مرّ خبر زيارة مسؤولين أميركيين دمشق أخيراً من دون ما يستحقه من تفنيد وتحليل. فأن يتم الاكتفاء بأن مفاوضات روجر كارستينس المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون المخطوفين، وكاش باتل مساعد الرئيس الأميركي ومدير مكافحة الإرهاب في البيت الأبيض، مع مسؤولين في نظام الأسد، إنما جاءت للإفراج عن المخطوفين، أو حتى لاستعمال ورقة المخطوفين، ضمن حملة دونالد ترامب الانتخابية، فهذا برأينا تسطيح للقضية، خاصة بعد العربدة الأميركية على كل من يتعامل مع نظام الأسد وتلويحها بقانون "قيصر".
وأما لماذا، فببساطة، لأن نظام الأسد لو قبل مقايضة المخطوفين بصفقة أو برفع العقوبات، فربما وافقت واشنطن أو غضت الطرف أكثر، لأنها بطبيعة الحال تفعل، إزاء المنتجات والأسلحة والمشتقات النفطية التي تدخل للأسد، من موسكو وطهران وبكين.
وربما الطامة، ليست فقط بالزيارة الأخيرة التي كشفتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، بل وبفضح الزيارات والمفاوضات الأميركية المتتالية، التي أعلن عنها نظام الأسد متفاخراً "دمشق رفضت مناقشة العقوبات الأميركية على سورية قبل مناقشة ملف الانسحاب الأميركي من الأراضي السورية" و"دمشق حذرة من نمط هذه الزيارات الأميركية لجهة أنها لا تثق بها أو بنتائجها المحتملة، لا سيما أن القيادة السورية تدرك تأثير اللوبيات الأميركية على الرؤساء الأميركيين وقراراتهم وسياساتهم العامة".
وأما إن تغافلنا عن الانفتاح الخفي، الأوروبي والأميركي، الرسمي وغير الرسمي على نظام الأسد، ومحاولات إنتاجه ضمن شروط على مقاسات الواقعية والديمقراطية، على اعتبار غلبة البراغماتية هناك، ومحاولات حجز حصص على الأرض السورية، بواقع المشاعية والتسارع لاقتسام النفوذ وسرقة مقدرات السوريين وثرواتهم.
لنسأل عن الحال العربي الذي كان سباقاً، لقطع العلاقات مع نظام الأسد وطرد سفرائه من العواصم والجامعة العربية، وإعلان مقاطعة وحصار منذ بداية إراقة دم السوريين مطلع ثورة الكرامة عام 2011.
فما هو الواقع اليوم، بعد انتقال النظام السوري من القتل والتهجير، إلى التجويع والإذلال أيضاَ، والذي-الواقع- لن نستدل عليه من زيارات لم تنقطع أو فتح سفارات بذرائع خدمة الرعايا السوريين، ولا حتى بمعونات مالية واستثمارات، كالتي يجود بها "عيال زايد" بالإمارات على النظام السوري من قبيل صلة الرحم والعروبة؟
بل ثمة ما رشح أخيراً عن حجم التبادل التجاري السعودي مع نظام الأسد، والذي يأتي مفاجئاً لاعتبارات عدة.
فالمملكة لا تتقاطع بحدود برية مع سورية ولا رحلات جوية بينهما، كما لا إنتاج يذكر في سورية يفيض عن حاجة الأسواق والجوعى... ولا حتى قدرة شرائية لدى السوريين، الذي لا يتجاوز دخلهم 10% من إنفاقهم الشهري.
فكيف ضمن كل هذه المعطيات، تتصدر المملكة قائمة التبادل التجاري عربياً مع نظام الأسد ولعامين متتاليين؟!
بل والأهم، أن السعودية كانت رائدة في الدعوة للحصار والمقاطعة وسبّاقة بدعم الثورة السورية وحرفها عن سكتها السلمية منذ تبنّت أسلمتها وسهّلت وغيرها في الخليج العربي، التطرّف الذي ضرب حلم السوريين بمقتل.
نهاية القول أمران، الأول أن ثمة كعكة كبيرة بسورية، ولو بعد حين، وربما سيلان اللعاب على إعادة الإعمار بعد تقدير خسائر الحرب بـ440 مليار دولار وإعادة الإعمار بنحو 900 مليار بحسب تقدير سابق لأمين عام جامعة العرب، أحمد أبو الغيط، يجبّ جرائم قتل السوريين وتهجيرهم، ويدفع الدول التي تنطعت لنصرة السوريين ومعاقبة الأسد، إلى أن تلحس كلامها وتتراجع.
وأما الأمر الآخر الذي يتلطى بالواقعية الجديدة ووقوف موسكو العظمى إلى جانب الأسد، فهو يتلخص بتشكيل الأقطاب والتحالفات التي أفرزتها ثورات الربيع العربي، فأن تكون تركيا ضد نظام الأسد ومع ثورة وحقوق السوريين، فهذا كاف لاستعادة مصر والإمارات والسعودية علاقتها مع الأسد، ولو أراد وريث الحكم بدمشق مزيداً، لهرولت الدول الثلاث، من مبدأ "جكارة بالطهارة" بالتسارع ذاته الذي نشهده اليوم مع إسرائيل.