يعيش الاقتصاد الإسرائيلي في واحدة من أسوأ حقباته. وفي حين يستمر العدوان الوحشي على سكان غزة، تتهاوى غالبية المؤشرات أمام حكومة الاحتلال، وسط توقعات باستمرار الأزمة إلى سنوات مقبلة.
ومن العقارات والمصارف والبورصة، مروراً بالشيكل وسوق العمل وشركات التكنولوجيا وصولاً إلى عجز الموازنة والنمو الاقتصادي، يسود اللون الأحمر إيذاناً بانهيار يعمّق أزمة كانت أصلاً قد بدأت قبل الحرب بسبب الفساد وسوء الإدارة الاقتصادية.
إليك ما رصده "العربي الجديد" من أرقام تدل على عمق الأزمة الاقتصادية لدى الاحتلال:
ارتفاع البطالة
أظهرت بيانات صادرة عن دائرة التوظيف الإسرائيلية أنّ ارتفاعاً حاداً طرأ في عدد الأفراد المسجلين كعاطلين من العمل خلال أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بالتزامن مع اندلاع الحرب على قطاع غزة.
وبحسب التقرير الشهري لدائرة التوظيف (حكومية)، نشرت تفاصيله صحيفة غلوبس الإسرائيلية، الأربعاء، فإنّ 70 ألف طلب تسجيل تقدم به إسرائيليون كعاطلين من العمل في أكتوبر الماضي. ويزيد هذا الرقم بنسبة 460% على أساس شهري، صعوداً من 12.5 ألف طلب سُجل في سبتمبر/أيلول السابق له.
ووفق إيكونوميست، فإنه منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، حشدت القوات المسلحة الإسرائيلية أكثر من 360 ألف جندي احتياطي، أو 8% من القوة العاملة في البلاد، وقد ترك معظمهم وظائفهم، مما أدى إلى فجوة هائلة في الاقتصاد الإسرائيلي.
ويشير التقرير إلى أن هناك مصدراً آخر لكارثة نقص العمالة، وهي أن حوالي 200 ألف فلسطيني كانوا يعملون لدى الاحتلال، لكن الاضطرابات في الضفة الغربية تعني أنه لا يُسمح للعديد من العمال بعبور الحدود. وخلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، التي استمرت من عام 2000 إلى عام 2005، كان العمال الفلسطينيون المفقودون من أكبر أزمات النمو الإسرائيلي، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
مطلع الشهر الحالي، قال مسح أجراه مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي، إن 37% من الشركات في إسرائيل كانت تعمل بخمس موظفيها أو أقل. فيما قدّرت وزارة العمل الإسرائيلية في تقريرها الأخير أن 18% من القوى العاملة معطلة بسبب الحرب. أما الضرر الأكبر، فعلى حدود غزة، حيث توفر 59% من الشركات الحد الأدنى من فرص العمل.
وفي السياق نفسه، تشير تقديرات شعبة الاستراتيجية في وزارة العمل، وفق موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي، إلى أن 764 ألف عامل في إسرائيل، أي 18% من إجمالي العمالة في إسرائيل، أصبحوا عاطلين من العمل بسبب خدمتهم الاحتياطية في جيش الاحتلال، أو يعيشون في محيط غزة، أو يبقون في المنزل.
أزمة تطاول الشركات
أكد مؤشر ميلنيك لحالة الاقتصاد في مطلع الشهر الحالي، أنه في شهر سبتمبر/أيلول الماضي، أظهر قطاع الأعمال في إسرائيل علامات نمو، حيث سجل مؤشر ميلنيك زيادة بنسبة 0.2 في المائة، لكن إعلان إسرائيل العدوان على غزة ألقى بظلال من عدم اليقين بشأن استقرار هذا النمو الهش.
وشرح موقع "ذا جيروزاليم بوست" الإسرائيلي أن مؤشر ميلنيك لحالة الاقتصاد يعد مؤشرًا رئيسيًا للأداء الاقتصادي في إسرائيل. ويعد الارتفاع المعلن عنه في شهر سبتمبر ذا أهمية خاصة بالنظر إلى التحديات الاقتصادية المستمرة التي يواجهها قطاع الأعمال الإسرائيلي في الأشهر الأخيرة. وكانت النتائج في أغسطس/آب قد سجلت زيادة متواضعة بنسبة 0.1 في المائة، مما يعكس النمو الفاتر.
