يعبر الرسم عن جو اليأس والغضب بين المصريين الذين يعانون في ظل زيادة الضرائب وارتفاع أسعار الغذاء وخفض الدعم الحكومي. ويخشى البعض تكرار الاحتجاجات العارمة التي أطاحت برئيسين سابقين على السيسي من السلطة.
فالتضخم الأساسي عند أعلى مستوياته في سبع سنوات قرب 14 بالمائة مع تضرر البلد الذي يستورد شتى احتياجاته من السكر إلى السيارات الفاخرة، جراء نقص العملة الصعبة وزيادة الرسوم الجمركية.
ورفعت الحكومة أسعار الكهرباء بين 25 و40 بالمائة في أغسطس/ آب الماضي وتطبق تدريجيا ضريبة قيمة مضافة عند 13 بالمائة أقرها البرلمان في ذات الشهر.
ومن المتوقع أيضا في إطار الإجراءات، الرامية إلى الحصول على قرض قيمته 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي تحتاجه مصر بشدة لسد عجز الميزانية المتفاقم، أن تقلص الحكومة دعم الوقود وأن تخفض قيمة الجنيه المصري مما سيقود إلى دورة تضخم جديدة في مصر، التي يعتمد عشرات الملايين من سكانها على الخبز المدعم حكوميا.
ويقول جمال درويش الموظف الحكومي وهو يقف في صف لشراء السكر بالقاهرة: "الأسعار تزيد يوميا لا شهريا.. الوضع سيدفع الناس إلى أشياء سيئة، وقد يخرج عن السيطرة ولن تستطيع الحكومة احتواءه لأنه إذا كان الأشد فقرا عاجزا عن شراء ما يكفيه من الطعام فسيلجأ إلى السرقة. إذا كان عندك أطفال تطعمهم، فماذا تفعل؟"
وتحاول الحكومة كسب التأييد الشعبي لإجراءات التقشف عن طريق حملة لافتات إعلانية بالشوارع وفي وسائل الإعلام، وسعت إلى التوسع في برامج الضمان الاجتماعي لحماية الأشد فقرا من تداعيات ارتفاع الأسعار.
لكن مصريين كثيرين لا تشملهم تلك البرامج يشكون من أن اللحوم لم تعد في المتناول، بينما يثير نقص السكر المخاوف من أزمة غذاء وشيكة.
وكانت العدالة الاجتماعية أحد المطالب الرئيسية للمحتجين في ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت بحكم حسني مبارك بعد 30 عاما في السلطة.
وفي 2013 عاد المصريون إلى الشوارع للاحتجاج على حكم د. محمد مرسي، الذي انتخب انتخابا ديمقراطيا عقب الثورة، لكن العام الذي قضاه في الحكم شهد انقطاعات في الكهرباء ونقصا في البنزين وقلاقل اقتصادية.
وبعد ثلاث سنوات من إطاحة السيسي، الذي كان قائدا للجيش، مرسي وتسلمه السلطة فإن تعهداته باستعادة الاستقرار تتبخر.
ففي حي السيدة زينب الذي تقطنه الطبقة العاملة أحدث وصول السكر في شاحنة حكومية يوم الثلاثاء جلبة، إذ تدافع الناس رافعين ورقة العشرة جنيهات للحصول على كيلوغرامين لكل منهم.
وقال عبد الحسيب أحمد محمد، موظف المحكمة وهو يراقب حشد السكر: "بعد ثورتين.. الشعب المصري يرجع إلى الخلف بدلا من أن يتقدم إلى الأمام.. نحن نتجه إلى انفجار وهذه المرة لن يكون سلميا."
لا أجوبة سهلة
بالنسبة للحكومة فإن مبررات الإصلاح الاقتصادي والحاجة لإبرام برنامج إقراض مزمع، مدته ثلاث سنوات مع صندوق النقد الدولي، واضحة.
فمن المرجح أن ينمو الاقتصاد المصري 3.5 % في السنة المالية 2016-2017 بحسب استطلاع أجرته رويترز يوم الخميس، بينما يبلغ الهدف الحكومي 5% وكان معدل النمو في العام الماضي أعلى من ذلك.
عجز الميزانية يقترب من 10% من الناتج القومي. نقص العملة الصعبة زاد صعوبة الاستيراد بالنسبة للشركات، وصعوبة تحويل الأرباح للخارج بالنسبة للمستثمرين الأجانب. البعض أوقف النشاط بعد عامين تقريبا من القيود المفروضة على حركة رؤوس الأموال والواردات.
لقد دفع تقنين الدولار في البنوك رجال الأعمال صوب السوق السوداء، حيث يباع الدولار الآن بأكثر من 15.5 جنيهاً مقارنة مع سعر رسمي لا يزيد على حوالى 8.8 جنيهات.
