تُبدي دوائر صُنع القرار في تونس مخاوف كبيرة من انفلات فاتورة واردات المواد الكمالية التي تزيد من خلل الميزان التجاري مع العالم الخارجي، وسط انتقادات مهنيين بأن اتفاقات التجارة التي أبرمتها الدولة خلال السنوات الماضية تحفّز الاستيراد على حساب الإنتاج المحلي.
وشدد البنك المركزي التونسي في توصية أصدرها قبل أيام، على ضرورة "العودة سريعاً بالعجز التجاري إلى مستويات يمكن التحكم فيها'، معتبراً أن تفاقم العجز التجاري يمارس مزيداً من الضغوط على معدل صرف الدينار مقابل العملات الرئيسية.
واقترح البنك المركزي التحكم في انفلات الواردات وخاصة السلع الاستهلاكية، بما يؤثر على مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة في ظل عجز للميزان التجاري بلغ 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي.
ويتهم خبراء الاقتصاد وزارة التجارة بالتوقيع على اتفاقيات تجارية دون النظر في جدواها الاقتصادية، وهو ما أدى إلى تدفق سلع مصنعة محليا يجري توريدها بالعملة الصعبة، فيما يعتبر آخرون تفاقم العجز التجاري نتيجة أساسية للتجارة الموازية التي تمر من الموانئ البحرية قادمة من الصين.
وأنهت تونس العام الماضي على عجز تجاري قدرت قيمته بنحو 12.62 مليار دينار (5.38 مليارات دولار)، مقابل عجز بنحو 12 مليار دينار في عام 2015، وفق نتائج التجارة الخارجية التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وسجلت نسبة تغطية الواردات بالصادرات شبه استقرار في حدود 69.8% العام الماضي، مقابل 69.9% في 2015، وتظهر البيانات أن تفاقم العجز التجاري يرجع بالأساس لخلل في ميزان المعاملات بين تونس وكل من الصين وتركيا وروسيا.
وتشير بيانات حكومية إلى أن العجز التجاري مع الصين يبلغ 3.84 مليارات دينار، في حين يقل الرقم مع بلدان أخرى على غرار تركيا إلى 1.48 مليار دينار.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المركزي التونسي رسمياً عن إدخال العملة الصينية (اليوان) ضمن سلة العملات الأجنبية المعتمدة لديه.
ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إنه من الطبيعي أن يصل الميزان التجاري في تونس مرحلة العجز الهيكلي، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تتخذ أي إجراء صارم للحد من تفاقم العجز في الوقت الذي كانت صادرات المواد النفطية والفوسفات في تراجع مستمر، فضلا عن تراجع صادرات زيت الزيتون التي عدلت في عام 2015 كفة العجز في الميزان الغذائي.
ويرى سعيدان في تصريح لـ "العربي الجديد"، أنه لا سبيل للحد من نزيف العجز دون قرارات صارمة تطبق لمدة زمنية محددة، على الأقل بإيقاف واردات المواد الكمالية بمختلف أشكالها وإعطاء الأولوية لواردات المواد الأساسية الموجهة للاستثمار، لافتا إلى أن الحكومة والبنك المركزي يملكان سلطة القرار لتحديد قائمة من المواد الممنوعة من التوريد.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن كل الدول التي تشكو من عجز هيكلي في الميزان التجاري وشح في احتياطي النقد الأجنبي تتخذ الإجراءات الوقائية حتى لا تترك الحبل على الغارب، حسب قوله.
ولا تتجه نية السلطات النقدية، وفق ما أكده الكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية في البنك المركزي، لطفي حشيشة، لـ "العربي الجديد" نحو تقييد الواردات، مشيرا إلى أن مقاربة المركزي في معالجة العجز الهيكلي للميزان التجاري تتمثل في دفع القطاعات المدرة للعملة الصعبة على غرار أنشطة قطاع المناجم والفوسفات ومشتقاته بنسق عادي.
ويرى كاتب عام لجنة التحاليل المالية أن قانون الطوارئ الاقتصادية الذي ينظر فيه البرلمان سيساعد على معالجة العجز على المدى المتوسط، سيما العجز الطاقي، عبر تسريع الاستثمارات في مجالات الاستكشاف والتطوير، باعتبار التراجع المستمر للإنتاج المحلي من المحروقات في السنوات الأخيرة هو ما ساهم بشكل ملموس في تدهور ميزان الطاقة الذي بات عجزه هيكليا نتيجة توقف تنفيذ برنامج الاستكشافات وعزوف شركات النفط عن الاستثمار في تونس.
ويؤكد المركزي التونسي في وثيقة توصياته على حتمية مراجعة خطة التنمية الحالية، كونها لا تولي اهتماماً بالنظام التصديري الذي تقهقرت مساهمته في القيمة المضافة وكذلك في الاحتياطي من العملة الصعبة.
ويرى البنك المركزي ضرورة التوجه نحو خيار تطهير مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمارات في قطاعات ذات قيمة عالية وتنويعها، وهو ما من شأنه أن يسمح بدفع صادرات السلع والخدمات.
