وجدت طلبات المستثمرين الأجانب آذاناً صاغية لدى الحكومة الجزائرية، التي قررت التجاوب معهم، برفع شرط "الإذن المسبق" المفروض من قبل السلطات، وذلك ضمن قانون الاستثمار الجديد، إلا أن هذا الشرط لا يزال مفروضا على المستثمرين المحليين.
وترفض الحكومة، إلى الآن، مطالب المستثمرين المحليين الذين يطالبون بالمعاملة بالمثل مع نظرائهم الأجانب، من حيث التخلي عن شرط "الإذن المسبق"، فضلا عن أنها أضافت سلطات إدارية جديدة تعطي للإدارة صلاحية أكبر في قبول أو رفض طلبات الاستثمار المحلي.
ويقول شفيق النالوتي، وهو مستثمر ومالك لمصنع مشروبات غازية، لـ"العربي الجديد": إن الجزائر من بين الدول القليلة التي يحتاج فيه أي شخص يريد خلق ثروة وفرص عمل أن يطلب أولا إذنا مسبقا ينتظره عدة أشهر دون أن يكون متأكدا من الحصول عليه في النهاية.
وتُلزم الحكومة المستثمرين الذين يريدون إقامة أي مشروع، إبلاغ "المجلس الوطني للاستثمار"، في حالة ما إذا كان المشروع في القطاع الخاص، أما إذا كان المشروع بالشراكة مع القطاع العام، فيتوجب على المستثمرين إبلاغ "مجلس مساهمات الدولة".
وقد تم إنشاء المجلسين من أجل تسهيل عمليات الاستثمار وإزالة العقبات "البيروقراطية" وتحرير "المشاريع المجمدة" لأسباب سياسية، كون المجلسين يخضعان لقوة القانون ولصلاحيات رئيس الوزراء الذي يترأس "مجلس مساهمات الدولة"، إلا أنهما تحوّلا مع مرور السنوات إلى عقبة "إدارية " بالنسبة لرجال الأعمال.
فالملفات بدأت بالتراكم على طاولة المجلس الوطني للاستثمار ومجلس مساهمات الدولة، حسب الخبير الاقتصادي مبارك سراي، الذي أكد لـ"العربي الجديد" أن الكثير من المستثمرين فضلوا التخلي عن مشاريعهم، لأن تضييع الوقت يترتب عليه خسائر مالية بالنسبة لهم، فالمستثمر الذي يتحصل على الإذن المسبق بعد عامين من وضع ملف الاستثمار، عليه إعادة دراسة مشروعه وتحيينه مع المعطيات الاقتصادية والمالية التي تغيرت في فترة الانتظار.
ولفت سراي، إلى أن "قيمة الدينار تنهار مع مرور الوقت، وأسعار مدخلات الإنتاج ترتفع، وكذلك تكلفة اليد العاملة، وعليه يفضل الكثيرون التخلي عن مشاريعهم التي ظلت حبيسة أدراج المجلس الوطني للاستثمار".
ورغم دق منظمات أرباب العمل الجزائرية ناقوس الخطر من تعاظم مظاهر البيروقراطية في البلاد، إلا أن الحكومة تبقى ساكنة وترفض تحرير الاستثمار أمام القطاع الخاص، عكس الخطاب الرسمي المروج لدعم الاستثمارات التي تحفز نمو الناتج المحلي وتوفر فرص عمل في سياق تحرير الاقتصاد الجزائري من تبعية عائدات النفط لمواجهة الأزمة.
وفي السياق، ترى رئيسة الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية، سعيدة نغزى، أن مؤسسات الدولة مغلقة ولا تسمع إلا للأصوات القادمة من الأعلى، مطالبة بضرورة التوقف عما أسمته "العنصرية" و"الانتقائية"، في المعاملة بين المستثمرين الأجانب والجزائريين.
وأضافت أنه حتى بين المستثمرين المحليين أنفسهم، من يستفيد من التسهيلات لأنه مقرب من دائرة الحكم، وآخرون ينتظرون لسنوات من أجل أخذ "ورقة" يحررون بها مشاريعهم.
وتتساءل نغزى قائلة: "إلى متى تبقى المشاريع الاقتصادية حبيسة الإداريين والسياسيين؟".
ويفسر الخبير الاقتصادي جمال نور الدين تعنت الحكومة في تحرير الاقتصاد من قبضتها، بوجود أسباب سياسية محضة، فالسلطة في الجزائر "تريد التحكم في حجم الاستثمارات الخاصة، بسبب الرهانات السياسية، فهي تريد السيطرة على رجال الأعمال تحسبا لأي استحقاق محتمل، وللأسف الجزائر هي الخاسر الوحيد من هذه البيروقراطية الخانقة والمُضيعة للمال والوقت".
ويستشهد نور الدين بحالة رجل الأعمال الجزائري أسعد ربراب، الذي ظلت مشاريعه حبيسة الملفات ومجمدة بسبب تعنت الإدارة في منحه الضوء الأخضر، وذلك بعد رفضه دعم ترشح رئيس الجمهورية للفترة الرئاسية الثالثة والرابعة.
وحسب آخر الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، فإن 2580 مشروعا لم يتم إنجازها في السنوات الثلاث الأخيرة، بالإضافة إلى 593 مشروعا تم التخلي عنها في الفترة ذاتها.
وكان آخر تقرير عن مؤشر مناخ الأعمال في العالم "دوينغ بيزنس"، قد صنف الجزائر في المرتبة 164 من إجمالي 189 دولة من ناحية جاذبية الاستثمارات.