وتلفت الصحيفة الإسرائيلية إلى أن العدوان على غزة من شأنه أن يؤدي إلى تعطيل هذا النمو الهش. وتشرح أن التداعيات كبيرة، حيث أدى الصراع إلى نقص في العمالة، وتكافح الشركات للعثور على العمال المتاحين بسبب استدعاء جيش الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من 300 ألف جندي احتياطي إلى الخدمة.
وقد أظهرت بيانات رسمية لدى الاحتلال بخصوص الضربة التي ألحقتها الحرب بالاقتصاد الإسرائيلي أن حوالي 51% من الشركات أبلغت عن حدوث ضرر جسيم في الإيرادات، وأبلغت حوالي 12% فقط من الشركات عن حدوث ضرر طفيف في دخل الشركة.
في الصناعات التالية أبلغت معظم الشركات عن انخفاض يزيد عن 50% في إيراداتها: صناعات خدمات الضيافة (حوالي 82% سجلت انخفاضًا في الإيرادات)، وخدمات الأغذية والمشروبات (71%)، والبناء (74%). ويكون الضرر الذي يلحق بدخل الشركة أكثر حدة كلما صغر حجم الأعمال.
جاء ذلك بحسب استطلاع أجراه مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي يومي 24 و26 تشرين الأول/أكتوبر، ونشره موقع "ذا ماركر". وتعكس البيانات تقارير المديرين بشأن وضع العمالة والأضرار التي لحقت بشركاتهم في الأسبوع الثالث من الحرب.
جمود العقارات
وضع العدوان على غزة آلاف الإسرائيليين في ضائقة مالية. واستمرار الحرب، ربما لأسابيع قليلة أخرى على الأقل، سيجبر الاحتلال وبنك إسرائيل والبنوك على التواصل مع الواقع، والذهاب إلى إجراءات لمنع أزمة رهون عقارية بدأت تلوح في الأفق.
وبحسب موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي، فإنه في العام 2020، في خضم أزمة كورونا، كان رد فعل المشرفين الماليين بطيئًا، لكنهم في النهاية قدموا حلاً لحاملي القروض، لكن مع اندلاع الحرب، فإن الأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد، وفق الموقع الإسرائيلي، لن تسمح للبنوك بتلبية جميع متطلبات تأجيل السداد وزيادة الائتمان، دون دعم كبير من البنك المركزي.
ويقول نوفر يعقوب، رئيس جمعية مستشاري الرهن العقاري: "حتى قبل الحرب، وبعد أكثر من عام من ارتفاع أسعار الفائدة، وصل العديد من الإسرائيليين إلى الحد الأقصى لقدرتهم على السداد". عشية الحرب، كانت هناك زيادة بنسبة 26% في متأخرات الرهن العقاري، إلى جانب 23% في القروض الأخرى بالإضافة إلى عمليات السحب المكثفة من صناديق الادخار العامة، ومعاشات التقاعد والمدخرات.
ووفقاً لتقديرات المطورين الإسرائيليين، فقد تقلص نشاط البناء بنسبة تراوح ما بين 80 و90 في المائة. وتحت عنوان "ضربات اقتصادية يصعب التعافي منها"، يشرح "ذا ماركر" أن مسؤولين في الصناعة، وعلى رأسهم جمعية المقاولين، يحذرون من الانخفاض المتوقع في المعروض من الشقق حتى بعد الحرب.
ويتوقع أن تغلق العديد من الشركات أبوابها، ويتلقى العاملون لحسابهم الخاص والموظفون ضربات مالية سيكون من الصعب التعافي منها.
عواقب على المصارف
قالت وكالة "ستاندرد أند بورز"، مطلع الشهر الحالي، إنها عدلت نظرتها المستقبلية من مستقرة إلى سلبية لبنوك "لئومي"، و"هبوعليم"، و"مزراحي تفاهوت"، و"ديسكونت الإسرائيلي".
ورأت الوكالة أن "تطور الصراع ومدته وتأثيراته على الاقتصاد الإسرائيلي، وثقة قطاع الأعمال، قد تكون لها عواقب سلبية على القطاع المصرفي". وأضافت: "لقد قمنا بتغيير نظرتنا المستقبلية لبنكي "هبوعليم بي.إم." و"لئومي لإسرائيل بي.إم." إلى سلبي من مستقر، وأكدنا التصنيف الائتماني للمُصدر على المدى الطويل والقصير عند (A/A-1)، كما قمنا بتثبيت جميع تصنيفات الإصدار على ديون البنوك".
