- الحملة الانتخابية لترامب تتلقى انتقادات بسبب تأثيراتها المحتملة على الديمقراطية والاقتصاد، بينما يرى مؤيدوه أنها تدعم أجندة "أميركا أولًا" وتعزز النمو والوظائف.
- الهجرة تساهم بشكل كبير في الاقتصاد الأميركي، خاصة بعد جائحة كوفيد-19، ولكن سياسات ترامب المقترحة ضد الهجرة قد تعكس هذه الفوائد وتؤدي إلى تبعات سلبية على الاقتصاد.
وعد الرئيس الأميركي السابق، والمرشح الجمهوري المحتمل لرئاسة الولايات المتحدة، دونالد ترامب بشن حملة غير مسبوقة على طالبي اللجوء لبلاده، تشمل القيام بعمليات ترحيل جماعية، الأمر الذي أثار مخاوف الكثيرين، مما يمكن أن يسببه ذلك من تداعيات كارثية على الاقتصاد الأميركي.
وكان ترامب قد أبلغ مجلة تايم الأميركية مؤخراً عزمه ترحيل ما بين 15 إلى 20 مليون شخص من البلاد، ربما باستخدام الحرس الوطني، حال وصوله للبيت الأبيض، في انتخابات الرئاسة المقرر عقدها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني.
ويشعر بعض الاقتصاديين بالقلق من أن حملة ترامب المقترحة ضد طالبي اللجوء، إذا تمكنت من تجاوز العقبات القانونية، يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية على الاقتصاد الأميركي من خلال تفاقم نقص العمالة، وإعادة إشعال التضخم، وإجبار بنك الاحتياط الفيدرالي على إبقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة لفترات أطول مما ينبغي.
وقال مارك زاندي، كبير الاقتصاديين في وكالة موديز، لشبكة "سي أن أن" الإخبارية: "إذا واصل ترحيل عدد كبير من المهاجرين، فسيكون ذلك صعباً للغاية على الشركات، وسيؤدي ذلك إلى رفع الأجور والأسعار". وقال جو بروسويلاس، كبير الاقتصاديين في "RSM" لإدارة الاستثمار، إن المشكلة تكمن في أن المعروض من العمال المحليين لا يمكنه ببساطة تلبية الطلب.
وقال بروسويلاس: "نحن بحاجة إلى استيراد العمال. إذا تجاوز الرئيس المنتخب، أياً كان اسمه، الحد في إيقاف تدفق العمال، فمن المحتمل أن نواجه نقصًا خطيرًا في العمالة ونوبة متجددة من التضخم، ما سيكون من شأنه أن يدفع معدل البطالة إلى الانخفاض إلى 3%، ويرفع من الأجور، وهي وصفة كلاسيكية لاستحضار التضخم مرة أخرى".
ولخطوة تقليص المعروض من العمالة من المهاجرين المتدفقين على الولايات المتحدة عواقب خطيرة على توجهات السياسة النقدية في الاقتصاد الأميركي الأكبر في العالم، حيث حذر مسؤولو بنك الاحتياط الفيدرالي، في أكثر من مناسبة، من أن أسعار الفائدة "ربما تحتاج إلى البقاء مرتفعة لفترة أطول من المتوقع لمحاربة التضخم العنيد". وقال بروسويلاس: "في هذه الحالة، يكون للارتفاع لفترة أطول معنى مختلف كثيرًا".
وفي بيان لشبكة "سي أن أن" الإخبارية، جادلت المتحدثة باسم حملة ترامب، كارولين ليفيت، دون تقديم أدلة، بأن الرئيس جو بايدن "سمح" للمهاجرين غير الشرعيين "بغزو حدودنا" وأنه إذا أعيد انتخابه فسيُسمح لهم بالبقاء. وقالت ليفيت: "إن الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي ونظام الرعاية الصحية والسلامة العامة والديمقراطية الأميركية نفسها سوف تنهار". وأضافت: "عندما يعود الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، سوف يقوم بترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين الذين سمح لهم جو بايدن بالدخول، وسيعيد تنفيذ أجندته "أميركا أولًا" الداعمة للنمو والوظائف، من أجل الارتقاء بجميع الأميركيين".
التضخم ما زال حاضرًا في الاقتصاد الأميركي
ورغم أن أسعار المستهلكين لم تعد ترتفع إلى عنان السماء، فإن التأثير التراكمي لثلاث سنوات من التضخم المرتفع كان مؤلمًا، حيث يدفع الأميركيون للسكن والغذاء والتأمين على السيارات أكثر بكثير مما كانوا عليه قبل كوفيد-19.
