شكك خبراء في مجال النفط في مصداقية التقارير التي ظهرت أمس؛ والتي تؤكد عزم السعودية البدء في تخفيض إنتاجها من النفط مع مطلع شهر سبتمبر/أيلول المقبل، مشددين على أنه من غير المرجح أن تتخذ السعودية هذه الخطوة من جانب واحد، خاصة أن الرياض طوال السنوات الأربعين الماضية لم تقم بمثل هذه الخطوة، وكان كل تخفيض تقوم به متسق مع قرارات منظمة أوبك.
وفي الإطار ذاته قلل الخبراء من تأثير أي خفض في الإنتاج من قبل السعودية، خاصة في حدود الـ300 ألف برميل التي سرت الإشاعات حولها، مؤكدين أن هذه الكمية أقل من أن تحدث أي تأثير في السوق المتراجعة بلا سبب منطقي.
وتتفق آراء الخبراء مع عدة تأكيدات سابقة لوزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي، الذي أكد غير مرة أن بلاده لا تنوي خفض إنتاجها من النفط لأسباب تتعلق بالحفاظ على زبائنها في السوق، وأنها لا تنوي تكرار ما حدث في الثمانينيات عندما خفضت الإنتاج، فخسرت زبائنها واستمرت الأسعار في الانخفاض.
وأكد مصدر داخل وزارة البترول السعودية لـ "العربي الجديد"، أنه لم يطلع حتى الآن على أي خطط لحفظ الإنتاج المصدر للخارج، مشدداً على أن خططهم مستمرة على ما هي عليه، وقال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لعدم التصريح له بالحديث للإعلام : "نحن نسير وفق الخطط السابقة ولم يبلغنا أي تعديل، والحصص المخصصة للتصدر الخارجي كما هي حتى نهاية 2015، ولو كان هناك خفض متوقع فقد يكون في الحصص المخصصة للإنتاج المحلي الذي يستهلك الكثير من النفط".
وكانت السعودية رفعت إنتاجها خلال الأشهر الماضية لسقف قياسي بلغ 10.6 ملايين برميل من النفط يومياً، قبل أن تستقر عند مستوى 10.3 ملايين برميل من النفط يومياً، غير أن الكمية المخصصة للتصدير تراجعت من 7.737 ملايين برميل يوميا في أبريل/نيسان، إلى 6.935 ملايين برميل يومياً، على الرغم من وصول الإنتاج لأرقام قياسية، وتنتج السعودية نحو 10% من الإنتاج العالمي الذي يصل لنحو 95 مليون برميل يومياً، فيما يستقر الطلب عند نحو 94 مليون برميل يومياً.
وكان الأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) عبد الله البدري أكد لوزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، يوم الخميس إن أسعار النفط ستتعافى، لكن من السابق لأوانه تحديد وقت هذا التعافي، وقال البدري: "الوضع الحالي اختبار لجميع المنتجين والمستثمرين.
وفي حين أن الأسعار ستتعافى بلا شك، فلا يزال من السابق لأوانه قول متى سيحدث ذلك"، وتوقع البدري أن يكون عام 2016 هو بداية الاستقرار في سوق النفط في الأمد الطويل.
وفي المقابل أبلغ وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، البدري أن روسيا والمنظمة تسعيان وراء نفس الهدف؛ وهو الحفاظ على سوق النفط متوازنة ومستقرة، وقال سوق النفط العالمية تتأثر بعوامل سياسية شتى.
اقرأ أيضاً: تفاقم أزمة حقول النفط المشتركة بين السعودية والكويت
وبصفة خاصة، فإن الاتفاق بشأن إيران، وما يترتب عليه، سيؤثر على السوق"، وطالب وزيرة الطاقة الروسي "أوبك" بالتعاون مع روسيا بهدف: "رسم سياستهم بناء على الفهم التام للعوامل والصفات الأساسية للسوق".