ولم يحصل برنامج صندوق النقد لمصر بعد على الموافقة النهائية من الصندوق، لأنه يجب أن تجمع الحكومة أولا ستة مليارات دولار تمويلا ثنائيا بما يتيح لها هامش السيولة الضروري لخفض قيمة العملة، والتخلي عن سعر الصرف الثابت.
ويقول صندوق النقد إنه يساعد مصر في تدبير الأموال الضرورية.
وكانت الحكومة قد قالت الأسبوع الماضي إنها جمعت 60 بالمائة من التمويل الثنائي مما رفع الاحتياطيات الأجنبية إلى 19.6 مليار دولار في سبتمبر/ أيلول.
ويقول طارق عامر، محافظ البنك المركزي، إنه سيدرس تعويم الجنيه عندما تصل الاحتياطيات إلى 25 مليار دولار.
لكن ارتفاع الأسعار والنقص المتكرر في المواد الغذائية المدعمة أجبرا الحكومة على زيادة مشترياتها، مما يستنفد سريعا تلك السيولة الدولارية الجديدة، في وقت تهدف فيه إلى خفض الإنفاق.
وقد واصل الجنيه تراجعه في السوق السوداء منذ إعلان اتفاق صندوق النقد في أغسطس/ آب، وهو ما ينطوي على تحدٍّ كبير أيضا.
ويقول الاقتصاديون إنه إذا قام البنك المركزي بتعديل طفيف لسعر الصرف، فإن الضغط سيتصاعد على الجنيه. لكن إذا قام بتعديل في حدود ستة إلى ثمانية جنيهات، فقد يدفع باتجاه انفجار سياسي واجتماعي.
وفي حين أن أثر سعر السوق السوداء قائم في معظم أنحاء القطاع الخاص، فإن خفضا حادا لقيمة العملة سيكون عالي التكلفة للحكومة التي تستورد آلاف الأطنان شهريا من السلع الضرورية مثل القمح والزيت لبرنامج دعم الغذاء وشراء الغاز المستخدم في تشغيل محطات الكهرباء.
وتنتشر شائعات بأن 11 نوفمبر/ تشرين الثاني سيكون يوما للاحتجاج على الأوضاع الاقتصادية. واحتجزت الشرطة بالفعل نحو 70 شخصا بدعوى التحريض على الاحتجاجات متهمة الكثيرين من أنصار الإخوان المسلمين.
وقال أنجوس بلير، مدير العمليات ببنك الاستثمار في القاهرة: "تضخم أسعار الغذاء في مصر... تراجع قليلا عنه قبل عام في سبتمبر/أيلول، لكن بالنسبة للفقراء أرى أنه ما زال عند مستوى ضار سياسيا.. إنه مبعث قلق وبخاصة مع دعوات التظاهر في 11 نوفمبر/تشرين الثاني."
بلا رؤية
يحاول السيسي في خطبه إقناع المصريين بضرورة تقديم تضحيات مشتركة لحماية البلد من الخراب المالي، ووصل الأمر إلى حد حث الناس على التبرع بالفكة في تصريحات كانت مثار سخرية على الإنترنت.
لكن الرجل الذي سحق الإخوان وسجن المعارضين العلمانيين، حذر أيضا من أن الجيش قد ينتشر خلال ست ساعات في حالة حدوث اضطرابات عامة.
ولا توجد بوادر حتى الآن على احتجاجات عارمة مثل التي شهدها 2011 أو 2013 لكن الغضب من زيادة تكاليف الإسكان الاجتماعي تحول إلى مظاهرة، شارك فيها المئات بمدينة بورسعيد الواقعة عند مدخل قناة السويس ذات الأهمية الاستراتيجية، الأسبوع الماضي.
ولا يقتصر الخوف من المستقبل على فقراء المصريين، فرجال الأعمال، الذين يكابدون الأمرين يوميا في ظل أزمة الدولار، تساورهم مخاوف أيضا.
يقول أشرف مرقص، الذي يدير شركة استيراد وتصدير: "أزمة الدولار سيئة لدرجة أن البضائع تتراكم في الميناء منذ فترة طويلة ولا يمكن إخراجها. الدولار غير موجود... والوضع يتدهور."
ويضيف:"هذه الحكومة بلا رؤية ولا توجد شفافية في سياساتها.. ما يحتاجه البلد الآن ليس التصريحات. الناس بحاجة إلى الضروريات الأساسية.. إلى الأكل والشرب."
وبعض السياسات الجديدة تبدو متناقضة مع مسعى الإصلاح الحكومي. فعلى سبيل المثال قال وزير التموين، الأسبوع الماضي، إن الدولة ستزيد الدعم على البطاقات الذكية بدلا من أن تخفضه، مما سيعطي المصريين نقاطا أكثر لشراء الخبز وغيره.
(رويترز)