وساعد الإحباط الناجم عن ارتفاع تكاليف المعيشة في خفض معنويات المستهلكين إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهر، حسبما أظهر استطلاع آراء المستهلكين الذي أجرته جامعة ميشيغان يوم الجمعة. وقال زاندي: "معظم الأميركيين ينظرون إلى التضخم المرتفع والأسعار المرتفعة على أنها غير عادلة. إنها عملية احتيال. كيف يمكن أن أدفع اليوم مقابل شيء ما أكثر بكثير مما كنت أدفعه قبل ثلاث سنوات؟".
ويمكن لغضب الأميركيين أن يساعد في عودة ترامب إلى البيت الأبيض. ومع ذلك، فمن عجيب المفارقات أن الاقتصاديين يحذرون من أن خطته للهجرة، وتعهده بفرض تعريفات جمركية ضخمة على الصين ودول أخرى، قد تؤدي إلى تفاقم مشكلة التضخم نفسها. وقال زاندي: "أشعر بأن سياسات الرئيس ترامب تضخمية. إنها رسوم جمركية أعلى، إنها مزيد من عمليات الترحيل، أعتقد أن هذه الأشياء ستؤدي إلى ارتفاع الأسعار بالنسبة للمستهلكين الأميركيين".
ولا تزال بعض الشركات الأميركية تواجه نقصًا في العمالة. وعلى الرغم من انخفاض عدد الوظائف الشاغرة في الأشهر الأخيرة، فإنها لا تزال أعلى بكثير من مستويات ما قبل الوباء، وفقًا لوزارة العمل الأميركية.
أزمة المهاجرين والاقتصاد الأميركي
وتبقى قضية الهجرة مصدر قلق كبير للناخبين في انتخابات 2024، وقد جعلها ترامب محور حملته الانتخابية. وتسبب الارتفاع الكبير في الهجرة غير الشرعية على مدى السنوات القليلة الماضية في ضغط شديد على الموارد في بعض المدن والولايات، حيث يتدافع المسؤولون لإيواء طالبي اللجوء وتعليمهم وإطعامهم.
ويصعب التأكد إذا ما كان ترامب سيواصل تنفيذ مقترحاته المتعلقة بالهجرة، حيث سبق له في 2016 أن وعد بالترحيل الجماعي، إلا أن خططه واجهت تحديات قانونية كبيرة، تسببت في عدم خروجها إلى أرض الواقع. وساهم تدفق المهاجرين، إلى جانب سلسلة من القضايا الجنائية البارزة التي تورط فيها مهاجرون، في إثارة المخاوف بشأن تزايد معدلات الجرائم، على الرغم من أن المختصين يشككون في العلاقة.
وحاولت إدارة بايدن اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه تدفق طالبي اللجوء، حيث اقترح المسؤولون الأميركيون الأسبوع الماضي قاعدة من شأنها أن تسمح لسلطات الهجرة بمنع المهاجرين غير المؤهلين من الحصول على اللجوء بسرعة. ومع ذلك، يقول الاقتصاديون إن ارتفاع معدلات الهجرة لعب أيضًا دورًا رئيسيًّا في واحدة من المفاجآت الإيجابية الكبرى في السنوات القليلة الماضية، والمتمثلة في تمكين الاقتصاد الأميركي من تحدي توقعات الركود.
واحتفظت سوق العمل الأميركية بقوتها غير المرحب بها من مسؤولي البنك الفيدرالي، حيث استمرت إضافات الوظائف بمعدلات لم يتوقعها أكثر المتفائلين، وبقي معدل البطالة أقل من 4% لمدة 27 شهرًا على التوالي، وهو ما يعادل الرقم القياسي المسجل في الفترة من عام 1967 إلى عام 1970.
ويقول الاقتصاديون إن الارتفاع الأخير في الهجرة ساعد في جعل هذه المفاجآت ممكنة، من خلال منع سوق العمل من الإنهاك التام، ومنع بنك الاحتياط الفيدرالي من المبالغة في رفع أسعار الفائدة. وقال زاندي: "لقد ساعد ذلك على تخفيف ضغوط سوق العمل شديدة الضيق، وتخفيف بعض ضغوط الأجور، وخفض التضخم، كما سمح للاقتصاد بالنمو بسرعة أكبر من المتوقع".
وقبل كوفيد-19، أشارت توقعات السكان والقوى العاملة الصادرة عن الحكومة الفيدرالية إلى أن الاقتصاد الأميركي لن يتمكن من إضافة أكثر من 140 ألف وظيفة شهريًّا بشكل مستدام، دون تفاقم التضخم، في 2023، ثم إضافة ما لا يزيد عن 100 ألف شهريًّا بحلول عام 2024، وفقًا للبحث الصادر عن "مشروع هاميلتون".
