يبدو اجتماع لجنة السياسات بالمصرف المركزي التركي، غداً الخميس، الاختبار الأول والأهم لنهج وتوجه الحكومة الجديدة، وفي مقدمتها وزير المال والخزانة محمد شيمشك ورئيسة المصرف المركزي حفيظة غاية أركان.
وتذهب التوقعات المحلية إلى رفع سعر الفائدة، على مراحل، ولكن بنسب كبيرة ومتتالية، في حين ذهبت التوقعات العالمية إلى رفع كبير لنسبة الفائدة في الاجتماع لتزيد عن 30%، لامتصاص فائض السيولة من السوق وتحسين سعر صرف الليرة.
وقاد الرئيس التركي، خلال السنوات الماضية، سياسة الفائدة المنخفضة، لتتراجع من 19% في آذار/ مارس 2021 إلى 8.5% بعد آخر تخفيض في فبراير/ شباط الماضي.
سيناريوهات الرفع
يرى أستاذ المالية بجامعة باشاك شهير في إسطنبول فراس شعبو أن "التوجه التركي الجديد، بعد تعيين شيمشك وغاية أركان، نحو رفع سعر الفائدة"، مشيراً إلى أن زيادة الإنفاق العام وتدخل المصرف المركزي لوقف تدهور سعر الصرف كبّدا الاحتياطي نحو 33 مليار دولار".
ويستدرك شعبو في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "القضية هي في نسبة الرفع"، مشيراً إلى أن "التوقعات العالمية برفع عالٍ ومفاجئ للفائدة خطر سيؤثر على طبيعة وحجم الإنتاج والتجارة التركية".
وأشار إلى أن "رفع الفائدة إلى 30% يعني أن الأموال ستذهب إلى خزائن المصارف، لأنه لا يمكن لأي قطاع أن يدرّ أرباحاً سنوية مضمونة تزيد عن 30%".
وفي حين يقرّ شعبو بأن "تراجع سعر صرف الليرة أثر على معيشة الأتراك، كما أن المستثمرين، بحاجة إلى طمأنة وعدم تدخل السياسة بالقرارات الاقتصادية والنقدية، وبحاجة لثبات سعر الصرف"، إلا أن كل ذلك بحسبه "لا يبرر رفع سعر الفائدة إلى مستويات 25 أو 30%". وأكد أن "مشكلة التضخم بتركيا ليست جراء سعر الفائدة المنخفضة، إذ وبعد التخفيضات المستمرة منذ عامين، لم تزل الفائدة بتركيا أعلى من نظيرتها الأوروبية".
سلاح الفائدة
من جهته، توقّع المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو عودة بلاده لما سماه "استخدام سلاح الفائدة، خاصة بعد وصول شيمشك لمنصب وزير المال".
ويشير المحلل التركي لـ"العربي الجديد" إلى أن "الخطوة المتوقعة غداً هي تكتيك مرحلي لتحسين سعر الصرف والتأكيد على استقلالية القرار الاقتصادي وتخفيف حمى المضاربات". وأكد أن "الخطوة المتوقعة ليست نسفاً للسياسة الاقتصادية التركية برمتها والتي رفعت معدل النمو والصادرات، عبر تنشيط الاقتصاد الحقيقي وخروج الأموال من المصارف إلى القطاعات الإنتاجية".
ويضيف كاتب أوغلو أن "تركيا تعيش مرحلة استهداف اقتصادي، ومن خلال الليرة تحديداً، لذا لا بد من امتصاص تلك الهجمة عبر مهدئات كرفع سعر الفائدة أو إجراءات ضريبية وغيرهما".
وأكد أن "الاستراتيجية التركية لن تتغير على المدى البعيد المرسوم لـ( قرن تركيا)، سواء بزيادة الإنتاج وتقليل نسبة البطالة وزيادة الصادرات، وأيضاً، لو بعد فترة، سعر فائدة منخفض، لأن تركيا تتطلع لاستثمارات إنتاجية لا مصرفية".
تأرجح سعر الصرف
من جهته، قال الخبير الاقتصادي معمر عوّاد إن "سعر الصرف المنخفض لا يقلق المستثمرين، بل تذبذب السعر هو ما يخيفهم".
واعتبر عواد أن "الليرة التركية تعاني من تضارب القرارات وعدم الاستقرار وهي أمام مشكلات اقتصادية حقيقية يجب حلها بطرق اقتصادية تقليدية وليس بقرارات سياسية أو بالوعود والآمال".
وتحسنت العملة التركية اليوم الأربعاء بعد رفع الحد الأدنى للرواتب والأجور إلى 11402 ليرة، مسجلة 23.587 ليرة أمام الدولار، بعد تراجعات مستمرة أفقدتها نحو 21% من قيمتها هذا العام.
