق العمل في أميركا، تقيس من خلالها الطلب على العمالة ونمو الأجور والإنتاجية والتوظيف. ولكن الحدث الرئيسي للأسبوع، وهو اجتماع مجلس الاحتياط الفيدرالي على مدار يومي الثلاثاء والأربعاء، يمكن أن يخبر الأسواق، بدرجة عالية من الثقة، بما يمكن توقعه من البنك المركزي الأكبر في العالم، في الربيع.
وستمثل كلمات جيروم باول، رئيس البنك الفيدرالي، بعد الإعلان المنتظر عن تثبيت أسعار الفائدة الأساسية، أهمية كبيرة للعديد من الأسواق حول العالم، حيث ما زالت العقود الآجلة تعكس احتمالاً بنسبة 50% تقريباً لخفض أسعار الفائدة في شهر مارس، وذلك على الرغم من تأكيد مسؤولي البنك في أكثر من مناسبة أن "الوقت ما يزال مبكراً للبدء في تخفيض أسعار الفائدة".
وقال كريستيان شيرمان، الاقتصادي الأميركي في مجموعة DWS، لشبكة "سي أن أن" الإخبارية: "بعد أن رسمت الأسواق توجهاً متشائماً في اجتماع ديسمبر/ كانون الأول، وبذل مسؤولو البنك الفيدرالي جهوداً كبيرة لدفع ذلك إلى الوراء، فإن الاجتماع القادم يمثل فرصة عظيمة لمواصلة إدارة التوقعات".
سوق العمل والفائدة الأميركية
وسيظهر تقرير فرص العمل ودوران العمالة لشهر ديسمبر، الذي سيصدر يوم الثلاثاء، اختلالات العرض والطلب في السوق، من خلال تحديد أحدث نسبة لفرص العمل إلى عدد العاطلين الباحثين عن عمل. وتمثل سوق العمل، في وجهة نظر رئيس البنك الفيدرالي، العامل الأكثر أهمية لتحديد توجهات التضخم، ومن ثم أسعار الفائدة.
ووصلت هذه النسبة إلى ذروة 2 إلى 1 في ربيع عام 2022، لكنها تقلصت منذ ذلك الحين إلى 1.4 إلى 1 في نوفمبر/ تشرين الثاني. وانخفضت فرص العمل من ذروتها البالغة حوالي 12 مليوناً في مارس 2022 إلى 8.79 ملايين في نوفمبر، واستقرت البطالة بالقرب من أدنى مستوياتها التاريخية.
ووفقاً لتقديرات FactSet حتى بعد ظهر يوم الجمعة، يتوقع الاقتصاديون أن يشهدوا انخفاض فرص العمل في ديسمبر إلى 8.71 ملايين. وسينظر المراقبون أيضاً في عمليات التسريح من العمل الواردة في التقرير، بحثاً عن علامات على ضعف سوق العمل. وظلت عمليات تسريح العمالة أقل من مستويات ما قبل الوباء في الأشهر الأخيرة.
الأجور والفيدرالي الأميركي يوم الأربعاء
ويوم الأربعاء، ستصدر وزارة العمل مؤشر تكلفة التوظيف ECI للربع الرابع، وهو مقياس شامل لتكاليف العمالة لأصحاب الشركات. وانخفض مؤشر ECI بشكل مطرد طوال عام 2023، لكن بعض الاقتصاديين يقولون إن مكاسب الأجور لا تزال مرتفعة بعض الشيء، ولا تتسق بعد مع معدل التضخم المستهدف من البنك الفيدرالي، والبالغ 2%.
وتحمل أصحاب الشركات زيادة بنسبة 1.1% على الأجور والمزايا في الفترة من يوليو/ تموز إلى سبتمبر/ أيلول مقارنة بفترة الثلاثة أشهر السابقة، وهو ارتفاع طفيف عن المكاسب البالغة 1% في الفترة من أبريل/ نيسان حتى يونيو/ حزيران. ومع ذلك، فهذا أقل من الزيادة بنسبة 1.4% في الربع الأول من عام 2022. ويتوقع الاقتصاديون أن يظهر تقرير ECI للربع الرابع ارتفاعاً بنسبة 1% عن الربع الثالث.
وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، يعلن بنك الاحتياط الفيدرالي عن قراره الأخير بشأن سعر الفائدة، والذي من المتوقع على نطاق واسع أن يكون تثبيتاً له عند أعلى مستوى منذ 23 عاماً، وذلك للاجتماع الرابع على التوالي. وسوف يولي المستثمرون اهتماماً وثيقاً لكيفية وصف باول لموقف السياسة، وتحسن التضخم على مدى الأشهر القليلة الماضية، ووتيرة النمو الاقتصادي الأخيرة، وحالة الظروف المالية.
وكتب مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في بنك "جيه بي مورغان"، في مذكرة يوم الجمعة: "في اجتماع هذا الأسبوع، نتوقع أن يتحول البنك الفيدرالي إلى موقف محايد، وألا ينقل أي تحيز إما للتشديد أو التيسير في الاجتماع اللاحق. نتوقع أن تكون التوجيهات المستقبلية هي الحدث الرئيسي هذا الأسبوع، ولكن هناك أيضاً بقية البيان الذي يجب مراعاته، بالإضافة إلى المؤتمر الصحافي".
وقال فيرولي إنه إذا عبر باول عن شيء مفاده "إبقاء السياسة مقيدة حتى نثق في أن التضخم يسير على الطريق نحو هذا الهدف"، فستكون هذه إشارة من بنك الاحتياط الفيدرالي لعدم الميل لخفض أسعار الفائدة في مارس. أما عن تعديل الأسواق لتوقعاتها وفقاً لذلك فهي مسألة أخرى.
بيانات الإنتاجية وتقرير الوظائف
وفي ختام أسبوعين ملحميين من الأخبار الاقتصادية، سيقيس تقرير الوظائف لشهر يناير، المتوقع صدوره هذا الأسبوع، صحة سوق العمل الأميركية في الشهر الأول من العام.
وكان نمو الرواتب الشهرية قوياً في الأشهر الأخيرة، حيث أضاف أصحاب العمل 216 ألف وظيفة قوية في ديسمبر، وظل معدل البطالة ثابتاً عند مستوى منخفض بلغ 3.7%. كذلك ظل نمو متوسط الأجر في الساعة الشهر الماضي أعلى من أي شيء شوهد في أوقات ما قبل الوباء.
وسيشعر مسؤولو بنك الاحتياط الفيدرالي بالارتياح عندما يرون مكاسب الوظائف معتدلة في يناير. ويقدر الاقتصاديون أن أصحاب العمل أضافوا 170 ألف وظيفة في يناير/ كانون الثاني، وفقاً لتقديرات FactSet، مع ارتفاع معدل البطالة إلى 3.8%. وسيكون ذلك بمثابة تطور مرحب به من جانب البنك الفيدرالي لأنه يظهر أن سوق العمل يتراجع قليلاً، لكنه لا يسقط في الهاوية.
وأي شيء أقل من 170 ألف وظيفة مضافة يمكن أن يكون أيضاً أمراً جيداً لمسؤولي بنك الاحتياط الفيدرالي، طالما أنه أعلى من الحد الأدنى لعدد الوظائف الجديدة اللازمة لمواكبة النمو السكاني، والذي يتراوح بين 70 ألفاً و100 ألف. ويريد بنك الاحتياط الفيدرالي أن يرى سوق عمل هادئة، بما يساهم في جهود السيطرة على التضخم.