وفي الواقع، أضاف الاقتصاد الأميركي ما متوسطه 255 ألف وظيفة شهريًّا في عام 2023، أي ما يقرب من ضعف الحد الأقصى للوتيرة التي تعتبر مستدامة، كما يشير البحث. وقال رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي، جيروم باول، لبرنامج "60 دقيقة" في فبراير/شباط: "في العام الماضي فقط، كان جزء كبير من قصة عودة سوق العمل إلى توازن أفضل هو عودة الهجرة إلى المستويات التي كانت أكثر نموذجية في فترة ما قبل الوباء".
وتشير تقديرات "مشروع هاميلتون" إلى أن نمو العمالة المستدام سيتراوح بين 160 ألفًا و200 ألف شهريًّا في عام 2024، وهو ضعف ما كان ممكنًا قبل السماح بزيادة أعداد المهاجرين. ولولا تدفّق العمالة بهذه المعدلات، لكان الاقتصاد الأميركي في وضع آخر. وقال بروسويلاس: "كان من المحتمل أن يبالغ بنك الاحتياط الفيدرالي في رفع أسعار الفائدة، ويدفع الاقتصاد الأميركي إلى الركود".
وواجهت السلطات الأميركية أكثر من 2.5 مليون مهاجر عبر الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك العام الماضي وحده، وفقًا لتقديرات وزارة الأمن الداخلي.
وفي عام 2023، شهدت الولايات المتحدة هجرة صافية بلغت حوالي 3.3 ملايين، وفقًا لمكتب الميزانية بالكونغرس. ويتجاوز هذا بكثير المتوسط البالغ 900 ألف فقط الذي كان نموذجيًّا بين عامي 2010 و2019. وكان الارتفاع الكبير في معدلات الهجرة كبيرًا للغاية، لدرجة أن مكتب الميزانية في الكونغرس قدّر أن الولايات المتحدة تسير باتجاه زيادة عدد العاملين بمقدار 1.7 مليون شخص هذا العام، مقارنة بما كان متوقعًا في العام الماضي.
وتشير تقديرات خبراء الاقتصاد في بنك غولدمان ساكس إلى أن ارتفاع الهجرة أدى إلى تباطؤ نمو الأجور بنحو 0.3 نقطة مئوية على المستوى الوطني، وبقدر الضعف على الأقل في قطاع الترفيه والضيافة منخفض الأجر. ورغم أن "الإجابة النموذجية" هي أن الهجرة لا ينبغي لها أن تشكل أهمية كبيرة بالنسبة للأجور والتضخم، فإن خبراء الاقتصاد في بنك غولدمان ساكس قالوا لعملائهم مؤخراً: "نعتقد أن هذه المرة كانت مختلفة بعض الشيء".
وكتب الاقتصاديون في "غولدمان ساكس": "الأسباب الرئيسية هي أن التحول في الهجرة كان كبيرًا للغاية، وأنه حدث في وقت كان فيه سوق العمل محمومًا تاريخيًّا". وبالنظر إلى المستقبل، قال "غولدمان ساكس" إن "التقلبات المعتدلة" في الهجرة ربما يكون لها "تأثير ضئيل" على نمو الأجور والتضخم. وقال البنك إن الاستثناء سيكون في حالة حدوث "تغييرات جذرية في السياسة".
وقالت ويندي إيدلبيرغ، مديرة مشروع هاميلتون وزميلة الدراسات الاقتصادية في معهد بروكينغز، لشبكة "سي أن أن" الإخبارية، إنها "واثقة" من أن حملة قمع الهجرة، مثل تلك التي يقترحها ترامب، ستكون لها آثار "سلبية" على الاقتصاد.
ومع ذلك، فإن إيدلبيرغ كانت أقل قلقًا بشأن التأثير التضخمي وأكثر قلقًا بشأن انهيار الطلب، خاصة في المجتمعات التي شهدت تدفقًا كبيرًا للمهاجرين. وأشارت إلى أن بعض الشركات تمتعت بزيادة حادة في الطلب في السنوات الأخيرة، وأرجعت ذلك إلى حد كبير إلى المهاجرين.
وقالت إديلبيرغ: "هذا هو الشيء الذي يمكن أن يؤدي إلى الركود. لا أقصد أن أشير إلى أن هذا سيكون ركودًا كارثيًّا، لكن هذا سيكون انخفاضًا مفاجئًا للغاية في إجمالي الطلب. بشكل عام، هذا ليس هو الشيء الذي يحتاجه اقتصادنا".