14 اقتصادياً ومتخصصاً لبنانياً يدعون إلى وقف الحرب فوراً.. هذه الخسائر والأولويات

21 أكتوبر 2024
دمار في البقاع، 16 أكتوبر 2024 (Getty)
+ الخط -

دعت "مجموعة العمل المستقلة من أجل لبنان"، التي تضم 14 اقتصادياً ومتخصصاً في السياسات العامة، إلى تركيز الأولويات على وقف الحرب فوراً بالتوازي مع تأمين الاحتياجات الإنسانية، ورفض أي محاولات مباشرة أو غير مباشرة للتأقلم مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، حيث كل يوم إضافي من العدوان يؤدي الى كُلَفٍ إنسانية واقتصادية واجتماعية هائلة وتأثيرات طويلة المدى على إمكانية النهوض والتعافي.

وأكدت المجموعة أن الكُلَفَ الاقتصادية للحرب تتخطى العشرين مليار دولار، مع توقف النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات في منطقتي الجنوب والبقاع (اللتين تشكلان ثلث سكان لبنان وقوة العمل فيهما)، مع توقع خسائر كبيرة في دخل الأسر وتباطؤ النمو الاقتصادي.

ودعا الاقتصاديون والمتخصصون في المجموعة إلى إيجاد بدائل ملائمة للملاجئ الجماعية عبر بدلات إيجار وحوافز للمالكين، تسمح بعودة الطلاب إلى المدارس الرسمية، بالتوازي مع تفعيل القطاع السياحي والسكني في ظل الأزمة الراهنة. وإقرار تعديلات على قانون موازنة العام الحالي، حيث الموازنة بمجملها قد أصبحت غير ملائمة وغير واقعية ويقتضي إعادة النظر في أرقامها وأولوياتها.

وطالبوا بوضع خطط ملائمة لإدارة سلاسل توريد السلع الحسّاسة، خصوصًا أدوية الأمراض المزمنة ومستلزمات الأطفال والمواد الغذائيّة الأساسيّة. والاستفادة من الزيادة في الاحتياطات لدى المصرف المركزي لزيادة السحوبات الشهريّة، خصوصًا لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسّطة. وتشديد رقابة مصرف لبنان على المصارف التجاريّة، للامتثال للتعاميم الصادرة بشأن تنظيم العلاقة مع المودعين.

كذا أكدوا ضرورة استصدار قانون يعفي كل المساعدات النقدية والعينية المقدمة إلى النازحين أو الجهات التي ترعاهم من أية ضريبة على الهبات. وتعديل آلية حوكمة المساعدات وتوزيعها لتتضمن ممثلين عن ضحايا الحرب والهيئات المحلية والأهلية، على أن يتم وضع الأولويات للمساعدات وطريقة توزيعها بالتشاور والتنسيق مع المستفيدين ومن يمثلهم.

وشددوا على توجيه برامج دعم مخصّصة للمنتجين المحليين، خصوصًا في مجال الصناعات الغذائيّة والقطاعات الزراعيّة والأدوية، لتقليص المخاطر التي تحيط بآليّات الاستيراد من الخارج. وتقديم الدعم التقني للدولة اللبنانيّة لتفعيل الجباية الضريبيّة خصوصًا ما يخص القطاعات والمناطق غير المتأثّرة بالاعتداءات، لتمكينها من تغطية كُلَف الاستجابة للأزمة. ووضع إحصاءات أوليّة للأسر المتضررة وتلك الموجودة في المناطق التي يُحتمل أن يشملها توسّع الاعتداءات في المستقبل، لتحضير خطط الإجلاء وإيواء النازحين المحتملين.

أزمة اقتصادية عميقة في وسط الحرب

وتشير الورقة إلى أنه يواجه لبنان منذ 7 أكتوبر 2023 حتى اللحظة حرباً إسرائيلية مدمرة، وقد اتسعت الحرب بطريقة دراماتيكية منذ 23 سبتمبر 2024 إلى اجتياح بري واستهداف مكثف للضاحية الجنوبية لبيروت والبقاع ومناطق مختلفة في جنوب لبنان، إضافة إلى مناطق في بيروت الإدارية. 