وتعكس إجراءات وكالة التصنيف وجهة نظر مفادها أن النظام المصرفي في دولة الاحتلال قد يواجه أخطاراً أعلى وسط تصاعد الأخطار الجيوسياسية.
ومن المتوقع أن تضر الحرب بأنشطة البنوك. ويتمثل الخطر الرئيسي في زيادة صعوبة سداد القروض من جانب الشركات والأسر، خاصة في قطاع العقارات. وهو ما دفع وكالة التصنيف الإسرائيلية "ميدروج" إلى الاستشهاد بهذه المخاطر في تقييم وضع البنوك في هذه الفترة.
تراجع الاحتياطي النقدي
قال بنك إسرائيل المركزي، أمس الثلاثاء، إنه باع 8.2 مليارات دولار من النقد الأجنبي في أكتوبر، مما أدى إلى تراجع الاحتياطي إلى 191.235 مليار دولار، من 198.553 مليار دولار في سبتمبر، بتراجع بلغ 7.318 مليارات دولار.
وبتاريخ 9 أكتوبر الماضي، أعلن بنك إسرائيل (المركزي) ضخّ ما يصل إلى 45 مليار دولار في محاولة لتحقيق استقرار في سعر صرف الشيكل، لكن أرقام أسعار الصرف تظهر إخفاق خطة البنك. وهذه هي المرة الأولى على الإطلاق التي يبيع فيها النقد الأجنبي.
انكماش الاقتصاد
ذكر آخر تقرير لبنك جي بي مورغان، أنّ الاقتصاد الإسرائيلي قد ينكمش بنسبة 11% على أساس سنوي، في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الجاري، مع تصاعد الحرب على قطاع غزة. وكانت آخر مرة سجلت فيها إسرائيل هذا الانكماش خلال عام 2020، مع إغلاق الاقتصاد بسبب تفشي جائحة كورونا.
وأظهرت تقديرات إسرائيلية أولية، أنّ الحرب على غزة ستكلف ميزانية الدولة 200 مليار شيكل (51 مليار دولار). وقال اقتصاديون إسرائيليون إن إسرائيل تواجه ركوداً اقتصادياً كبيراً بسبب الحرب ضد قطاع غزة.
في هذا الشأن، قال الرئيس التنفيذي لصناديق الاستثمار في تل أبيب إيال غورين، لـنشرة "غلوبس" المالية الإسرائيلية، "إن الحرب التي اندلعت كانت بمثابة البجعة السوداء التي جلبت قدراً كبيراً من عدم اليقين والخوف والقلق في كل جانب من جوانب حياة الناس. وقد تسرب هذا من الحياة الشخصية إلى المحافظ الاستثمارية".
من جانبها، أشار موقع "ذا ماركر" إلى أن "إسرائيل دخلت الحرب وهي في حالة ركود، والتجارة حالياً صفر".
وأشارت إلى تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لضربة خطيرة على يد عملية "طوفان الأقصى"، حيث خسر 3 مليارات دولار كتعويضات في اليوم الأول للحرب وحده، وهي حالة يقول بعض الاقتصاديين إنها أسوأ مما كانت عليه خلال حرب إسرائيل مع حزب الله في العام 2006.
وفي تحليل للتداعيات الاقتصادية للحرب، قالت صحيفة "هآرتس" اليومية إن الاقتصاد سيتضرر بشدة، إذ ستجف السياحة، وسيصاب النشاط الاقتصادي في الجنوب بالشلل، وسيزداد الإنفاق الدفاعي، وسيتعطل العمال، ويغيبون عن وظائفهم لأنهم في الاحتياط.
وكان الاقتصاد الإسرائيلي في حالة تعثر بالفعل، بسبب الصراعات السياسية التي أدخل بنيامين نتنياهو حكومته فيها على خلفية إقراره قانونًا يتغول فيه على صلاحيات المحكمة العليا، ما جعله غير مستعد على الإطلاق للحرب التي بدأها بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري.
وقف حقل تمار
وفي بداية الحرب، أمرت إسرائيل شركة شيفرون بوقف الإنتاج في حقل تمار للغاز الطبيعي لتقليل التعرض للصواريخ المحتملة، وقدر خبير الطاقة أميت مور أنّ الإغلاق قد يكلف إسرائيل 200 مليون دولار شهرياً من الإيرادات المفقودة من حقل تمار. وينتج حقل تمار نحو 7.1 إلى 8.5 ملايين متر مكعب يومياً من الغاز الطبيعي، بحسب موقع شيفرون عبر الإنترنت.
