فجّر الدعم الغربي للعدوان الإسرائيلي على غزة موجات غضب شعبي واسعة تدعو لمقاطعة منتجات الشركات والمطاعم التي تدعم جنود الاحتلال وجرائمه الوحشية ضد المدنيين. تصدر وسم المقاطعة قائمة الأكثر تداولاً على منصات "x" وفيسبوك، وتيك توك وانتشارها بكثافة على انستغرام، الأسبوع الماضي. يهاجم المواطنون العلامات التجارية الداعمة للعدوان، ويدعون إلى الاستغناء تماماً عن استخدام تلك المنتجات، مع طرح بدائل منها محلية لجميع السلع الخاضعة للمقاطعة.
تظهر آثار المقاطعة واضحة بشدة على المطاعم والمقاهي التي تحمل علامات تجارية غربية شهيرة. رصدت "العربي الجديد" تراجعاً في إقبال المواطنين على تلك الأماكن، مقارنةً بفترة ما قبل دعوات المقاطعة.
شملت الدعوات مقاطعة منتجات زيوت سيارات ومحطات الوقود، موبيل وشل وإسو الأميركية وتوتال الفرنسية، وإمارات مصر وأدنوك إمارات، وكاسترول البريطانية وليكيو مولي الألمانية، مع طرح محطات الوقود الليبية والتعاون والوطنية ومصر للبترول وشل أوت بديلاً للفروع الأجنبية.
عرضت الحملات منتجات سينا كولا وسبورت وسينالكو بديلاً للمشروبات الغازية، وحياة وصافي وأكوا مينا وأكوا فيرا للمياه المعدنية، وشاي الربيع بدلاً من ليبتون. سابقت بعض المحالّ التجارية في إعلان تميزها ببيع المنتجات تامة الصنع محلياً، وضمان توصيلها للجمهور بأسعار منافسة للمنتج المشابه للأجنبي.
عادت للأضواء مشروبات غازية اختفت من الأسواق لفترات زمنية طويلة، فظهرت في صورة جديدة تقترب من المواصفات الغربية المنافسة لها.
ابتكر المصريون وسائل عديدة لتوسيع المقاطعة وطرح بدائل تنتج محلياً تحت علامات تجارية دولية، ومنها المقرمشات والمشروبات والحلوى، مثل فالويكا بديلاً لشكيولاته الدوناتيلا، وشيكو فيلكس وبيج شبس، محل إم إمس، وكلوريل وفيلفيتا للمنظفات بديلة لإريال وبرسيل وكلوروكس وغيرها. شملت المقاطعة منتجات العناية بالأطفال حديثي الولادة، وباث آند بودي وفيكتوريا سيكريت وبودي شوب، وبيبسي وكوكا كولا وفانتا وشيبسي باعتبارها من الداعمين الأساسيين لجيش الاحتلال.
تولى الداعون للمقاطعة تصوير المنتجات البديلة، مع نشر تجارب عن استخدامها من قبل الجمهور، لدعم أفكار المقاطعة.
يدعو منصور عبد الناصر (موظف أربعيني) المواطنين إلى تشجيع المقاطعة لفترة زمنية طويلة، آملاً أن تُسبب خسائر فادحة للشركات الداعمة لإسرائيل، مشيراً إلى أن السوق المصري استهلاكي، وابتعاده عن شراء سلعة ما سيكون له أثر واضح وسريع، ومؤثر سلباً بأرباح الشركة المنتجة أو المستوردة له.
يبدي مستهلكون تخوفهم من أن السلع البديلة ليست بكفاءة العلامات الأجنبية، بينما تدعو أصوات إلى تقبّل السلع المحلية لتشجيع "صنع في مصر"، مؤكدين ضرورة مساعدة الدولة في وقف نزف الدولار الذي يوجه للشركات الداعمة لإسرائيل، في وقت تحتاج الدولة إلى العملة الصعبة لتدبير الاحتياجات الأساسية للمواطنين.