أدت الحرب حتى 20 أكتوبر إلى 2464 قتيلاً، و11530 جريحاً. وقد نزح أكثر من 1.2 مليون شخص، وهو ما يعادل 20% من السكان من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت، حيث إن 25% من لبنان أصبح تحت أوامر الإخلاء الإسرائيلية.

يأتي كل ذلك في حين يعيش لبنان في أزمة اقتصادية عميقة، انكشفت في العام 2019 بانهيار نقدي ومالي ضخم تبعته تداعيات انتشار فيروس كورونا ومن ثم انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020، ما نتج عنه انهيارٌ في القطاع المصرفي جفف مدخرات المودعين، وهبوطٌ حادٌّ في الناتج المحلي الإجمالي من 54.9 مليار دولار في عام 2018 إلى 17.9 مليار دولار في عام 2023، فيما من المتوقع المزيد من التراجع في 2024 نتيجة الحرب، بالإضافة إلى انخفاض قيمة العملة بأكثر من 98% منذ عام 2019.

من المتوقع أن تتخطى الكُلف الاقتصادية للحرب العشرين مليار دولار، مع توقف النشاط الاقتصادي في معظم القطاعات في منطقتي الجنوب والبقاع (اللتين تشكلان ثلث سكان لبنان وقوة العمل فيهما)، مع توقع خسائر كبيرة في دخل الأسر وتباطؤ النمو الاقتصادي.

وتشير التقديرات إلى أن الحرب ستكلف اقتصاد لبنان 70% من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 13 مليار دولار، فيما توقف نحو مليون نازح لبناني عن العمل، ما يكبد الاقتصاد خسائر إضافية تراوح بين 500 مليون دولار إلى مليار دولار. كما أن تكلفة تلبية احتياجات النازحين من إيواء ودواء وطعام وغيرها تقدر بحوالي ملياري دولار، في حين أن الانكماش وتقلص النمو سيكلف الاقتصاد بين 3 و4 مليارات دولار. إلا أن هذه التوقعات تزيد سوءاً في حال استمرت الحرب أكثر من ذلك. 

واعتباراً من فبراير 2023، أي قبل انطلاقة الحرب بثمانية أشهر، بلغ التضخم السنوي 190 %. وزادت تكلفة سلة الحد الأدنى من الإنفاق الغذائي (SMEB) للفرد في فبراير بالليرة اللبنانية بنسبة 48 % عن يناير 2023. وارتفع التضخم الغذائي منذ أكتوبر 2019 بنسبة 11300 % وبنسبة 4400 % التضخم في الطاقة. وسيزيد النزوح الكبير للأشخاص من الجنوب ومنطقة البقاع من ضغوط الأسعار على جانب الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع حاد في أسعار الإيجارات وكذلك أسعار السلع والخدمات الأساسية. ستؤدي ضغوط الأسعار إلى تضخيم تأثير التكلفة المرتفعة بالفعل للسلع المستوردة، بسبب ارتفاع تكلفة الشحن الناتجة عن اضطرابات البحر الأحمر. 

ونتيجة لذلك، من المرجح الآن أن التضخم السنوي سيتجه نحو الارتفاع في الربع الرابع من عام 2024 ليصل في نهاية العام إلى 54%، مقابل توقعات سابقة بأنه سينخفض إلى 26.7% في ديسمبر 2024. ويمكن أن يرتفع التضخم إلى أعلى من ذلك إذا بدأ النقص في السلع الأساسية بالظهور إذا تم تقويض القدرة على تمويل الواردات بشدة.

ضرب قطاعات الإنتاج

وتقول الورقة إن الحرب والنزوح سيؤديان إلى تعطيل حاد وطويل الأمد للنشاط في جميع القطاعات، بما في ذلك البناء وتجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم والتعليم الخاص والعام وخدمات الأعمال الأخرى. وقد تأثرت هذه القطاعات، التي تمثل عادة حوالي 70% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، بالفعل بضعف القدرة الشرائية للسكان منذ بداية الأزمة الاقتصادية والمالية في عام 2019، والآن سبّبت الحرب إيقاف النشاط في المناطق المتضررة. 
الزراعة
ومن شأن الحرائق الواسعة النطاق الناجمة عن الغارات الجوية وكذلك استخدام الفوسفور الأبيض أن تؤدي إلى تفاقم الخسائر في القطاع الزراعي، والتي قدرت السلطات قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار في يونيو 2024. إن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالأراضي الجاهزة للحصاد ستؤثر على المنتجات المخصصة للاستهلاك المحلي وكذلك للتصدير (تمثل الصادرات الزراعية حوالي 7% من إجمالي الصادرات) ومن ثم تؤثر على سبل عيش العاملين في القطاع. 

وأدى القصف المباشر على الأراضي الزراعية إلى حرق 1900 هكتار من الأراضي الزراعية في جنوب البلاد على مدار العام الماضي خاصة في الأسابيع القليلة الماضية. بالإضافة إلى ذلك، تم التخلي عن 12 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في الجنوب اللبناني وهو واحد من أكثر المناطق إنتاجية في البلاد، ما يلحق الخسائر بحوالي 46 ألف مزارع تأثروا بشدة بالأزمة. 

وأيضاً توقف القطاع السياحي الذي يشكل نحو 30% من الناتج المحلي ويشغل 369,000 وظيفة في عام 2023، بشكل شبه كامل منذ توسع الحرب في سبتمبر. وتعطلت حركة الوافدين إلى لبنان بنسب قياسية، مع توقف عدد من شركات الطيران عن التحليق من لبنان وإليه منذ 20 يوليو 2024، ومن ثم توقفت الرحلات نهائياً مع توسع الحرب على ضاحية بيروت الجنوبية في 23 سبتمبر، باستثناء شركة طيران الشرق الأوسط المحلية التي تسير رحلات غالبيتها لإجلاء الرعايا ونقل المهاجرين اللبنانيين إلى الخارج. وبلغت إيرادات السياحة خلال العام 2023 في حدود 5.41 مليارات دولار أميركي. 

وبمتوسط 600 ألف قادم إلى مطار بيروت شهريًّا، ومع متوسط إنفاق السائح الواحد 3000 دولار شهريًّا يمكن تقييم الخسائر في نفقات السياح بأكثر من 1.8 مليار دولار من العملة الصعبة الفائتة في ظل الأزمة النقدية، والتي تشغل أكثر من القطاعات وأبرزها قطاعا الضيافة والتجارة. 

وتشير التقديرات أن يشهد القطاع الصناعي وصادراته انكماشاً كبيراً قد تصل نسبته إلى أكثر من 50% خلال الأشهر الـ 12 الممتدة بين تشرين الأول 2023 وأيلول 2024، وتقدر قيمته بمليارَي دولار، ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم مع توسع الحرب لتشمل مساحات جديدة خارج المنطقة الحدودية. 

وعلى العموم، واستناداً إلى الوتيرة الحالية للضربات الإسرائيلية منذ سبتمبر/أيلول، قد تصل الأضرار المادية من جراء قصف المباني إلى نحو مليار دولار أميركي شهرياً، مما يجعل إجمالي الأضرار المادية المباشرة في عام 2024 يقترب من 5 مليارات دولار، أي ما يعادل نحو 15% من الناتج المحلي الإجمالي.

إشكاليّات السياسة النقديّة والماليّة

وتتابع الورقة أن الحرب تحل بينما تعتمد الحكومة اللبنانيّة بالاتفاق مع مصرف لبنان على سياسة تقشّف صارمة ومستمرّة، بهدف ضبط التوازنات النقديّة وزيادة احتياطات المصرف المركزي. وفقًا لأرقام مصرف لبنان لغاية أواخر شهر أيلول الماضي، ارتفعت قيمة حسابات القطاع العام لدى المصرف المركزي بحدود الـ 1.66 مليار دولار أميركي منذ منتصف شهر شباط، وهو ما يؤشّر إلى تراكم الجبايات الضريبيّة بفعل هذه السياسة التقشّفيّة. وفي المقابل، تمكّن المصرف –جرّاء هذه السياسة- من زيادة احتياطاته بالعملات الأجنبيّة بنحو 1.19 مليار دولار أميركي خلال الفترة نفسها.

وسمحت هذه السياسة بامتصاص السيولة بالليرة اللبنانيّة، لتمكين مصرف لبنان من استخدامها لشراء العملة الصعبة، لكنّها حمّلت القطاع العام كُلَفاً باهظة على مستوى فعاليّة أداء الإدارات العامّة، وتوفّر السيولة المطلوبة لتقديم الخدمات البديهيّة. وهذا ما انعكس على استجابة الدولة اللبنانيّة للأزمة، حيث افتقدت بوضوح للفعاليّة والكفاءة، خصوصًا من ناحية توفير الحاجات الأساسيّة للنازحين في مراكز الإيواء. والحكومة لم تبادر حتّى اللحظة إلى تعديل مقاربتها الماليّة للاستفادة من الجباية الضريبيّة، من أجل التعامل مع الواقع الحالي المأزوم.

تأتي الكوارث التي تفرضها الحرب بالتوازي مع استمرار الأزمة المصرفيّة للسنة الخامسة على التوالي، وهو ما يحول دون استفادة أكثر من 1.76 مليون مودع من حساباتهم لدى القطاع المصرفي (عدد الحسابات المتبقية لغاية العام الماضي). يفرض هذا الواقع تحديًا استثنائيًّا من جهة حرمان النازحين من القدرة على استعمال المدخرات لتسديد كُلَف الحاجات الطارئة، وهو ما يفاقم من انكشاف هذه الفئة إزاء مخاطر الأمن الاجتماعي. وحتّى هذه اللحظة، اقتصرت استجابة المصرف المركزي للأزمة على منح المودعين دفعتين إضافيّتين استثنائيّتين في بداية شهر تشرين الأوّل، بما يوازي ضعفي الدفعة الشهريّة التي يتم منحها للمودعين بحسب تعاميم المصرف ذات الصلة (بين 150 و400 دولار أميركي فقط).

لقد أدّت الأزمة الحاليّة إلى فرملة كل النقاشات حول خطّة التعافي الماليّة ومشروع إعادة هيكلة القطاع المصرفي، بعدما جرى طرح آخر مسوّدة على بساط البحث في شهر شباط الماضي، قبل سحبها عن طاولة مجلس الوزراء. ومن المرتقب أن تسهم الحرب الحاليّة في استطالة الأزمة المصرفيّة بالشكل نفسه الذي شهده لبنان طوال السنوات الخمس الماضية، أي تطبيع وجود كتلة الخسائر الماليّة في القطاع من دون أي اتجاه جدّي لمعالجتها.

وتشير أرقام نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات إلى أنّ مخزون الأدوية والمستلزمات الطبيّة ومستلزمات الأطفال كافٍ في البلاد لمدّة 4 أشهر، وهو ما يفترض أن يكون كميّة مطمئنة في الظروف الراهنة. ومع ذلك، شهدت السوق منذ بداية الحرب انقطاعات متكرّرة في أصناف أدوية الأمراض المزمنة ومستلزمات الأطفال، بسبب كثافة الطلب في أماكن وجود النازحين، والخشية من حصول حصار بحري على لبنان، واكتناز السلع من قبل المستهلكين، والمخاطر الأمنيّة المحيطة بأماكن تخزين الأدوية ونقلها.

إن هذه التطورات تدل بوضوح، وفق الورقة، إلى ضرورة تطوير الإجراءات التي تقوم بها السلطات اللبنانيّة على مستوى إدارة سلاسل التوريد، وعلى نحوٍ أدق: إعادة توجيه المخزون المتوفّر بحسب ضغط الطلب في المناطق، وتكييف العمليّات مع المخاطر الأمنيّة المستجدة. كما تعكس هذه التطورات ضرورة وضع خطط استباقيّة، تحضيرًا لاحتمال تضرّر عمليّات مرفأ بيروت في المستقبل، خصوصًا في ظل تركّز عمليّات الاستيراد والتصدير عبر هذا المنفذ البحري.

الانعكاسات المباشرة على النازحين والمضيفين

وبدأ القصف الإسرائيلي يطاول المناطق الحدودية في 8 أكتوبر 2023، ومن ثم توسع ليشمل بشكل رئيسي الضاحية الجنوبية لبيروت، ومحافظات بعلبك-الهرمل، وجنوب لبنان، والنبطية، وأجزاءً من محافظة البقاع، ما أثر بشكل مباشر على سبل عيش حوالي 1.8 مليون شخص كانوا يقيمون في هذه المناطق. وحتى منتصف أكتوبر 2024، تم تهجير حوالي 1.2 مليون شخص، معظمهم من هذه المناطق. 

قبل الحرب الإسرائيلية الحالية على لبنان، كانت هذه المناطق تضم حوالي 50,000 مؤسسة تجارية مسجلة (أي ما يعادل 60% من إجمالي الشركات في لبنان) وأكثر من 70,000 حيازة زراعية (40% من الإجمالي في لبنان)، وقد تم تدميرها أو تعطيلها بالكامل. وقبل اندلاع العدوان الإسرائيلي، كان حوالي 700,000 شخص في هذه المناطق يعانون الفقر المدقع، وهو ما يمثل حوالي 40% من سكان هذه المناطق. ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة لتصل إلى 80% على الأقل. 
على مستوى لبنان عامة، كان حوالي 1.6 مليون شخص يعانون الفقر المدقع قبل هذه الحرب، ومن المحتمل أن يرتفع هذا الرقم إلى أكثر من 3 ملايين شخص مع استمرار الحرب، وهو ما يعادل حوالي 60% من السكان. 

ويعيش الآن أكثر من 200 ألف شخص في 973 ملجأً رسميًّا تقع داخل بيروت وشمال البلاد. ونحو 773 من هذه الملاجئ مليئة تمامًا.  ومن بين حوالي 1200 مدرسة حكومية في لبنان، يوجد حوالي 500 مدرسة في المناطق المستهدفة قد تم إغلاقها وعلى الأرجح دمّر العديد منها. كما يتم استخدام حوالي 500 مدرسة حكومية أخرى في مناطق أخرى من البلاد ملاجئً جماعيةً. كما كانت المناطق المستهدفة تضم حوالي 600 مدرسة خاصة، و35 جامعة، و90 معهدًا تقنيًّا، وقد تم إغلاقها جميعًا وتدمير جزء منها. كما تم إغلاق الجامعة اللبنانية وهي الجامعة الرسمية الوحيدة في البلاد، حيث يقع حرمها الرئيسي بالقرب من المناطق المستهدفة. أدى كل هذا إلى تعطيل التعليم لحوالي 1.5 مليون طالب من جميع المستويات. 

إن تعطيل التعليم وإغلاق المدارس، سواء بسبب القصف أو تحويلها إلى ملاجئ جماعية، سيؤثر بشدة على تطوير رأس المال البشري في البلاد. فقد كانت هناك اضطرابات كبيرة في التعليم خلال السنوات الست الماضية، وستؤدي هذه الحرب الأخيرة إلى آثار لا يمكن عكسها على معدل الالتحاق بالمدارس. إن كل شهر يفقد من التعليم يترجم إلى خسائر كبيرة في الناتج الاقتصادي للبنان، حيث يُعد تطوير رأس المال البشري عنصرًا حاسمًا في النمو الاقتصادي. تشير تقديراتنا إلى أن كل شهر من فقدان التعليم سيكلف الاقتصاد اللبناني ما لا يقل عن 50 مليون دولار من الناتج الاقتصادي الضائع، مما يعني تكلفة سنوية لتعطيل التعليم تصل إلى 600 مليون دولار. 

وقبل بدء الحرب الإسرائيلية، خفضت المستشفيات من سعة أسرتها بنسبة 50%، مما أدى إلى عدم كفاية عدد أسرة المستشفيات العاملة لكل السكان. ومنذ بدء تصعيد الحرب قبل شهر، وقع 23 هجومًا مؤكدًا على مراكز الرعاية الصحية، مما أدى إلى مقتل 72 شخصًا وإصابة 43 آخرين بين العاملين في مجال الصحة والمرضى. وأُجبر أكثر من 96 مركزًا ومرفقًا صحيًّا على الإغلاق في الجنوب. وخمسة مستشفيات أصبحت الآن غير قادرة على العمل إما بسبب الأضرار المادية وإما بسبب البنية التحتية. 

ويزداد الطلب على الرعاية الصحية والأدوية في وقت يواصل فيه القطاع النضال مع عواقب الأزمة الاقتصادية منذ عام 2019. يواجه القطاع نقصًا في الكوادر الطبية، بسبب الهجرة بعد الأزمة الاقتصادية، فضلًا عن نقص الأدوية والمعدات بسبب نقص الأموال. بالإضافة إلى ذلك، أن الضغط على مالية الأسر وعدم قدرة الحكومة على دعم تكلفة العلاج للمواطنين المصابين، من المرجح أن يضطر القطاع إلى تحمل خسائر كبيرة، مما قد يؤدي إلى تأخير دفع الرواتب.

مجموعة التوصيات

ودعت المجموعة إلى وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان فوراً، مع عدم القبول بأي مهل أو سيناريوهات لإطالة الحرب.
 كما يقتضي على الصعيد المحلي انتخاب رئيس جمهورية بأسرع وقت ممكن لسد الفراغ الدستوري وقيادة وإبرام الاتفاقيات الدولية كما تعيين حكومة مهمة حيادية مع صلاحيات استثنائية لإصدار مراسيم تشريعية في المواضيع ذات الصلة بالأمور المالية والاقتصادية والاجتماعية على غرار ما حدث بعد أحداث وحروب 1958 و1975 و1982. 

ومن ثم وبغية تمكين الدولة من تأمين التمويل اللازم على المديين المتوسط والطويل، وصل ما انقطع مع المؤسسات الدولية والجهات المانحة، مع تعديل ما يلزم مراعاة لمصالح الدولة اللبنانية وخصوصية أوضاعها، كما إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالية العامة والإدارة لتفادي الوقوع في التجارب السيئة نفسها، ولا سيما الهدر والفساد.
 
وفي التوصيات إلى الدولة اللبنانيّة دفع بدلات الإيجار للعائلات النازحة لتتمكن من الانتقال من المدارس الرسمية إلى السكن في الشقق الفارغة والغرف الفندقية والمفروشة المتوفرة، على أن تتحمل الدولة بدعم من الجهات المانحة كلفة الإيجارات في هذه الشقق. وسوف يحقق هذا الأمر حلاً لعودة الطلاب إلى المدارس الرسمية، بالتوازي مع تفعيل القطاع السياحي والسكني في ظل الأزمة. 
كما يقتضي منح حوافز لمن يبادر إلى تأجير أملاكه أو تقديمها من دون مقابل أو فرض ضريبة أو معدّل ضريبة أكبر على الأملاك العينية الخالية والشاغرة من أجل التحفيز إلى استخدامها. 

وهناك أيضاً ضرورة لإنشاء بيوت وأبنية جاهزة معدّة للسكن والعمل معفاة من الضرائب بانتظار عودة النازحين إلى بيوتهم وإعادة إعمارها، على أن تكون البيوت الجاهزة في أراض عامة و/أو خاصة عائدة للدولة والبلديات مع توزيع الأسر بين المناطق وفقًا للاختصاصات المهنية لكي يترافق ذلك مع إيجاد فرص عمل.

