عادت التوقعات بتسريع تطبيع العلاقات التركية المصرية، مع إعلان مشاركة وزير الخزانة والمالية التركي، نورالدين نباتي، في الاجتماعات السنوية لمجموعة البنك الإسلامي للتنمية بشرم الشيخ المصرية، في الأول من يونيو/حزيران المقبل، وذلك بعد ما تردّد عن تجميد التقارب مصرياً، إثر إرجاء وزير الخارجية المصري، زيارة كانت متوقعة لأنقرة، خلال رمضان الماضي.
ونقل بيان وزارة الخزانة والمالية التركية، أن الوزير النباتي سيشارك على رأس وفد في الاجتماعات التي ستُعقد في مدينة شرم الشيخ بين 1 و3 يونيو، لمناقشة استراتيجية البنك الإسلامي للتنمية للفترة المقبلة، ومشاركة آخر المستجدات المتعلقة بالاقتصاد التركي والسياسات الاقتصادية الحالية.
ويعتبر الاقتصادي التركي، خليل أوزون أن زيارة الوزير التركي، بعد تسع سنوات من المراوحة، تعتبر مهمة وستزيد من "حسن نية تركيا" تجاه مصر، بعد تلبية معظم مطالب القاهرة، لحرصها على تحسين العلاقات ضمن مساعي بلاده لتصفير المشاكل وزيادة التبادل التجاري مع دول المنطقة، خاصة بعد التقارب مع الدول الخليجية.
ولكن، يلفت أوزون خلال تصريحه لـ"العربي الجديد" إلى أن زيارة وزير المال "محددة لحضور اجتماعات بنك التنمية الإسلامي، والأفضل ألا نخرجها عن هذا السياق والمبالغة بقراءة أبعاد ربما لا تكون ضمن برنامج الزيارة بالأصل. وهذا لا يعني عدم اغتنام الفرصة".
ويضيف الاقتصادي التركي أن العلاقات الاقتصادية، لم تنقطع على مدى السنوات السابقة، وإن تأثرت قليلا بالتوترات السياسية، مبيناً أن التبادل التجاري شهد قفزة كبيرة العام الماضي، بنسبة 32.6% وبقيمة 1.6 مليار دولار عن عام 2020 لتبلغ نحو 2.9 مليار دولار العام الماضي.
ويشير إلى أن أبرز المواد والمنتجات التي تصدرها تركيا إلى مصر هي الإلكترونيات والمنتجات الكيميائية، المنتجات النسيجية والملابس، الآلات والمواد الغذائية، في حين تستورد المنتجات والمواد البترولية والمواد الزراعية والكيميائيات والمعادن والمنتجات الصناعية، وتستورد أيضاً بعض الملابس والمنسوجات كما تصدر، إذ ثمة تماثل كبير بين إنتاج البلدين.
وتأتي ملامح تحسين العلاقات بين أنقرة والقاهرة، بعد تأكيد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مراراً، على تطوير العلاقات مع مصر، وتلبية مطالب القاهرة، خاصة ما يتعلق منها بملف المعارضة المصرية بتركيا وبعض الملفات المتشابكة كغاز المتوسط والتواجد التركي بليبيا.
وأبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، استعداد بلاده لتطوير الحوار مع مصر على غرار حوارها مع إسرائيل، مضيفاً خلال عودته من السعودية الشهر الجاري: "لدينا سياسات إزاء إسرائيل، ويمكن اتباع نهج مماثل إزاء مصر، وسيشير إحراز نتائج إيجابية في هذا السبيل إلى إمكانية تبنّي خطوات على مستوى أرفع" وذلك بعد ما يوصف بالتطمينات التي أرسلها وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو بشأن إمكانية تفاوض البلدين على ترسيم حدودهما البحرية في شرقي البحر المتوسط.
ولم تنقطع العلاقات الاقتصادية، فضلاً عن زيادة التبادل، إذ بحث مطلع العام الجاري، نائبا وزير التجارة التركي، مصطفى توزجوز ورضا تونا توراغاي، مع وفد برئاسة إبراهيم العربي، رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية في مصر، العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خلال زيارة الوفد المصري أنقرة.
ويقول المحلل المصري، سيف عبد الفتاح لـ"العربي الجديد" إن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لم تنقطع حتى خلال التوتر السياسي بعد الانقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي عام 2013، بل زادت ببعض السنوات، عما كانت عليه قبل عام 2013.