يذكّر محمد راضي (موظف) بأن المقاطعة نوع من الجهاد وقرار شخصي، تعكس رغبة المواطنين في مشاركة الآخرين لمشاعرهم الغاضبة مما يحدث لأشقائهم في غزة، وفي حالة عدم قدرتهم على تدبير البديل، يمكنهم الاستغناء تماماً عن المنتجات الأجنبية التي لا بديل لها، بما يوقف استقواء الشركات الداعمة للاحتلال وقدرتهم على التأثير في العدو ودفع الخطر المحيط بالوطن الذي يشعر به الجميع.
تشير فاطمة السيد (طالبة الجامعية) إلى مقاطعة عدد من الصيدليات بيع مستحضرات التجميل والأدوية التي لها نظير محلي وعدم طرحها للجمهور رغم توافرها لديها، مع حثّ الجمهور على تقبّل مشاركتها في المقاطعة، بالامتناع طوعاً عن بيع تلك المنتجات، داعية رفيقاتها إلى التمسك بسلاح المقاطعة حتى "لا تساهم الأموال التي يدفعونها في شراء السلاح ليوجه إلى صدور الأشقاء بفلسطين". تؤكد "السيد" مشاركتها في مقاطعة المنتجات الفرنسية منذ 3 سنوات، بعد تكرار اعتداء السلطات الفرنسية على الفتيات المسلمات وحظر الحجاب في المنشآت العامة، قائلة لــ"العربي الجديد": "من خلال تجربتي في المقاطعة، لم أجد منتجاً ليس له بديل محلي أو لا يمكن شراؤه من دولة لا تدعم الاحتلال الإسرائيلي. طرحت صيدليات "هنداوي" بالقاهرة الكبرى، قائمة بأنواع الغسول والمرطبات وكريمات الشعر المحلية، ومعجون الأسنان والعطور العربية، كبديل للمستورد مع عرض توصيلها مجاناً للجمهور كمشاركة منها في حملة المقاطعة.
قدمت بعض سلاسل المحلات الكبرى والشركات الخاضعة للمقاطعة تخفيضات هائلة، على منتجاتها، وخصوصاً "ستارباكس" للمشروبات وماكدونالدز للمأكولات، ودفعت شركات المنظفات بتخفيضات مماثلة، عبر المحالّ التجارية الكبرى الخاضعة للمقاطعة، مثل كارفور لجذب الأسر المصرية التي تقاسي من معدلات تضخم قياسية تبلغ نحو 40٪، لم تشهدها البلاد على مدار قرن مضي. تعرض سلاسل كارفور وفتح الله هايبر تخفيضات على منتجات العناية بالبشرة تصل إلى 50٪ والألبان والجبن نحو 30٪، والشكولاتة والمشروبات نحو 20٪، في محاولة لجذب الجمهور الغاضب. دفعت حملات المقاطعة شركات غربية عديدة إلى تأكيد عدم ارتباطها بالحرب في غزة.
ذكر بيان لشركة ماكدونالدز الأميركية، نشر في وسائل الإعلام المحلية، أن الشركة لا تموّل أو تدعم بأي شكل من أشكال أي حكومات أو جهات داخلة في الصراع، مؤكدة أن أي إجراء أو عمل أو قرار اتخذه أحد الوكلاء إنما هو تصرف من قبل ذلك الوكيل اتخذ بشكل مستقل دون قبولنا أو موافقتنا.
يبدى الاتحاد العام للغرف التجارية بالقاهرة انزعاجه من حملات المقاطعة للمنتجات التي تحمل علامات الشركات الداعمة لإسرائيل، مشيراً في بيان أصدره الخميس الماضي إلى أن الشركات التي تعمل بنظام "الفرانشايز" لا تملك أياً من الفروع الموجودة في مختلف أنحاء العالم، وأن فروعها في مصر يملكها مستثمرون مصريون وتوظف كشركات مساهمة وطنية عشرات الآلاف من المواطنين، وتسدد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة. تلقي الغرف التجارية بمسؤولية دعم جيش الاحتلال على الوكيل المحلي في تل أبيب وليس الشركة الأم، وأن ما يحصل عليه صاحب العلامة، لا يزيد على 5٪ من إيرادات الشركة المصرية، مهددة بأن تترك المقاطعة أثراً سلبياً سيؤثر بالمستثمرين والعمالة المصرية.
