باتت "ضريبة العقارات" المطبقة في اليمن، وسيلة جديدة لجماعة الحوثي المسلحة، لتحصيل الأموال بغرض تمويل حربها ضد الحكومة الشرعية، حيث قام مسلحون باقتحامات للمدارس الأهلية في العاصمة صنعاء، مطالبين بتحصيل الضريبة عليها، بينما لوح مديرو العديد من المدارس بالإغلاق، خاصة المستأجرين للمباني الذين ليس عليهم أداء الضريبة.
ويعاني الحوثيون من جفاف الموارد المالية، مما دفع أفراد الجماعة إلى فرض إتاوات على صغار التجار والمستثمرين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم. ويسيطر الحوثيون على صنعاء وبالتالي على مؤسسات الدولة منذ اجتياحهم للمدينة في سبتمبر/أيلول 2014.
وقالت فاطمة العولقي، رئيس جمعية المدارس الأهلية في مديرية السبعين بصنعاء، إن عسكريين ومسلحين اقتحموا عدداً من المدارس، منها مدارس "الأقصى" و"الخليل"، دون تكليف رسمي، وطالبوا بـ"ضريبة ريع العقار".
وأضافت العولقي، في بيان حصل "العربي الجديد" على نسخة منه، أن "ما يحدث يعد استمرارا لمسلسل التصعيد واتباع السياسات غير المحسوبة النتائج إزاء الاستثمارات في القطاع التربوي".
وتابعت: "استثماراتنا توشك على الانهيار ومن سيدفع الثمن هو قطاع كبير من طلابنا وطالباتنا والعاملين، الذين تدرك الدولة عجزها عن استيعابهم ووجوب التعامل بمسؤولية تجاه هذا القطاع الهام وإعانته بدلاً من استهدافه".
ولجأت جماعة الحوثي من خلال ما أسمتها اللجنة الثورية، إلى مصادرة موازنات المحافظات والوزارات والمؤسسات والجامعات في المناطق التي سيطرت عليها.
لكن اليمن بات يعاني أزمة مالية خانقة بسبب تردي الوضع الاقتصادي وتوقف تصدير النفط، ووصل إلى مرحلة العجز عن الوفاء بالتزاماته، كما تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي إلى 1.1 مليار دولار بنهاية العام الماضي 2015، مقابل 4.5 مليارات دولار مطلع عام 2014.
وذكر تقرير صادر عن وزارة التخطيط لشهر مارس/ آذار الماضي، أن الإيرادات العامة تراجعت في عام 2015 بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي دفع الحوثيين إلى البحث عن مصادر تمويل لحربهم ضد الحكومة.
وقال مصدر في جمعية المدارس الأهلية، إن الهيئة الإدارية للجمعية عقدت منتصف مايو/أيار الجاري، اجتماعاً لمتابعة المستجدات الخاصة بالاعتداءات المستمرة على المدارس الأهلية بحجة ضريبة العقارات.
وأضاف المصدر أنه تم طرح القضية على قيادة مكتب التربية في صنعاء، الذي أكد تضامنه الكامل مع المدارس الأهلية، وأنه لا قانونية للإجراءات التعسفية ضد المدارس، لكن لم يحدث أي تقدم في جانب وقف الاعتداءات.
وقال علي النمير، مدير عام مدارس غمدان، إن المدارس الأهلية تتعرض للخسائر، بسبب قرار حكومي غير مدروس العام الماضي فيما يخص خفض الرسوم، حيث خسرت المدارس الأهلية الملايين بدون وجه حق، بالإضافة إلى ظروف الحرب التي أدت إلى خسارة المدارس أكثر من نصف طلابها هذا العام.
وأشار إلى أن الكثير من الشركات الخاصة والأهلية جمدت نشاطها واستغنت عن كثير من موظفيها وظلت المدارس الأهلية صامدة ومصممة على البقاء.
وأعلنت النقابة العامة للمهن التعليمية، وقوفها المشروع والمشترك مع الجمعية الوطنية للتعليم الأهلي بخصوص الاعتداءات المتكررة على المدارس الأهلية بشكل عام.
وقال أحمد غالب، رئيس مصلحة الضرائب السابق، إن مطالبة المدارس الأهلية بضريبة العقارات غير قانونية، وإذا كانت المباني مستأجرة فالضريبة على المالك الأصلي للمباني الذي أجرها.
وأضاف غالب لـ "العربي الجديد"، " ربما تقوم مكاتب الضرائب بمعاملة المستأجرين باعتبارهم متضامنين، بمعنى أنه اذا تم النزول للمبنى ولم تجد المؤجر تقبض على المستأجر وإلزامه بدفع ضريبة العقار ثم خصم مبلغ الضريبة من الإيجار"، وهي تبلغ إيجار شهر بالعام بحسب قوانين الضرائب اليمنية .
وبجانب استنزاف الحوثيين الأموال العامة والاحتياطي النقدي للبلاد، وفق الحكومة الشرعية، لجأ الحوثيون إلى ابتزاز التجار واستقطاع مبالغ من رواتب الموظفين، لدعم ما يسمى المجهود الحربي.
واتهمت الحكومة اليمنية في الرابع من مايو/أيار الجاري، المصرف المركزي بالتواطؤ مع الحوثيين، من خلال الاستمرار في صرف 100 مليون دولار شهرياً للمجهود الحربي لمليشيا الحوثي وقوات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، وقيامهم كذلك بخفض سعر الريال مقابل الدولار بدون التشاور مع الحكومة.
وكثف الحوثيون حملاتهم، خلال مايو/أيار الجاري، على جميع المحلات التجارية ومكاتب الشركات في صنعاء، حيث يتم إجبارهم على التبرع للمجهود الحربي.
واضطر جميع التجار في "سوق المقالح" في العاصمة اليمنية، إلى إغلاق محالهم، احتجاجاً على ابتزاز مسلحي الحوثي وإجبارهم على دفع الأموال.
وكانت مصادر حكومية ومصرفية كشفت في تصريحات سابقة لـ"العربي الجديد"، أن وزارة المالية اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين تتجه إلى رفع ضريبة الدخل على رواتب موظفي الدولة بواقع الضعف، لتصبح 30%، بدلا من الـ 15% المعمول بها.
وأوضحت المصادر، أن القرار يأتي ضمن بدائل عدة اتخذتها السلطات المالية الموالية للحوثيين، بهدف التخفيف من الضائقة المالية وجفاف الموارد، ولضمان الاستمرار في دفع الرواتب بحدها الأدنى.
وأدت الحرب الدائرة في العديد من المناطق اليمنية، منذ استيلاء الحوثيين على صنعاء ومناطق أخرى، إلى نتائج كارثية على الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد.