هل يمكن أن ينتهي عصر النفط الرخيص إلى الأبد؟... سؤال فرض نفسه على أكبر مكاتب تداول السلع في "وول ستريت" وبنوك الاستثمار العالمية، على مدار الأيام الأخيرة، في الوقت الذي تتصاعد فيه أسعار الخام يوماً تلو الآخر، لتصل إلى أعلى مستوى لها في سنوات، مع استمرار شح الإمدادات العالمية، في ظل الطلب القوي على الوقود في الولايات المتحدة وأماكن أخرى من العالم، مع انتعاش الاقتصادات من الركود الناجم عن جائحة فيروس كورونا.
ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت في التعاملات الصباحية، اليوم الاثنين، إلى أكثر من 86 دولارا للبرميل، مسجلة أعلى مستوياته منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018، لتواصل مكاسبها من الأسبوع الماضي.
كما صعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي فوق 84 دولارا للبرميل، لتلامس أعلى مستوى لها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2014.
"بنك أوف أميركا" يتوقع أن تسهم أزمة الطاقة العالمية في رفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ نحو سبع سنوات
ويكتسب الخام زخماً من نهج خفض الإمدادات الذي يتبناه تحالف كبار المنتجين من منظمة أوبك وحلفائها من خارج المنظمة "أوبك+"، إذ قالت المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، إن التحالف يجب أن يحافظ على نهجه الحذر لإدارة إمدادات الخام العالمية، نظراً للتهديدات التي يمثلها الوباء على الطلب.
بعد أكثر من عام من انخفاض الطلب على الوقود، عاد استهلاك البنزين ومشتقات النفط الأخرى إلى الصعود في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للوقود في العالم، وكذلك الأمر في مختلف الاقتصادات الكبرى، كما تدعمت أسعار النفط بفعل المخاوف حيال النقص في الفحم والغاز في الصين والهند وأوروبا، مما دفع إلى التحول إلى الديزل وزيت الوقود لتوليد الطاقة.
وفي الوقت الحالي، يرفع "أوبك+" الإنتاج اليومي بمقدار 400 ألف برميل شهرياً، ويقاوم ضغط الأسواق العالمية لإنتاج المزيد، إذ اتفق على هذه الزيادة في يوليو/تموز الماضي، لتستمر كل شهر حتى إبريل/نيسان 2022 على الأقل، للتخلص تدريجيا من تخفيضات تبلغ 5.8 ملايبن برميل يومياً
وبحسب توقعات لـ"بنك أوف أميركا"، في وقت سابق من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، يمكن لأزمة الطاقة العالمية أن تسهم في رفع أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل، للمرة الأولى منذ نحو سبع سنوات.
وأشار البنك الأميركي إلى أن ما يعزز ارتفاع النفط هو التحول من الغاز إلى النفط نتيجة لارتفاع أسعار الغاز، وقفزة في استهلاك النفط الخام خلال فصل الشتاء البارد، وزيادة الطلب على الطيران مع إعادة فتح الولايات المتحدة لحدودها.
وفي أقل من عام ونصف، تحولت أسعار الغاز الطبيعي المسال من قيعان قياسية إلى قمم قياسية، مع تأثر السوق في البداية بتداعيات جائحة كورونا، وعجزها الآن عن مواكبة الانتعاش العالمي في الطلب.
ودفع ذلك أسعار الغاز الطبيعي المسال لتبلغ 34 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، في وقت سابق من الشهر الجاري، مقارنة مع أقل من دولارين للمليون وحدة في مايو/أيار 2020، بينما قفزت أسعار الغاز الأوروبية بنسبة اقتربت من 400% هذا العام.
وما زالت مخزونات الغاز شحيحة للغاية في أوروبا وآسيا، واللتين تمثلان معاً 94% من الواردات العالمية للغاز الطبيعي المسال، وما يربو على ثلث الاستهلاك العالمي. ويعمل معظم منتجي الغاز الطبيعي المسال الرئيسيين بكامل طاقتهم أو قريبا منها، وخصصوا غالبية شحناتهم لعملاء محددين، مما يترك فرصة ضئيلة لإصلاح الوضع في الأجل القصير.
وقال "سيتي بنك" في مذكرة لعملائه أخيراً: "لن يكون مفاجئا إذا جرى تداول بعض شحنات الغاز أو الغاز الطبيعي المسال في حدود 100 دولار لكلّ مليون وحدة حرارية بريطانية".
وأضحى النفط أكثر استفادة من هذه الأجواء، وما زاد من مكاسبه، تضاؤل الرغبة في الاستثمار بالنفط الصخري في الولايات المتحدة، إذ بدلا من زيادة العرض في الظروف الحالية للاستفادة من قفزات الأسعار، تتعرض الشركات لضغوط للحد من إنفاقها، وهو ما تسبب في نقص الاستثمارات الموجهة لعمليات الإنتاج الجديد من الخام، الأمر الذي سيترك أسعار النفط أعلى لفترة أطول، وفق تقرير لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية.
وقال جيف كوري، رئيس أبحاث السلع في بنك الاستثمار الأميركي "غولدمان ساكس": "نصيحتي للعملاء هي الاستمرار في شراء عقود النفط حتى يعرفوا مكان سعر التوازن الذي سيجلب إمدادات جديدة عبر الإنترنت.. نحن نعلم أنَّه أعلى من هذه المستويات، لأنَّه لم يكن لدينا ارتفاع كبير في النفقات الرأسمالية والاستثمار".
وبنك "غولدمان ساكس" من بين البنوك التي ترى ارتفاعاً في الأسعار لفترة أطول، مشيرا إلى أن التحول من الغاز إلى النفط قد يضيف مليون برميل يومياً إلى الطلب العالمي. وتوقع في مذكرة، أمس الأحد، "أن يظل الطلب بالقرب من مستويات ما قبل كورونا هذا الشتاء".
وفي تقرير نشره الموقع الرسمي لصندوق النقد الدولي في 21 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أشار الصندوق إلى أن الصعود الحاد في أسعار الغاز الطبيعي يتغلغل تأثيره في أسواق الطاقة العالمية، وفي قطاعات اقتصادية أخرى بدءا من المصانع وحتى المرافق.
العقود الآجلة لخام برنت ارتفعت في تعاملات اليوم الاثنين، إلى أكثر من 86 دولارا للبرميل، مسجلة أعلى مستوياته منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2018
وأشار إلى أنه "يتجمع الآن مزيج من العوامل غير المسبوقة التي تعكر الأجواء في أسواق الطاقة العالمية، وتعيد إلى الأذهان ذكريات أزمة الطاقة التي وقعت في سبعينيات القرن الماضي، وتزيد من تعقيد آفاق التضخم والاقتصاد العالمي التي يغلب عليها عدم اليقين بالفعل".
لكنه توقع أن "ترتد أسعار الطاقة إلى مستويات أقرب إلى الطبيعية في مطلع العام المقبل، حين ينحسر الطلب على الطاقة لأغراض التدفئة وتتعدل على أساسه الإمدادات، غير أنه إذا ظلت الأسعار على ارتفاعها المشاهد في الآونة الأخيرة، فقد يتحول الأمر إلى عبء معوق للنمو العالمي".