وتمار كما غيره من الحقول الذي نهبتها إسرائيل، يقع على بعد 24 كيلومتراً غرب عسقلان، شمال قطاع غزة، وفي حين يقطع الاحتلال الكهرباء عن القطاع، فإن تمار يوفر 70% من احتياجات استهلاك الطاقة في إسرائيل لتوليد الكهرباء.
وتخطط هيئة الكهرباء الإسرائيلية لتخصيص الدخل الفائض من بيع محطة كهرباء أشكول لتغطية النفقات الإضافية بسبب العدوان على غزة، وفق تقرير نشره موقع "ذا ماركر" الإسرائيلي. وأفادت شركة الكهرباء بعد أسبوع من بدء العدوان بأنها اضطرت إلى سحب مليار شيكل من احتياطها النقدي لتمويل الزيادة في تكلفة شراء الوقود بسبب إغلاق حقل تمار للغاز مع بدء عملية طوفان الأقصى.
وأعلن الشركاء في حقل تمار عدم ورود أي تحديث من وزارة الطاقة بشأن موعد استئناف الإنتاج من الحقل. بعد إغلاقه، اضطرت شركة الكهرباء إلى شراء الغاز بسعر أعلى من محطة ليفياثان بالإضافة إلى شراء كميات زائدة من الديزل والفحم جزئيًا لتلبية الاحتياجات الطارئة لقطاع الكهرباء، بما في ذلك منتجو الكهرباء من القطاع الخاص.
علاوة على ذلك، تقوم شركة الكهرباء حالياً بتمويل من مصادرها الخاصة بترميم البنى التحتية الكهربائية التي تضررت بسبب الحرب، بحسب الموقع الإسرائيلي.
هبوط الشيكل
وخلال الشهر الماضي، تراجع سعر صرف الشيكل الإسرائيلي أمام الدولار إلى أدنى مستوى له منذ عام 2012 إلى 4.08 شيكلات، قبل أن يرتد صعوداً في تعاملات الشهر الجاري إلى متوسط 3.94 شيكلات.
وفي 29 أكتوبر، تم تصنيف الشيكل الإسرائيلي العملة الأسوأ أداء بين العملات العالمية هذا العام بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، والتعديلات القضائية التي نفذتها حكومة بنيامين نتنياهو، وفق ما أوردته وكالة بلومبيرغ الأميركية.
وذكرت "بلومبيرغ"، في تقرير لها، أنّ الشيكل الإسرائيلي خسر 14% من قيمته مقابل الدولار، خلال العام الجاري، وبات يعد العملة الأسوأ أداءً بين العملات؛ بسبب هروب المستثمرين من الأصول الإسرائيلية.
ومنذ عملية "طوفان الأقصى"، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، واجهت العملة الإسرائيلية خسائر متواصلة وهجمات بيع مكثفة للسندات، بينما واصل الدولار الأميركي ارتفاعه مقابل الشيكل على الرغم من تدخل البنك المركزي لإنقاذه من الانهيار.
عجز الموازنة
وقدر البنك المركزي، الشهر الماضي، أن عجز الموازنة سيبلغ 2.3% من الناتج الإجمالي المحلي في 2023 و3.5% في 2024، مقابل تحقيق فائض 2022 في حال بقاء الصراع مقصوراً على قطاع غزة، ولم يمتد لجبهات أخرى.
وشرحت "ذا إيكونوميست" في تقرير لها أن إنقاذ الشركات ودفع رواتب جنود الاحتياط وإيواء سكان قرى بأكملها في الفنادق سيكون لها أثرها. وبحسب التقرير، سوف يتطلب الأمر زيادة هائلة في الإنفاق الدفاعي من أجل تمويل الغزو البري على قطاع غزة.
وحتى قبل عملية طوفان الأقصى، تراجعت إيرادات الحكومة بنسبة 8% في سبتمبر/أيلول الماضي، والآن ترتفع تكلفة الاقتراض وتنهار القاعدة الضريبية. وبذلك، فإنّ حرباً أطول أمداً ستعني المزيد من الدمار، ولن تكون عملية إعادة الإعمار رخيصة الثمن بدورها.
تتوقع وكالة التصنيف الائتماني موديز أن يتسع العجز المالي في الميزانية الإسرائيلية إلى 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الجاري، 2023، وإلى 7.8% في العام المقبل، 2024. كما تتوقع الوكالة في تقريرها، الذي نشرت "غلوبس" الإسرائيلية مقتطفات منه، أن يقفز التضخم إلى 6.8% في إسرائيل في عام 2024 مع نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.4% فقط.