وكذا إقرار تعديلات على قانون موازنة العام الحالي، حيث الموازنة بمجملها قد أصبحت غير ملائمة وغير واقعية ويقتضي إعادة النظر في أرقامها وأولوياتها كما في حجم الإيرادات المرتقبة والتي سوف تتدنى بشكل ملحوظ نظرًا إلى كل الأسباب السابق ذكرها وتعدادها. والخروج من سياسة التقشّف المعتمدة حاليًّا. وعلى هذه التعديلات أن تراعي الإيرادات المُحققة واقعيًّا، ويمكنها أن تراعي إعادة توزيع الاعتمادات على أبواب الإنفاق المختلفة، لتتلاءم مع الحاجات التي يفرضها الوضع الراهن.
وكذا وضع خطط ملائمة لإدارة سلاسل توريد السلع الحسّاسة، خصوصًا أدوية الأمراض المزمنة ومستلزمات الأطفال والمواد الغذائيّة الأساسيّة.

والاستفادة من الزيادة في الاحتياطات لدى المصرف المركزي لزيادة السحوبات الشهريّة، خصوصًا لأصحاب الودائع الصغيرة والمتوسّطة، لتسهيل التعامل مع الأزمات الناتجة عن الوضع الراهن. وتشديد رقابة مصرف لبنان على المصارف التجاريّة، للامتثال للتعاميم الصادرة بشأن تنظيم العلاقة مع المودعين، خصوصًا بالنسبة للمصارف الممتنعة عن تأمين السحوبات الشهريّة بحسب هذه التعاميم. كما يجب رفض بيع أصول الدولة في أي خطة نهوض محلية ودولية.
واستصدار قانون يعفي كل المساعدات النقدية والعينية المقدمة إلى النازحين أو الجهات التي ترعاهم من أية ضريبة على الهبات على غرار ما جرى مع انفجار المرفأ.
وفي توصيات إلى الجهات المانحة تعديل آلية حوكمة المساعدات وتوزيعها لتتضمن ممثلين عن ضحايا الحرب والهيئات المحلية والأهلية، على أن يتم وضع الأولويات للمساعدات وطريقة توزيعها بالتشاور والتنسيق مع المستفيدين ومن يمثلهم. كما يقتضي إخضاعها لتدقيق من قبل الهيئات الرقابية الرسمية المختصة و/أو جهاز تدقيق ومحاسبة موثوق به ومرخص من قبل نقابة خبراء المحاسبة في لبنان.

وكذا توجيه برامج دعم مخصّصة للمنتجين المحليين، خصوصًا في مجال الصناعات الغذائيّة والقطاعات الزراعيّة والأدوية، لتقليص المخاطر التي تحيط بآليّات الاستيراد من الخارج. ويمكن لهذه البرامج أن تكون على شكل منح أو قروض ميسّرة، وبرامج تدريب. وعلى هذه البرامج أن توائم حاجات السوق المحلّي، للتركيز على السلع التي يعتمد لبنان على استيرادها من الخارج.

وتوجيه الدعم إلى مخزون المواشي الموجود في البلاد، خصوصًا في المناطق الأكثر تضرّرًا من الاعتداءات الإسرائيليّة، للحفاظ على الحد الأدنى من الأمن الغذائي. وتقديم الدعم التقني للدولة اللبنانيّة لتفعيل الجباية الضريبيّة خصوصًا ما يخص القطاعات والمناطق غير المتأثّرة بالاعتداءات، لتمكينها من تغطية كُلَف الاستجابة للأزمة. 

وتضم المجموعة 14 اقتصادياً ومتخصصاً في السياسات العامة، من بينهم رشا أبو زكي (صحافية اقتصادية)، علي نور الدين (صحافي اقتصادي)، جاد شعبان (أستاذ اقتصاد جامعي)، جوان حداد (باحثة اقتصادية، جامعة بروكسل الحرة)، كريم ضاهر (محام وأستاذ محاضر في قانون الضرائب والمالية العامة، الجامعة اليسوعية)، كنج حمادة (اقتصادي، حلول التنمية الاقتصادية)، رولان رياشي (أستاذ اقتصاد، جامعة باريس)، كريم صفي الدين (باحث في جامعة بيتسبرغ)، علي شلق (أستاذ اقتصاد، الجامعة الأميركية في بيروت)، منير يونس (صحافي اقتصادي، لوريان لوجور).

المساهمون