ثنائية الدول النامية والمتقدمة، لازمة من لوازم إعداد وقراءة التقارير الصادرة عن المؤسسات الدولية، لكن اللغة التي تكتب بها التقارير يلاحظ عليها، أنها تخاطب الدول المتقدمة، وكأنها حمل وديع سوف يستجيب لنداءاتها وتوصيات تقاريرها، مما يجعل تلك التقارير توصف، بتقارير النوايا الحسنة.
وتتناسى هذه التقارير الأدوار شديدة السلبية التي تقوم بها الدول المتقدمة، من تعميق الفجوة بينها وبين الدول النامية، وأنها ما زالت تمارس نفس سياساتها الاستعمارية باستنزاف ثروات الدول النامية، ليس على صعيد المواد الأولية فحسب، بل الأخطر، وهو استنزاف العقول.
التقرير الأخير لمنظمة الأونكتاد عن "التجارة والتنمية لعام 2015" يتناول قضية التمويل، وكيف أنها لا تتسم بالعدالة، وأنه يجب أن يعاد هيكلة الجانب التمويلي ليصب لصالح التنمية في الدول النامية.
كما يذكر التقرير أن العالم يفتقد إلى وجود نظام مالي ونقدي عادل، يعمل بصورة جيدة، وقادر على تنظيم السيولة العالمية بشكل ملائم.
إن ما ذكره التقرير، أقرت به اجتماعات مجموعة العشرين عقب الأزمة المالية العالمية في عام 2008، أي منذ قرابة 8 أعوام، وطالبت هذه الاجتماعات بضرورة تعديل نُظم عمل صندوق النقد الدولي من أجل الوصول لنظام عالمي عادل على الصعيد النقدي والمالي.
ولكن شيء من هذا لم يحدث، فالدول المتقدمة كانت شديدة التركيز في التخلص من أزمتها المالية والاقتصادية، بينما الدول النامية، ظلت على ما هي عليه منذ عقود، تعمل في جزر منعزلة، ولا تجمعها روابط تحقق مصالحها المشتركة.
وفي الوقت الذي يؤكد فيها التقرير على أن حركة السيولة المالية كانت في صالح الدول المتقدمة، على حساب التنمية في الدول النامية، وأن ذلك يتم عبر البنوك الكبرى أو الوسطاء الماليين، الذين تجاوزت أحجامهم أي دور للمؤسسات الوطنية أو متعددة الأطراف، لم يذكر التقرير حالة الاحتكار التي تتمتع بها الدول المتقدمة في إدارة المؤسسات المالية الكبرى، سواء كانت بنوكا تجارية، أو منظمات دولية.
وتكتفي الدول النامية بتطبيق توصيات المؤسسات المالية الدولية من أجل الحصول على بعض القروض، التي تكلفها الكثير على الصعيد التنموي، وتخلق مشكلات اقتصادية واجتماعية عديدة.
فيما لم تخرج تقارير المؤسسات الدولية، بتوصيات ملزمة للدول المتقدمة من ناحية، لتفي تلك الدول بتعهداتها المستحقة تجاه الدول النامية، ومن ناحية أخرى إلزام الدول النامية بخطط حقيقية للتنمية، تعتمد على وجود نظم ديمقراطية، فلن يكون لهذه التقارير قيمة تذكر، سوى تضمينها لبعض الأرقام والإحصاءات التي يعتني بها الباحثون لرصد تطورات المشكلات والقضايا الاقتصادية.
اقرأ أيضاً: الإصلاحات الاقتصادية في تونس لا تبدو في طريق معبدة