استمع إلى الملخص
- **تأثير العقوبات على الاقتصاد التركي:** توقفت المصارف التركية عن استخدام خدمة البطاقات المصرفية الروسية "مير"، مما أدى إلى خسائر تقدر بملياري دولار وتأثر جميع القطاعات الاقتصادية باستثناء المواد الغذائية.
- **تراجع التجارة التركية مع روسيا:** انخفض حجم التبادل التجاري بنسبة 34% خلال الربع الأول من العام الجاري، مما دفع المصدرين الأتراك للبحث عن أسواق جديدة.
تستمر الولايات المتحدة بتهديد المصارف التركية التي تتعامل مع روسيا، عبر ما تسمى "العقوبات الخفية" بحسب ما قاله مصدر مصرفي تركي، في تصريحات نقلتها وكالة تاس الروسية، اليوم الخميس، وشرح أنّ وفداً من الولايات المتحدة زار تركيا وهدد المصارف بالعقوبات الخفية في حال استمرت بالتعامل مع الجانب الروسي، الأمر الذي أدى إلى تراجع التعاملات والتحويلات، لكنها لم تزل ممكنة بالمصارف التركية، إن تم استيفاء الشروط وتقديم مستندات أدلة محددة، بحسب المصدر التركي.
ويكشف المحلل الاقتصادي التركي وعضو حزب العدالة والتنمية الحاكم، يوسف كاتب أوغلو، لـ"العربي الجديد"، أنه فعلاً زار وفد أميركي أنقرة بهذا الخصوص، ولمّح إلى ما وصفها عقوبات خفية أو مخففة، بحال استمرار التعامل المالي والمصرفي مع روسيا، و"لكن تركيا، وضمن حقوقها وعلاقاتها التجارية وبما لا يخالف القوانين الدولية، لا تكترث لهذه التهديدات، رغم أنها أثرت، ولا شك، على التعاملات التجارية والمالية وحجم التبادل بين البلدين"، وفق قوله.
وعمّا تقصده واشنطن بالعقوبات الخفية، يضيف كاتب أوغلو أنها "تعني التضييق ومحاولات تحجيم التحويلات الخارجية وفرض رقابة صارمة على مصادر إرسال المدفوعات ورفع مستوى التأمين خلال التحويل بعد عدم قبول المراسلات وخطاب التحويل المعتمد بين المصارف"، مستبعداً في الوقت عينه أن تصل العقوبات إلى إغلاق نظام التحويل المالي الدولي "سويفت" لتبحث تركيا عن طرائق أخرى، كنظام التحويل "سواب" والتعامل بالعملات المحلية.
ويشير كاتب أوغلو إلى أنّ تركيا حافظت على علاقاتها مع أوكرانيا وروسيا والغرب، ضمن مبدأ السيادة والمصالح المشتركة، "فكما ترفض تقييد علاقاتها مع الغرب أو أوكرانيا، ترفضها بالمقابل مع روسيا، فضلاً عن أنّ لأنقرة علاقات واستثمارات كبيرة جداً مع روسيا، معظمها بالطاقة التي تُعتبر عصب الاقتصاد التركي".
تحديات أمام المصارف التركية
وبحسب المحلل الاقتصادي التركي، تأثر التعامل المالي والتحويلات وحتى التجارة، بعد تزايد العقوبات الغربية على روسيا، "لأنّ من حق المصارف الخاصة أن تحتاط من أي عقوبة أو استهداف"، كاشفاً أنّ المصارف التركية توقفت اعتباراً من سبتمبر/ أيلول عام 2022 عن استخدام خدمة البطاقات المصرفية الروسية "مير".
وكان الخبير الاقتصادي التركي، مصطفى رجب إرسين، قد قدّر خسائر المصارف التركية من عائدات التصدير خلال الأشهر الثمانية الأخيرة بنحو ملياري دولار أميركي، وذلك بسبب الضغوط والعقوبات الأميركية على روسيا. وأوضح إرسين، في تصريحات سابقة لوكالة سبوتنيك الروسية، أنّ العلاقات الاقتصادية بين البلدين "لن تتدهور تماماً، لكن فرصاً كثيرة قد ضاعت، من جراء معاناة المصدرين الأتراك من رفض مصارف قبول تحويلات مالية إلى روسيا"، متسائلاً "كيف ستعتمد روسيا على تركيا عندما تواجه مشاكل؟ أنا متأكد من أنّ الاقتصاديين في الكرملين ربما يطرحون هذا السؤال. ويجب على زملائهم الأتراك أن يفكروا في الأمر أيضاً".