وأضاف عواد في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "مشكلة الديون الخارجية وفوائدها وأقساطها، وعجز الميزان التجاري أسباب حقيقية لخلل المعروض النقدي بالسوق التركية"، داعياً إلى حل المشكلة "عبر أدوات نقدية واقتصادية معروفة ومثبتة".
وأكد أن "رفع سعر الفائدة يكاد يكون الحل الإسعافي الوحيد المتاح أمام تركيا اليوم، وحينما تتغير المعطيات والمؤشرات وقتها يمكن خفض سعر الفائدة مرة أخرى".
في المقابل، يرى شعبو أن "رفع سعر الفائدة ليس حلاً جذرياً، فربما يُحسّن سعر الصرف لفترة، لكنه لن يُثبته أو يعيده إلى ما كان عليه".
وأضاف أن "هناك أسباباً كثيرة وراء تراجع سعر العملة التركية"، مؤكدا أنه "لا يرى ضيراً اقتصادياً في رفع سعر الفائدة، ولكن من دون المجازفة بسعر عالٍ جداً أو الركون فقط إلى هذه الأداة والتعويل عليها بتحسين سعر الصرف". وأشار إلى أن "تعزيز الثقة والشفافية وزيادة مزايا الاستثمار والجذب هي حلول أكثر ديمومة وفائدة على الاقتصاد التركي المتطلع للدخول إلى نادي العشرة الكبار".
وأكد أن "تقليل الإنفاق العام على المشاريع الكبيرة وإعادة النظر ببعض الواردات، إلى جانب دعم الإنتاج وتشجيع الصادرات، هي من الحلول المهمة".
أهمية الاستثمارات الأجنبية
وحول أهمية الاستثمارات الأجنبية في دعم الاقتصادي التركي يرى عوّاد أن "دول العالم تتسابق على جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال، وتقدم دول جنوبي آسيا وأميركا اللاتينية فرصاً ومزايا وإعفاءات غير مسبوقة".
ودعا تركيا إلى تقديم تسهيلات ومزايا للمستثمرين ستضاف للمزايا التفضيلية التي تمتلكها، من جغرافيا وسمعة صادرات وحتى إقبال ورغبة، خاصة من دول الخليج العربي.
أما شعبو فقد توقع "عودة تدريجية للاستثمارات التي خرجت خلال فترة الانتخابات الأخيرة، فضلاً عن دخول الاستثمارات قطاعات جديدة، غير العقارات والمصارف والخدمات".
واعتبر شعبو أن "تركيا تمتلك مناخاً جاذباً ومزايا تفتقر إليها دول كثيرة حول العالم، وأنه بمجرد إعادة بناء الثقة، والتي بدأت بعد تشكيل الحكومة، ستزيد الاستثمارات".
ويقول المحلل التركي يوسف كاتب أوغلو إن "جذب الاستثمارات الخارجية، وليس الأموال الساخنة والمضاربات، هو هدف استراتيجي، وربما كان من أهم أسباب تعيين الوزراء ورئيسة المركزي الذين لهم علاقات دولية ويحققون، ربما، الثقة للرساميل".
ويعتبر كاتب أوغلو أن "تحريك سعر الفائدة في اجتماع الخميس سيكون رسالة للأسواق الدولية والمستثمرين الذين وصل بعضهم فعلاً إلى تركيا أخيراً، وهم بطور مباحثات وتفاوض، كما أن الخطة الحكومية مستقبلاً لقاء وزير المال شيشمك مع مستثمرين بالخارج".
وكانت صحيفة "حرييت" التركية قد كشفت عن دخول استثمارات بقيمة 200 مليون دولار، متوقعة عبر الكاتب المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، مزيداً من الاستثمارات بعد رفع سعر الفائدة وتصاعد الثقة بالاقتصاد التركي.
ورقة نقدية فئة 500 ليرة؟
كثرت التنبؤات بالأوساط التركية أيضاً بأن البنك لن يسعى فقط إلى رفع سعر الفائدة بل ربما يصدر ورقة نقدية كبيرة فئة 500 ليرة في إطار مساعي لجم التضخم.
ويرى النقدي المتخصص مسلم طالاس أن "محاربة التضخم لا تكمن بإصدار أوراق نقدية كبيرة ولا حتى بإلغاء الأصفار"، مؤكداً أن "إصدار ورقة نقدية كبيرة سيزيد من التوقعات التضخمية لدى المواطنين، ما قد يؤدي إلى مزيد من انخفاض قيمة العملة وتراجع الثقة بها، وتغذية التضخم بشكل كبير".
واعتبر طالاس في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن "الاقتصاد التركي اليوم ليس بحاجة لورق نقدي كبير، إلا إن كان الهدف استبدال العملات القديمة والصغيرة التي تتعرض للتلف بسبب انخفاض قيمة العملة وكثرة الاستخدام". وشدّد على أنه "يجب التريث في طرح ورقة نقدية فئة 500 ليرة إلى حين اكتساب ثقة السوق والتخفيف من التضخم قدر الإمكان".