عاد الصراع في اليمن من جديد للسيطرة على المصرف المركزي والمؤسسات المالية، لتواجه "الهدنة الاقتصادية" بين الحكومة الشرعية من جانب ومليشيا الحوثيين المتحالفة مع قوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح من جانب آخر خطر الانهيار.
وتتبادل الأطراف المتصارعة في اليمن الاتهامات حول انهيار العملة المحلية، واستنزاف احتياطي النقد الأجنبي للبلاد على مدار نحو عامين.
ولوحت الحكومة اليمنية، بنقل المصرف المركزي من العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، إلى العاصمة المؤقتة في عدن جنوب البلاد، في ضوء اتهامات للحوثيين بنهب أموال المركزي.
وبحسب ياسين مكاوي، مستشار الرئيس اليمني في تصريحات صحافية يوم الجمعة فإن "دراسة نقل المصرف المركزي أصبح ضرورة لمنع الانهيار الاقتصادي".
واتهمت الحكومة اليمنية في الرابع من مايو/أيار الجاري، المصرف المركزي بالتواطؤ مع الحوثيين، من خلال الاستمرار في صرف 100 مليون دولار شهرياً للمجهود الحربي لمليشيا الحوثي والرئيس المخلوع، وقيامه كذلك بخفض سعر الريال مقابل الدولار بدون التشاور مع الحكومة.
وقالت مصادر حكومية في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، وممثلة الاتحاد الأوروبي باليمن، قاموا بالتدخل وإقناع الحكومة بأهمية بقاء المصرف المركزي في صنعاء، وتوقيع اتفاق مع الحوثيين ينص على "تحييد المركزي وعودة محافظه محمد بن همام لممارسة مهامه تحت سلطة الحكومة وبإشرافها".
وأضافت المصادر أن جوهر الاتفاق يتعلق بالتزام الطرفين بتحويل الإيرادات من مناطق سيطرة الحكومة والحوثيين إلى حساب الحكومة في المركزي بصنعاء، على أن يتولى بدوره صرف رواتب موظفي الدولة في جميع محافظات البلاد".
خرق حوثي
وقال مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن خطوة الحكومة نقل "المركزي" من صنعاء إلى عدن حيث مقر الحكومة، وجد معارضة شديدة من الدول الكبرى.
وأضاف نصر في تصريح لـ"العربي الجديد": "ليس هناك اتفاق رسمي بشأن تحييد المصرف المركزي، وما حدث هو استجابة من قبل الحكومة لنصائح وضغوط المؤسسات المالية الدولية والدول الكبرى، بعدم اتخاذ أي إجراءات أو قرارات من شأنها خلق مؤسسات مالية بديلة وعلى رأسها البنك المركزي".
ويبدو من اتهامات الحكومة تارة للحوثيين بخرق اتفاق حيادية المصرف المركزي، وتارة للمصرف نفسه بتمويل حروب الحوثيين، أنها فقدت السيطرة على المؤسسات المالية.
وقال رئيس الوزراء اليمني، أحمد بن دغر، في التاسع من أبريل/نيسان الماضي، إنه "تم الاتفاق على تحييد المصرف المركزي خلال الفترة الماضية، لكن الميليشيا الانقلابية لم تلتزم بهذا الأمر، بل على العكس قامت بممارسة العديد من الخروقات واستفادت منها مالياً لمحاربة الدولة".
والأربعاء الماضي، استخدم رئيس الوزراء اليمني مصطلح "الهدنة الاقتصادية"، وقال "لقد التزمنا، نحن في الحكومة، بهدنة اقتصادية كان قد اقترحها الأصدقاء منذ بداية الحرب". وأشار إلى أن نصوص الهدنة تؤكد على قيام الحكومة بتوريد الإيرادات إلى حساب الحكومة في المصرف المركزي بصنعاء ويتولى صرف الرواتب لجميع موظفي الدولة ومنها المناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة.
وأضاف: "قمنا بتوريد كامل الإيرادات العامة إلى المركزي من الضرائب والجمارك والرسوم ومن جميع المنافذ والمرافق التي تقع تحت سيطرة الشرعية، بما في ذلك إيرادات خارجية، شعورا منا بالمسؤولية الوطنية تجاه شعبنا، والتزاما بما تعهدنا به، محذرين وباستمرار من مخاطر السياسات الاقتصادية والمالية والنقدية المدمرة التي تبناها الحوثيون خلال الشهور الماضية".
