يلين تستبعد فك الارتباط الاقتصادي الأميركي الصيني: مستحيل عملياً

07 يوليو 2023
الوفد الأميركي برئاسة يلين يبحث في بكين سبل التعاون وحل الخلافات (فرانس برس)
+ الخط -

استبعدت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، من بكين، إمكانية فك الارتباط الصيني الأميركي، معتبرة أنه أمر "مستحيل عملياً"، في الوقت الذي تحاول فيه تهدئة علاقة متفاقمة التوتر بين البلدين، رغم أنّ أكبر اقتصادين في العالم لا يزالان مرتبطين ارتباطاً وثيقاً وبدأت تظهر بعض العلامات على ضعف ارتباطه مستقبلاً.

وبدأت يلين اجتماعاتها مع كبار المسؤولين الصينيين، اليوم الجمعة، متعهدة بالسعي إلى "منافسة صحية" مع بكين، فيما تهيمن مواجهة بين القوتين الاقتصاديتين بشأن قيود تصدير التكنولوجيا الأميركية، وقيود مزمعة على الاستثمار على عناوين الأخبار.

ورغم حديث عن انفصال اقتصادي بين الولايات المتحدة والصين، تظهر أحدث البيانات علاقة تجارية قوية بالأساس انتعشت في عام 2022 بعد 5 سنوات شهدت اضطرابات ناجمة عن حرب تجارية وجائحة فيروس كورونا، وفقا لما أوردته "رويترز".

وسجلت قيمة التبادل التجاري بين البلدين رقماً قياسياً خلال العام الماضي بلغ 690 مليار دولار مع ارتفاع الطلب الأميركي على السلع الاستهلاكية الصينية ونمو طلب بكين على المنتجات الزراعية والطاقة الأميركية.

وكان حجم التجارة بين البلدين قد تراجع بعد عام 2018، عندما فرض الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب رسوماً جمركية تصل إلى 25% على واردات صينية قيمتها نحو 370 مليار دولار، ولكن التجارة بدأت في الانتعاش خلال التعافي من جائحة كوفيد في عام 2021.

وقال رئيس غرفة التجارة الأميركية في الصين مايكل هارت "أعتقد أنه من المهم أن يدرك الناس أن الأعمال والسياسة أمران منفصلان".

مايكل هارت
مايكل هارت (فرانس برس)

ومع ذلك، فإن وتيرة هذا العام أبطأ بشكل ملحوظ، إذ تشير بيانات مكتب الإحصاء الأميركي إلى انخفاض التدفقات التجارية في الاتجاهين حتى نهاية مايو/ أيار بمقدار 52 مليار دولار، أو 18%، مقارنة بالأشهر الخمسة الأولى من عام 2022.

وشهدت التجارة بين البلدين بعض التحولات الكبيرة في السنوات الماضية، إذ نأت الصين عن شراء الطائرات والآلات مع زيادة واردات السلع الزراعية والطاقة وأشباه الموصلات ومعدات تصنيع الرقائق. وهذه الأخيرة معرضة بشكل خاص لقيود تصدير أميركية، وهي مسألة من المتوقع أن تتم مناقشتها خلال اجتماعات يلين في بكين.

ومن المسائل الشائكة التي جاءت قبيل الزيارة أيضاً تحرك الصين للرد بفرض قيود على تصدير الغاليوم والجرمانيوم، وهما معدنان يستخدمان على نطاق واسع في صناعة أشباه الموصلات والسيارات الكهربائية، ما يهدد بحدوث اضطرابات جديدة في سلاسل التوريد.

وزيرة الخزانة: نتطلع إلى منافسة اقتصادية سليمة تفيد العمالة الأميركية والشركات الأميركية

في هذا السياق، ذكر مسؤول في وزارة الخزانة الأميركية أنّ يلين اجتمعت مع محافظ البنك المركزي الصيني يي قانغ وكبير مسؤولي الاقتصاد في البلاد سابقاً ليو خه لإجراء محادثات غير رسمية بشأن الاقتصادين الأميركي والصيني والوضع الاقتصادي العالمي، اليوم الجمعة.

وقال المسؤول إنّ يلين والمسؤولين الصينيين أجروا "نقاشاً موضوعياً"، غير أنه لم يتطرق لمزيد من التفاصيل. ورغم أن ليو متقاعد حالياً، فهو من المقربين من الرئيس الصيني شي جين بينغ. ويأتي هذا الاجتماع بمثابة متابعة لما بدأ في مناقشات أجريت في زوريخ في يناير/ كانون الثاني.

وكتبت يلين على "تويتر" بعد وقت قصير من وصولها إلى بكين، مساء أمس الخميس: "نتطلع إلى منافسة اقتصادية سليمة تفيد العمالة الأميركية والشركات الأميركية، وإلى التعاون في مواجهة التحديات العالمية"، مضيفة: "سنتخذ إجراءات لحماية أمننا القومي عندما تقتضي الحاجة، وتتيح هذه الزيارة فرصة للتواصل وتجنب سوء التواصل أو سوء الفهم".