ووفقاً لـ "ذا ماركر" من المتوقع أن ينمو الإنفاق الحربي بشكل حاد، على الأقل في السنوات المقبلة، مما يعني أنه بدون زيادات ضريبية، من المتوقع أن يقفز العجز، أو أن الإنفاق على التعليم، والصحة، والرعاية الاجتماعية، والبناء، والبنية الأساسية من المتوقع أن ينخفض، وهو ما من شأنه أن يلقي بظلاله على النمو الاقتصادي.
تراجع السياحة
أظهر تقرير لموقع "Secret Flights" المتتبع لرحلات الطيران في مطلع الشهر الحالي أن تراجعاً طرأ على رحلات الطيران من مطار بن غوريون الدولي وإليه، بنسبة 80% كمتوسط منذ اندلاع الحرب.
كما تراجعت حركة السياحة في إسرائيل خلال أكتوبر، بنسبة 76% على أساس سنوي، بسبب اندلاع الحرب على قطاع غزة، وإلغاء غالبية رحلات الطيران من تل أبيب وإليها.
جاء ذلك، بحسب تقرير شهري صادر عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي في بيان في 28 أكتوبر، قال فيه إن 89.7 ألف سائح زاروا إسرائيل خلال أكتوبر، معظمهم دخلوا إلى البلاد قبل اليوم السابع من ذات الشهر (قبل اندلاع عملية طوفان الأقصى)، وذلك مقابل 369 ألفا في الشهر نفسه من عام 2022.
هبوط البورصة
في الحرب الحالية على غزة، تراجع مؤشر Tase35 لبورصة تل أبيب بنسبة 15 بالمائة، فيما تراجعت أسهم بعض الشركات فيه بأكثر من 35 بالمائة، مقارنة مع إغلاق عشية الحرب.
وفقدت القيمة السوقية للبورصة 25 مليار دولار، قبل أن تقلص خسائرها في تعاملات الأسبوع الماضي، مع ظهور مؤشرات أولية إلى الخسائر المتوقعة للحرب. ومنذ بداية الحرب حتى نهاية جلسات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تراجعت أسهم أكبر خمسة بنوك مدرجة في بورصة تل أبيب بنسبة 20%، على أثر الحرب.
وواصل مستثمرون محليون وأجانب بيع أسهم لهم في الشركات الإسرائيلية المدرجة، بخاصة البنوك العاملة في السوق المحلية. ووفقا لتقرير "بلومبيرغ" في 30 اكتوبر، فإن الأسهم الإسرائيلية هي الأسوأ أداء في العالم منذ اندلاع القتال.
الهروب من الزراعة
الشهر الماضي، أوردت صحيفة غلوبس المختصة بالاقتصاد الإسرائيلي، تقريراً تحدثت فيه عن أهمية أراضي مستوطنات غلاف غزة بالنسبة للأمن الغذائي الزراعي للسوق الإسرائيلية. ونقلت الصحيفة عن رئيس اتحاد المزارعين الإسرائيليين عميت يفراح قوله إن 75% من الخضروات المستهلكة في إسرائيل تأتي من غلاف غزة، فضلاً عن 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب.
وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية"، وهي تحتوي أيضاً مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.
كما تعرضت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في الشمال على الحدود مع لبنان إلى تعليق عمليات قطف المحاصيل بسبب التوترات الأمنية مع حزب الله اللبناني والفصائل اللبنانية والفلسطينية في جنوب لبنان.
ولم يأت حوالي 100 ألف عامل أجنبي إلى مواقع البناء والحقول الزراعية منذ اندلاع الحرب، وتم إغلاق أجزاء كبيرة من الاقتصاد.
خفض التصنيف الائتماني
خفّض بنك جي بي مورغان الأميركي أخيراً بشكل حاد توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في الربع الرابع، إلى 11 في المائة، مقارنة بالربع السابق، فيما كانت توقعاته السابقة تشير إلى انخفاض 1.5 في المائة فقط.
وسبق أن توقعت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز، انخفاضاً أكثر حدة في الناتج المحلي في الربع الرابع، بمعدل 18.5 في المائة، وهو انخفاض نادر في القوة، ذكّر الاحتلال بمرحلة الهبوط الاقتصادي خلال انتشار فيروس كورونا في عام 2020، حين كان الانكماش 28.7 في المائة، بحسب بيانات مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي.
