وأكد الصندوق على أن الدول، التي تعتمد على إيرادات الهيدروكربونات، سوف تعاني في ظل الانخفاض المستمر، وبالتالي فإن نموذج التنمية الحالي، القائم على إعادة توزيع الثروة النفطية من خلال الوظائف الحكومية وإعانات الدعم السخي، لم يعد قابلا للاستمرار.
ووجه صندوق النقد من خلال تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، الذي صدر اليوم وحصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، رسائل هامة للدول المصدرة للنفط، ومنها الكويت، منها ضرورة مواصلة التركيز على تنفيذ خططها للتنويع الاقتصادي والإصلاحات الهيكلية الداعمة بغية تعزيز صلابة الاقتصاد.
وتوقع الصندوق تراجع النمو الكلي للدول المصدرة للنفط في 2017 بسبب تخفيضات الإنتاج النفطي، وعلى المدى المتوسط، ومن المتوقع أن تظل أسعار النفط منخفضة ومحاطة بدرجة عالية من عدم اليقين.
ورأى الصندوق أن النمو في البلدان المصدرة للنفط سيشهد تباطؤا في عام 2017 بسبب تخفيضات إنتاج النفط المتفق عليها بموجب شروط اتفاق أوبك الأخير. وفي المقابل، رغم تفاوت الآفاق بين مختلف البلدان، من المتوقع أن يتسارع النمو الكلي في القطاع غير النفطي في عام 2017 مع تراجع وتيرة الضبط المالي.
تصحيح تدريجي
وذكر تقرير الصندوق أن الزيادة المتوقعة في أسعار النفط والتصحيح المستمر في الأوضاع المالية العامة سيساهمان في تقليص ملحوظ في مستويات عجز المالية الكلي في عام 2017 إلى 4.25%، من إجمالي الناتج المحلي في المتوسط.
وأكد التقرير أن التصحيح المقرر في مجلس التعاون الخليجي يعني أن مستويات العجز الأولي غير النفطي سوف تتحسن بمقدار 3.25 و5.5 نقاط مائوية من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، على التوالي.
وأكد التقرير أن البلدان ذات الاحتياطيات المالية الكبيرة، مثل الكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة، يمكنها تصحيح أوضاعها بشكل تدريجي أكبر للحد من الآثار السلبية على النشاط غير النفطي، أما البلدان ذات الاحتياطيات الأصغر فيجب عليها التحرك بخطى أسرع.
وعند اختيار مسار محدد لضبط الأوضاع، ينبغي أن تعطي البلدان أولوية للتدابير المواتية للنمو مثل إجراء مزيد من الإصلاحات في أسعار الطاقة والتخفيضات الإضافية في الإنفاق الجاري، والتدابير الرامية إلى زيادة الإيرادات، بما في ذلك من خلال تحسين الإدارة الضريبية.
ووفقا للتقرير، فإن تعزيز مؤسسات المالية العامة سوف يسهم في نجاح تطبيق خططها، وقد تم إحراز تقدم ملحوظ في جهود وضع أطر المالية العامة متوسطة الأجل (الجزائر والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية)، وإنشاء مكاتب إدارة الدين (الكويت والمملكة العربية السعودية)، رغم أنها لا تزال قيد التنفيذ في مختلف أنحاء المنطقة.
تقديرات عجز الموازنة
وتشير التقديرات، وفقا للتقرير، إلى انخفاض عجز الموازنة الكلي التراكمي للخمس سنوات بين عامي 2016 و2021 إلى 375 مليار دولار، مقارنة بمبلغ 565 مليار دولار وفقا لما ورد في عدد أكتوبر/تشرين الأول 2016 من تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي. ويتوقف هذا التحسن الكبير على الاستمرار في تنفيذ هذه الخطط المالية العامة الطموحة، وبدعم من الاتجاهات العامة المتوقعة لأسعار النفط.
ومع التسليم بالحاجة إلى تحقيق التوازن بين السحب من الأصول وإصدار سندات الدين، تزايد لجوء بلدان المنطقة إلى استخدام الديون لتمويل العجز، وهو ما يتوقع استمراره في عام 2017.
وقال الصندوق إنه يجري حاليا بذل الجهود لتشجيع زيادة الاستثمارات الأجنبية في عدد من الدول العربية النفطية، فقد تؤدي قوانين الاستثمار الجديدة في كل من الجزائر (أقره البرلمان) وعمان (قيد النظر حاليا) إلى إعطاء دفعة للاستثمار الأجنبي المباشر، كما أن السماح بالملكية الأجنبية خارج المناطق الاقتصادية الحرة في الإمارات العربية المتحدة يمكن أن يكون له نفس الأثر. كذلك أدخلت المملكة العربية السعودية إصلاحات في أسواق الأسهم والسندات، بما في ذلك تخفيف القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي.
وأشار التقرير إلى أنه لا يزال هناك المزيد مما ينبغي عمله لتحسين بيئة الأعمال نظراً لأن التقدم المحرز كان متفاوتا. وعلى سبيل المثال، يمثل افتتاح مركز الكويت للأعمال مؤخرا (النافذة الواحدة لتيسير الأعمال) خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح.
وفي موازاة ذلك يقول الخبير الاقتصادي، حجاج بوخضور، إن معالجة اختلالات الميزانية تحتاج إلى حلول جذرية بعيدا عن جيوب المواطنين، مبينا أنه يجب الأخذ بنصائح الصندوق التي ترمي إلى المحافظة على ثروات الكويت المالية المتمثلة في الاحتياطي العام للدولة.
ويضيف بوخضور، خلال حديثه لـ "العربي الجديد"، أن المشكلة لا تكمن في نقص الحلول وإنما في تفعيلها، خاصة أن الأزمة بدأت تلوح في الأفق منذ عامين، لكن الحكومة تأخرت وتباطأت في التحرك.
أما الخبير الاقتصادي، بدر العتيبي، فيقول إن السعر الحالي للنفط لم يعد يكفي لسداد فاتورة رواتب الموظفين في القطاع العام، فالإيراد الشهري المتحقق من سعر 28 دولاراً لبرميل النفط لا يزيد على 630 مليون دينار، بينما تصل قيمة الرواتب إلى 850 مليون دينار شهريا.
ويشير العتيبي، خلال حديثه لـ " العربي الجديد"، إلى أن الدولة تواجه تحديات خطيرة تتمثل في الزيادة المتواصلة في عدد السكان، وكذلك تزايد عدد الخريجين الداخلين إلى سوق العمل، مما سيضاعف عدد موظفي الدولة إلى 10 أضعاف ما هي عليه خلال السنوات الخمس المقبلة، الأمر الذي يستدعي ضرورة الأخذ بالاعتبار المخرجات التعليمية وكيفية مواكبتها لاحتياجات سوق العمل المحلية.