يتخذ الرافضون للمقاطعة أزمة البطالة كوسيلة لدفع الناس بعيداً عن تنفيذ أفكارهم، ويتجاهلون أن العلامات التجارية التي يعملون لحسابها، ترفض تملك أية وسائل إنتاج، بكل الأنشطة التجارية والاستثمارية التي تديرها في مصر منذ صدور قوانين الانفتاح الاقتصادي (1979)، وأن بعض المستثمرين العرب يشاركون في ملكية أصول تلك العلامات، بحثاً عن المكاسب السريعة، دون تأصيل لأي إنتاج صناعي.
تشير فاطمة السيد (طالبة الجامعية) إلى مقاطعة عدد من الصيدليات بيع مستحضرات التجميل والأدوية التي لها نظير محلي وعدم طرحها للجمهور رغم توافرها لديها
تحت شعار "صنع في مصر وأفتخر" يعلن اقتصاديون أن حملات المقاطعة جاءت كطوق نجاة للشركات المصرية، التي يمكن أن تقدم منتجاً وطنياً يدعم وجود اقتصاد حقيقي.
يدعو الخبير الاقتصادي كامل الشافعي، المصنعين إلى اغتنام فرصة المقاطعة، في زيادة وتنويع المنتجات والارتقاء بالجودة والمواصفات، لخلق ولاء دائم لدى المستهلكين على السلع المحلية، مشيراً إلى أهمية استغلال التراجع في قيمة الجنيه والتضخم مع الارتفاع المستمر في أسعار السلع بمعدلات تصل زيادتها إلى 100٪، في بعض المنتجات، لاستعادة ما تهدم من صناعات محلية، شرط أن تحافظ على الجودة وتلبية احتياجات المستهلكين.
يؤكد مسؤولو نقابات عمالية ومهنية، أن الأسواق القادرة على مقاطعة الشركات الداعمة لجيش الاحتلال، يمكنها توليد فرص عمل بديلة للشركات الوطنية التي تساهم في توفير احتياجات المواطنين من الأغذية والمنتجات والخدمات، مشيرين إلى أن ممارسة بعض رجال الأعمال ضغوطهم على الحكومة بالتهديد بتوقف أنشطتهم وزيادة معدلات البطالة، يقابله على الطرف الآخر مزيد من التوظيف في مشروعات تعمل وفق رؤية وطنية، تستهدف دعم الصناعة المحلية وتطوير الإنتاج وتشغيل المزيد من العاملين.
يدعو الخبير في الشؤون الصهيونية، محمد سيف الدولة، في مقابلة مع "العربي الجديد" المواطنين إلى الانضمام إلى حملات المقاطعة قائلاً: هناك مسؤولية على كل عربي تجاه وقف المجازر ضد الفلسطينيين في غزة، وتأتي المقاطعة كأبسط رد فعل من المواطنين الذين يطالبهم الغرب والولايات المتحدة بعدم التدخل في الحرب، وفي الوقت نفسه يدعم الإسرائيليين بالمال والسلاح ليستمروا في توسيع دائرة القمع والمجازر ضد المدنيين العزل. يضيف "سيف الدولة" أن رفض المقاطعة يعني إخراج الشعوب العربية من المعادلة، التي تستهدف حماية الحق العربي في أرضه واستعادة القدس، في وقت تتولى الحكومات منع مواطنيها من التظاهر أو المشاركة في دعم أمنهم القومي ومواجهة العدوان، في وقت تمكن فيه الاحتلال من الانقضاض على معاهدة كامب ديفيد المكبلين بقيودها منذ عام 1979، حيث أدخل الدبابات والطائرات على الحدود المصرية، ليدك بها أهالي غزة الموجود بالقرب من المعابر المتصلة بسيناء.