ويضيف عبد الفتاح أن التوقعات ومساعي تركيا، ضمن سياسة تحسين علاقاتها مع دول المنطقة، أن تتلاشى الخلافات، حتى على الصعيدين الأمني والسياسي، معتبراً أن العلاقات الاقتصادية تستمد قوتها من تطور السياسة وألا تتأثر بالمطلق بالقطيعة.
ويعتبر المحلل المصري أن تركيا تواصل نهوضها الاقتصادي، وتتطلع إلى تقوية علاقاتها للخلاص من معيقات تطلعها، خاصة تراجع سعر الصرف، كاشفاً أن ثمة خلافات لم تزل عالقة، بدليل إلغاء زيارة وزير الخارجية المصري، مرتين، مؤكداً أن النظام المصري "لا ذمة له وحينما يتفاوض مع أنقرة، إنما يفعل على حساب المصريين الموجودين بتركيا ويساوم حتى على وجودهم والتضييق عليهم".
بالمقابل، يرى مدير شركة مصرية بإسطنبول، طلب عدم ذكر اسمه، أن تطور العلاقات التركية مع الإمارات والمتوقعة مع السعودية، له دور كبير بإمكانية تحسنها مع مصر، التي ستبدي تراخياً خلال الفترة المقبلة وستتراجع عن بعض التشدد الذي كانت تبديه بالفترة الماضية.
ويضيف مدير الشركة لـ"العربي الجديد"، أن تحسّن العلاقات الاقتصادية- وعودة الاستثمارات والسياح- في مصلحة الشعبين "لا شك" ولكن ليته لا يتم على حساب "حرية الرأي والموقف المصريين من نظام السيسي" متوقعاً أن تتأثر أعمال بعض المصريين بتركيا، بعد تحسن العلاقات، لأن بعضهم مدرج في جدول الشروط المصرية.
بدوره، يقول المحلل التركي، يوسف كاتب أوغلو إن هناك تطورات متسارعة، منها زيارة وزير المالية لمصر، ولكن من المبكر أن نتكلم عن شراكات وتطور علاقات، خاصة بالمجالات الخلافية الشائكة بين البلدين، ولكن هناك تحولات إقليمية، من شأنها أن تغيّر من طبيعة العلاقات والتحالفات، بالمنطقة برمتها، وهو الذي انطلقت منه تركيا بشكل أساسي، خلال إعادة النظر والتحول بالعلاقات الجامدة، مع مصر والسعودية والإمارات وإسرائيل، معتبراً خلال تصريح لـ"العربي الجديد" أن تحسّن علاقات بلاده مع مصر يقربها من البوابة الأفريقية، فضلا عن سوق مصر الكبير بأكثر من 100 مليون مستهلك.
ويكشف كاتب أوغلو أن قرار تحسين العلاقات مع مصر "تم اتخاذه داخل حزب العدالة والتنمية، متوقعاً أن يشهد عام 2022 نقلة في العلاقات التركية مع مصر ودول الخليج عبر عودة السفراء.
وكان رئيس جمعية رجال الأعمال التركية المصرية، أتيلا أتاسون، قد أكد سابقاً سعي جمعيته لتعزيز التجارة الثنائية بين مصر وتركيا، لا سيما مع التطورات التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، مشيراً إلى أن التطورات التي تشهدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين سوف تنعكس بصورة إيجابية على التجارة الثنائية.
ويضيف رئيس الجمعية التي تأسّست قبل 18 عاما في القاهرة، وهي تمثل 733 شركة معظمها مصرية، أن الجمعية تمتلك استثمارات مباشرة تزيد عن ملياري دولار في مصر، وأن أكثر من 100 ألف عامل مصري يعملون في منشآت تابعة للجمعية.
ووفق تقرير وحدة أبحاث برايم المصرية، يمثل حجم التجارة بين مصر وتركيا نحو 3.7% بقيمة 3.7 مليارات دولار من إجمالي التجارة في مصر من البضائع، كما يبلغ حجم الاستثمارات الخارجية التركية المباشرة في مصر نحو 2 مليار دولار، وتعمل في مصر 540 شركة تركية بعمالة تصل إلى 25 ألف موظف مصري، وسجل حجم التبادل التجاري الإجمالي بين البلدين خلال السنوات من 2007 وحتى 2021، نحو 54.1 مليار دولار.