وأبرز في ذات السياق، أهمية اعتماد إصلاحات كفيلة بحفز استثمارات الشركات المقيمة، ذلك أن صادراتها تعزز احتياطي البلاد من العملة الصعبة ومن ثمة تخفف الضغط على معدل صرف الدينار إزاء العملات الرئيسية. (الدولار الأميركي يساوي 2.344 دينار تونسي).
اقــرأ أيضاً
واقترح البنك المركزي التحكم في انفلات الواردات وخاصة السلع الاستهلاكية، بما يؤثر على مستوى الاحتياطي من العملة الصعبة في ظل عجز للميزان التجاري بلغ 8.9% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الماضي.
ويتهم خبراء الاقتصاد وزارة التجارة بالتوقيع على اتفاقيات تجارية دون النظر في جدواها الاقتصادية، وهو ما أدى إلى تدفق سلع مصنعة محليا يجري توريدها بالعملة الصعبة، فيما يعتبر آخرون تفاقم العجز التجاري نتيجة أساسية للتجارة الموازية التي تمر من الموانئ البحرية قادمة من الصين.
وأنهت تونس العام الماضي على عجز تجاري قدرت قيمته بنحو 12.62 مليار دينار (5.38 مليارات دولار)، مقابل عجز بنحو 12 مليار دينار في عام 2015، وفق نتائج التجارة الخارجية التي نشرها المعهد الوطني للإحصاء.
وسجلت نسبة تغطية الواردات بالصادرات شبه استقرار في حدود 69.8% العام الماضي، مقابل 69.9% في 2015، وتظهر البيانات أن تفاقم العجز التجاري يرجع بالأساس لخلل في ميزان المعاملات بين تونس وكل من الصين وتركيا وروسيا.
وتشير بيانات حكومية إلى أن العجز التجاري مع الصين يبلغ 3.84 مليارات دينار، في حين يقل الرقم مع بلدان أخرى على غرار تركيا إلى 1.48 مليار دينار.
وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعلن المركزي التونسي رسمياً عن إدخال العملة الصينية (اليوان) ضمن سلة العملات الأجنبية المعتمدة لديه.
ويقول الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان إنه من الطبيعي أن يصل الميزان التجاري في تونس مرحلة العجز الهيكلي، مشيراً إلى أن الحكومات المتعاقبة لم تتخذ أي إجراء صارم للحد من تفاقم العجز في الوقت الذي كانت صادرات المواد النفطية والفوسفات في تراجع مستمر، فضلا عن تراجع صادرات زيت الزيتون التي عدلت في عام 2015 كفة العجز في الميزان الغذائي.
ويرى سعيدان في تصريح لـ "العربي الجديد"، أنه لا سبيل للحد من نزيف العجز دون قرارات صارمة تطبق لمدة زمنية محددة، على الأقل بإيقاف واردات المواد الكمالية بمختلف أشكالها وإعطاء الأولوية لواردات المواد الأساسية الموجهة للاستثمار، لافتا إلى أن الحكومة والبنك المركزي يملكان سلطة القرار لتحديد قائمة من المواد الممنوعة من التوريد.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن كل الدول التي تشكو من عجز هيكلي في الميزان التجاري وشح في احتياطي النقد الأجنبي تتخذ الإجراءات الوقائية حتى لا تترك الحبل على الغارب، حسب قوله.
ولا تتجه نية السلطات النقدية، وفق ما أكده الكاتب العام للجنة التونسية للتحاليل المالية في البنك المركزي، لطفي حشيشة، لـ "العربي الجديد" نحو تقييد الواردات، مشيرا إلى أن مقاربة المركزي في معالجة العجز الهيكلي للميزان التجاري تتمثل في دفع القطاعات المدرة للعملة الصعبة على غرار أنشطة قطاع المناجم والفوسفات ومشتقاته بنسق عادي.
ويرى كاتب عام لجنة التحاليل المالية أن قانون الطوارئ الاقتصادية الذي ينظر فيه البرلمان سيساعد على معالجة العجز على المدى المتوسط، سيما العجز الطاقي، عبر تسريع الاستثمارات في مجالات الاستكشاف والتطوير، باعتبار التراجع المستمر للإنتاج المحلي من المحروقات في السنوات الأخيرة هو ما ساهم بشكل ملموس في تدهور ميزان الطاقة الذي بات عجزه هيكليا نتيجة توقف تنفيذ برنامج الاستكشافات وعزوف شركات النفط عن الاستثمار في تونس.
ويؤكد المركزي التونسي في وثيقة توصياته على حتمية مراجعة خطة التنمية الحالية، كونها لا تولي اهتماماً بالنظام التصديري الذي تقهقرت مساهمته في القيمة المضافة وكذلك في الاحتياطي من العملة الصعبة.
ويرى البنك المركزي ضرورة التوجه نحو خيار تطهير مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمارات في قطاعات ذات قيمة عالية وتنويعها، وهو ما من شأنه أن يسمح بدفع صادرات السلع والخدمات.
وأبرز في ذات السياق، أهمية اعتماد إصلاحات كفيلة بحفز استثمارات الشركات المقيمة، ذلك أن صادراتها تعزز احتياطي البلاد من العملة الصعبة ومن ثمة تخفف الضغط على معدل صرف الدينار إزاء العملات الرئيسية. (الدولار الأميركي يساوي 2.344 دينار تونسي).