تقارير غير مؤكدة
يؤكد نائب رئيس شركة أرامكو السعودية لشؤون الإنتاج سابقاً، عثمان الخويطر، أن لا أحد من صناع القرار النفطي السعودي تحدث عن خفض متوقع للإنتاج، وأن التقارير التي ظهرت بهذا الخطوط لا تعدو عن كونها مجرد تخمينات لم تعتمد على تأكيدات رسمية، ويقول لـ "العربي الجديد": "لا أعتقد أن السعودية تعتزم خفض إنتاجها من النفط، فلم يصدر أي تصريح بهذا الخصوص، خاصة أن السعودية طوال تاريخها في إنتاج النفط لم تقم أبداً بخفض في الإنتاج من طرف واحد، وحتى لو اتخذت مثل هذا القرار لأي سبب فهي لا تعلن عنه".
وشكك الخويطر من تأثير أي خفض في الإنتاج حتى ولو تم على أسعار النفط، مشددا على أن الهبوط الحاد الذي تعاني منه أسواق النفط غير مبرر ولا يقوم على أسس اقتصادية واضحة، مستبعدا الربط بين الأخبار عن خفض الإنتاج وتوقيع إيران للاتفاق النووي مع الدول 5+1، أو بين زيارة ولي ولي العهد وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان لروسيا قبل نحو شهر.
ويضيف: "لا يوجد أساس لهذا الربط، ولكن لا يوجد أيضا سبب لانخفاض الأسعار بهذا الشكل الذي لامس 50% من الأسعار، صحيح أن هناك تخمة في العرض وزيادة على الطلب، ولكن هذا لا يبرر هذا الانخفاض الشديد"، مشدداً على أن هناك أسبابا غير معلنة لهذا الانخفاض بعيداً عن زيادة العرض، مؤكدا أن: "السعودية كانت ترفض طوال الأشهر الماضية خفض إنتاجها، بحجة الحفاظ على الأسواق، وفي تصوري هذه حجة غير منطقة ولا أساس لها"، ويتابع: "هناك أسباب كثيرة لرفض السعودية لخفض الإنتاج، عدا الحفاظ على الأسواق".
تحرك أُحادي الاتجاه
في الاتجاه ذاته يؤكد الخبير النفطي الدكتور فهد الحارث، أن الأخبار التي تتحدث عن خفض محتمل للإنتاج السعودي من النفط غير دقيقة، ولم تحدد هل سيتأثر قطاع التصدير أن تم الخفض، مستبعداً أن يكون لأي خفض متوقع تأثير حقيقي على الأسعار.
ويقول لـ "العربي الجديد": "تاريخياً السعودية لا تقوم بخطوات أحادية في نطاق خفض الإنتاج لأنها حريصة على ثبات زبائنها. سيكون من الصعب استعادتهم إن هم اتجهوا لمنتجين آخرين"، مشدداً على أن خفض الإنتاج حتى 500 ألف برميل لن يحقق التوازن بين العرض والطلب.
ويضيف :"يزيد الفائض عن 1.5 مليون برميل يومياً، كما أن عودة إيران للإنتاج ستضاعف هذا الفائض، ولن يكون أي اتجاه أُحادي من السعودية وحتى روسيا مؤثراً، لا بد أن يكون تحركاً تحت مظلة أوبك، لأن هبوط الأسعار تجاوز كل التوقعات الزمنية له، وبات يهدد موازنات الدول المنتجة للعام 2016 أيضاً".
وكانت وكالة الطاقة الدولية قالت قبل أسابيع، إن الطلب العالمي على النفط سيقفز أكثر بكثير من المتوقع هذا العام، في علامة جديدة على أن هبوط أسعار الخام يساهم في زيادة استهلاك الوقود.
وقال التقرير: "تراجع أسعار النفط وانخفاض الإنفاق الرأسمالي يستغرق وقتا للحد من إمدادات المعروض من خارج أوبك". وأضاف "رغم ظهور علامات على تباطؤ المعروض من خارج أوبك، وخصوصا في الولايات المتحدة يظل نمو الإنتاج العالمي مرتفعا كثيرا".
اقرأ أيضاً: مخزونات النفط السعودي في أعلى مستوياتها خلال 3 سنوات