وزادت العقوبات الأميركية وتهديد المصارف، من المخاوف لدى التجار الأتراك، بعد صعوبة تحصيل أثمان بضائعهم المصدرة إلى روسيا والعقوبات التي تطاول المصدرين والمصارف، ما راجع حجم التبادل إلى النصف خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري، مقارنة مع النصف الأول من عام 2023، بحسب مصادر تركية.
وبحسب إرسين، فإنّ التصدير إلى روسيا "بات كابوساً لرجال الأعمال الأتراك بسبب العقوبات، وتعرضهم للتهديدات المباشرة من المسؤولين الغربيين"، مبيناً، خلال تصريحات صحافية، أنّ جميع القطاعات الاقتصادية في تركيا، باستثناء المواد الغذائية والخضروات والفواكه الطازجة، عانت كثيراً من الحصار المفروض على روسيا، وخاصة قطاع الجلود والمنتجات الجلدية، الذي بات معدوماً عملياً.
وأسف إرسين لكون العقوبات تؤثر بشكل سلبي، ليس فقط على روسيا، بل وكذلك على تركيا؛ "لأنّ التجار الأتراك الذين يصدرون البضائع إلى روسيا ويستوردون منها، يواجهون مجموعة متنوعة من المشاكل، بدءاً من تجميد الحسابات المصرفية وحتى التهديدات المباشرة من المسؤولين الغربيين، وهذا يؤدي إلى تقلص الصادرات إلى روسيا، وفقاً لجمعية المصدرين الأتراك التي أكدت انخفاض الصادرات إلى روسيا بمقدار النصف في الأشهر الستة الأولى من العام".
تراجع التجارة التركية مع روسيا
بدوره يقول المحلل الاقتصادي التركي، باكير أتاجان، لـ"العربي الجديد"، إنّ التبادل التجاري بين بلده وروسيا مستمر بالتراجع، بعدما خسر القطاع نحو 34% من حجم التبادل خلال الربع الأول من العام الجاري، مضيفاً أنّ "القصة ليست ترهيباً أميركياً فقط، كما يصوّره البعض، بل إنّ تراجع حجم المعاملات المصرفية وصعوبة، إن لم نقل استحالة، تحويل الأموال للمنتجات المصدرة، أدى إلى بحث المصدرين الأتراك عن وجهات جديدة، وهي بطبيعة الحال متوفرة، سواء بمنطقة الشرق الأوسط كالدول العربية أو أفريقيا وحتى أوروبا".
وبيّن أتاجان أنّ "التسويات بالعملات الوطنية أو حتى محاولات المقايضة، لا تعفي التجار والمصارف التركية من الاستهداف والعقوبات الأورو أميركية، بعدما بات التحويل المالي أو الالتفاف عليه، مسألة صعبة ومكشوفة"، مشيراً إلى أنّ العقوبات قد تصل إلى ضعف ثمن الصادرات، ما يعني خسارة التجار المزدوجة، ثمن البضاعة ومبالغ العقوبات.
ويرى مراقبون أنّ الولايات المتحدة نجحت جزئياً في فرض قيود على التحويلات من روسيا وإليها، بعد تراجع التجارة الروسية مع شركائها، إن في الصين أو تركيا، ورفض المصارف التركية فتح حسابات للمواطنين الروس أو استقبال التحويلات الدولارية، ليتراجع طموح وصول حجم التبادل، بين أنقرة وموسكو إلى 100 مليار دولار، كما صرّح رئيسا البلدين، رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين، بعد العقوبات الغربية التي أثرت، على ما يبدو، على هذا الحلم بواقع تراجع التبادل هذا العام، بعد تناميه العام الماضي بنسبة 23.2%، بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وبلوغ قيمته نحو 62 مليار دولار.