خفّضت وكالة ستاندرد آند بورز نظرتها المستقبلية للاقتصاد الإسرائيلي من مستقرة إلى سلبية، وتوقعت الوكالة انكماش الاقتصاد الإسرائيلي بنسبة 5% في الربع الرابع من العام الجاري على أساس فصلي، ووضعت وكالة موديز لخدمات المستثمرين تصنيف ديون دولة الاحتلال قيد المراجعة لخفض التصنيف.
كما صنّفت وكالة "فيتش" البلاد تحت المراقبة السلبية. وقالت إن التصعيد الواسع النطاق، بالإضافة إلى الخسائر البشرية، يمكن أن يدفعا "إسرائيل" إلى إنفاق عسكري كبير وتدمير في البنية التحتية وتغيير مستدام في معنويات المستهلكين والاستثمار.
أزمة شركات التكنولوجيا
تعتقد شركة "ستارت أب نيشن" أن 70% من شركات التكنولوجيا في إسرائيل تكافح من أجل أداء وظيفتها. ويكمن الخطر في أنه عندما تنتهي الحرب، سيكون هناك عدد أقل من الوظائف التي يمكن للموظفين العودة إليها.
وحسب تقرير بصحيفة "كالكاليست" الإسرائيلية التي تُعنى بالتقنية، فإن صناعة التقنية الإسرائيلية ستواجه في المستقبل 4 مخاطر رئيسية، وهي خسارة القوى العاملة وارتفاع كلفة التمويل ومقاطعة منتجاتها عالمياً وهروب الاستثمارات.
وحسب تقرير حكومي إسرائيلي، فإن قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي شكّل عام 2022، نسبة 48.3% من إجمالي صادرات إسرائيل، بلغت قيمتها 71 مليار دولار. وعلى مدى العقد الماضي، تضاعفت صادرات إسرائيل من التكنولوجيا وكان النمو مدفوعًا في الغالب بالتوسع في خدمات البرمجيات، كما يوظف القطاع حوالي 14% من القوى العاملة في إسرائيل، وهو المسؤول عن توسع الطبقة الوسطى وزيادة القوة الشرائية في الاقتصاد.
ويقول التقرير أنه بالإضافة إلى الأضرار الكبيرة التي ستلحق بتطور شركات التقنية نتيجة الغياب الطويل لموظفيها، فإن القلق الأكبر هو في الشركات الكبيرة متعددة الجنسيات.
ويعمل حوالي ثلث قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي في 400 مركز بحث وتطوير لشركات أجنبية عملاقة مثل إنتل، ومايكروسوفت، وغوغل، ونفيديا، وأمازون، وميتا. وهذه الشركات ربما تخفض بنسبة كبيرة استثماراتها في إسرائيل وحتى ربما تفضل الهروب نهائياً من إسرائيل في حال طال أمد الحرب.
وعملياً، أبدى كبير العلماء في مركز الأبحاث والتطوير التابع لشركة مايكروسوفت إسرائيل، تومر سايمون، قلقه بشأن مستقبل قطاع التكنولوجيا الفائقة في دولة الاحتلال بسبب الحرب.
وحذر المسؤول، وفقاً لوكالة رويترز، من أنّ الشركات متعددة الجنسيات قد توقف أنشطة الأبحاث والتطوير في إسرائيل. وقال سايمون إنه عبر عن مخاوفه في رسالة إلى مستشار الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنجبي لكنه لم يتلق رداً.
وبعد اندلاع الحرب بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة منذ يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تم استدعاء نحو 15% من العاملين في القطاع إلى الخدمة العسكرية بعيدا عن مكاتبهم، وفق تقديرات جمعية "إس إن سي".
وحتى قبل اندلاع الحرب، كانت شركات التكنولوجيا الإسرائيلية تعاني من انخفاض حاد في الاستثمارات بنسبة تصل إلى 70%، الذي تفاقم بسبب التباطؤ الاقتصادي العالمي وأزمة الإصلاح القضائي في البلاد.
ومؤخراً، نقل موقع ذا تايمز أوف إسرائيل عن الرئيس التنفيذي لهيئة الابتكار الإسرائيلية درور بن، أن "التباطؤ في دورات جمع الأموال وتعبئة جنود الاحتياط للحرب يشكل تحدياً لعدد كبير من شركات التكنولوجيا المتقدمة". وحذّر بن من أنّ "شركات معرضة لخطر الإغلاق في الأشهر المقبلة".