من جهتها، قالت وزارة المالية الصينية، في بيان، اليوم الجمعة، إنّ بكين تأمل في أن تتخذ الولايات المتحدة "إجراءات ملموسة" لخلق بيئة مواتية لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين على النحو السليم.

إجراء إصلاحات اقتصادية

واستهلت يلين زيارتها التي تستغرق 4 أيام، بالدعوة إلى إجراء إصلاحات للسوق في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ولفتت إلى أنّ الولايات المتحدة وحلفاءها سيقاومون ما وصفتها "بممارسات اقتصادية غير عادلة" للصين.

وأدلت بهذه التصريحات في اجتماع مع شركات أميركية لها أنشطة في الصين بعد الاجتماع مع كبير مسؤولي الاقتصاد في الصين سابقاً ليو خه، فيما من المقرر أن تلتقي في وقت لاحق مع رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ.

وتأتي زيارة يلين بعدما زار وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الصين، الشهر الماضي، واتفق مع رئيسها على أنّ المنافسة بين الجانبين ينبغي ألا تتحول إلى صراع، بينما من المتوقع أن يزور مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن للمناخ جون كيري الصين في وقت لاحق من الشهر الجاري.

وتأتي الدفعة الدبلوماسية الأميركية قبل اجتماع محتمل بين بايدن وشي في قمة مجموعة العشرين بنيودلهي، في سبتمبر/ أيلول المقبل، أو في اجتماع لمنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ المقرر عقده في نوفمبر/ تشرين الثاني في سان فرانسيسكو.

وقالت يلين إنها تزور الصين لتعزيز التواصل والعمل من أجل "علاقة مستقرة وبناءة" بين البلدين، فيما أوضحت أنّ واشنطن ستعمل على حماية مصالح أمنها القومي وحقوق الإنسان. وأضافت في كلمة مكتوبة "نعتقد أنّ من مصلحة البلدين التأكد من أنّ لدينا خطوط اتصال مباشرة وواضحة على مستويات عليا".

وذكرت أنّ تبادل الزيارات المنتظم يمكن أن يساعد كلا البلدين على مراقبة المخاطر الاقتصادية والمالية في وقت يواجه فيه الاقتصاد العالمي "معوقات مثل حرب روسيا غير الشرعية في أوكرانيا والآثار المستمرة للجائحة".

وأضافت أنها ستوضح للمسؤولين الصينيين أنّ واشنطن لا تسعى إلى "فصل كامل لاقتصاداتنا"، لكنها ستثير المخاوف بشأن استخدامهم للدعم الموسع للشركات المملوكة للدولة والشركات المحلية، والعقبات التي تحول دون دخول شركات أجنبية إلى الأسواق، و"الإجراءات العقابية" الأخيرة ضد الشركات الأميركية.

وتناولت يلين أيضاً الاقتصاد الصيني المخطط مركزياً، ودعت بكين إلى العودة للممارسات القائمة على السوق التي عززت نموها السريع في السنوات الماضية. وقالت لرجال الأعمال الأميركيين "التحول نحو إصلاحات السوق سيكون في مصلحة الصين"، مضيفة أنّ "النهج القائم على السوق ساعد في تحفيز النمو السريع في الصين وساعد على انتشال مئات الملايين من الناس من براثن الفقر. إنها قصة نجاح اقتصادي رائعة".

الطبقة الوسطى الصينية سوق كبيرة للسلع والخدمات الأميركية

وأشارت يلين إلى أنّ الطبقة المتوسطة الهائلة والمتنامية في الصين توفر سوقاً كبيرة للسلع والخدمات الأميركية، وأكدت أنّ الإجراءات التي تستهدف واشنطن بها الصين تستند إلى مخاوف تتعلق بالأمن القومي، وقالت: "نسعى للتنوع وليس الفصل.. فصل أكبر اقتصادين في العالم من شأنه أن يزعزع استقرار الاقتصاد العالمي، وسيكون من المستحيل عملياً التعامل معه".

وعبّر مسؤولون أميركيون عن توقعاتهم أيضاً بأن تتحدث يلين عن مخاوف بشأن تأثير قانون مكافحة التجسس الصيني الجديد على الشركات الأميركية، وأن تحذر بكين من عواقب إمداد روسيا بمساعدات قاتلة.

كما من المتوقع أن يعبر مسؤولون صينيون عن مخاوفهم بشأن خطط إدارة بايدن للحد من استثمارات الشركات الأميركية في الصين في وقت يتعافى فيه الاقتصاد الصيني من الإغلاق بسبب فيروس كورونا ببطء أكثر مما كان متوقعا، كما أن سوق العمل تتعرض لضغوط.

(رويترز، فرانس برس، العربي الجديد)

المساهمون