وأشار إلى خرق الحوثيين للاتفاق من خلال إيقاف صرف مرتبات الضباط والجنود والموظفين في المناطق المحررة، بمن فيهم أعضاء في مجلس النواب والشورى، الذين رفضوا الانصياع والاستسلام لسلطة الانقلاب.
وتابع "الحوثيون منعوا وصول الموازنات التشغيلية للمستشفيات والمرافق العامة، ورفضوا معالجة الجرحى، وتعويض أسر الشهداء، في المناطق المحررة والمستعادة من سلطتهم، فكان ذلك إخلالا بما تم الاتفاق عليه".
ولم يصدر عن المصرف المركزي أي تعليق أو نفي لاتهامات الحكومة بتمويله الحرب الداخلية والاستمرار في دفع مرتبات مليشيا الحوثي المسلحة.
لكن مصدراً في المركزي فضل عدم ذكر اسمه، قال لـ"العربي الجديد"، إن المصرف يتمتع باستقلالية تامة، نافيا حدوث أية تدخلات في أعماله خلال الفترة الماضية. وأضاف المصدر: "لا يمكن للحوثيين التصرف في احتياطي النقد الأجنبي، وإنما تم استنزافه لتغطية التزامات البلد نحو الخارج من استيراد سلع أساسية، وكذلك تغطية الالتزامات نحو السفارات والملحقيات المبتعثين في الخارج، وتسديد التزامات القروض الخارجية التي تم الحصول عليها في فترات سابقة".
وقال إن "المعلومات السرية للمركزي لا تسمح لمندوب الحوثيين أو من لهم علاقة بهم بالاطلاع عليها إلا في حدود المسموح".
انهيار الاحتياطي
وكان احتياطي البلاد من النقد الأجنبي قد بلغ 4.5 مليارات دولار مطلع عام 2014، إلا أنه تراجع إلى 1.1 مليار دولار في ديسمبر/كانون الأول الماضي، فيما تتضمن الاحتياطات وديعة بقيمة مليار دولار قدمتها المملكة العربية السعودية لليمن في عام 2012.
ويسيطر الحوثيون على العاصمة اليمنية صنعاء وبالتالي على مؤسسات الدولة منذ اجتياحهم للمدينة في سبتمبر 2014.
وخرج محافظ المصرف المركزي، محمد بن همام، مساء الأربعاء الماضي، ببيان صحافي، تعليقا على الوضع الاقتصادي وتطورات انهيار الريال المتسارع، مشيرا إلى أن هناك جهود لتحييد أنشطة المصرف وكذلك المصارف التجارية والمؤسسات المالية، حيث أن المساس بذلك له تأثير مباشر على معيشة المواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود.
وأدت الحرب الدائرة في العديد من المناطق اليمنية، منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء ومناطق أخرى، إلى نتائج كارثية على الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد.
وكان مصدر مسؤول في المصرف المركزي، قال لـ"العربي الجديد" في عدده الصادر أمس السبت، إن المصرف يواصل طبع الأموال بدون غطاء، خاصة في ظل تردي الإيرادات وجفاف منابع العائدات أيضاً بالعملة الأجنبية، مشيراً إلى أن طباعة النقود هي السبيل الوحيد الآن لدفع المرتبات رغم مخاطر ذلك على رفع أسعار السلع في الأسواق.
وأضاف المصدر أن تداعيات إصدار عملة دون غطاء أهون من توقف صرف الرواتب. وكان تقرير صادر عن وزارة التخطيط لشهر مارس/آذار الماضي، قد ذكر أن "الإيرادات العامة تراجعت في عام 2015 بصورة غير مسبوقة، كما تقلصت النفقات، بما في ذلك تعليق صرف الإعانات النقدية للفقراء، وتفاقم عجز الموازنة العامة وعبء المديونية الداخلية".
وقفز سعر الدولار في السوق السوداء، الأسبوع الماضي، من 300 ريال إلى نحو 325 ريالاً، في حين يبلغ السعر الرسمي الذي أقره المصرف المركزي نهاية شهر مارس/آذار الماضي نحو 250 ريالاً.
وكانت أسعار المواد الغذائية، قد ارتفعت بنسب تتراوح بين 20% و40 % عقب رفع سعر الدولار إلى 250 ريالاً مقابل 215 ريالاً.