تُعتبر لوكسمبورغ واحدة من أصغر الدول الأوروبية، بيد أن وزنها المالي يعتبر كبيراً. فهي واحدة من الدول الأعلى عالمياً في الناتج المحلي الإجمالي، وهي مقصد عالمي مهم لصناديق الاستثمارات. وبالرغم من فرضها 29% ضريبة على الشركات، فإن كبريات الشركات العالمية لديها فروع فيها. فالنظام الذي يُطلق عليه "خدعة لوكسمبورغ" يدر دخلاً على أصحاب تلك الشركات التي تنشأ لتهريب الأرباح الناجمة عن أعمالها في الدول الأخرى.
وبالرغم من الوعود الكبيرة التي أطلقها الاتحاد الأوروبي إثر الكشف في 2014 فيما عرف بـ "لوكس ليكس"، عن استخدام المصارف والشركات والشخصيات لـ "خدعة لوكسمبورغ" للتهرب الضريبي، ما تزال الأمور على حالها، كما يتبين من فضيحة جديدة أثارت الرأي العام الأوروبي، بطلتها هذه المرة المؤسسة المصرفية "غولدمان ساكس".
غضب سياسي وشعبي أفرزه تصرف هذه المؤسسة المصرفية في كوبنهاغن، من خلال التلاعب والتهرب الضريبي، بضخ أموال الدنماركيين إلى ملاذ لوكسمبورغ ومن ثم نقله عبر تلك القناة كسيولة في مشاريع حول العالم.
وفي 2014 جرى نشر أسماء المستثمرين في شركة الطاقة الدنماركية "دونغ" Dong Energy ليتبين بأن "غولدمان ساكس" بات يملك 19% من أسهم "مؤسسة الطاقة". وتلك المؤسسة انخفضت فيها ملكية الدولة من 81 إلى 61%، ضمن عمليات خصخصة انتهجتها كوبنهاغن منذ سنوات في عدد من المرافق. بما فيها مطار كوبنهاغن الذي يثير أيضاً جدلاً كبيراً بسبب التهرب الضريبي وإخراج المستثمرين للسيولة من السوق المحلية.
بكل الأحوال عملية خصخصة مؤسسة الطاقة "دونغ" رفعت قيمتها السوقية من 31.5 مليار كرونه (حوالي 4 مليارات يورو) إلى أكثر من 16 مليار يورو بعد ثلاثة أعوام فقط.
ما يدور في المستويين الاقتصادي والسياسي في الدنمارك، المترافق مع جدل اجتماعي وسياسي-اقتصادي، يتركز على استمرار كبار المستثمرين، الأجانب والمحليين، في استغلال خدعة لوكسمبورغ لتفريغ السوق من الأرباح، وعدم سداد مستحقات ضريبية كانت الشغل الشاغل للخصخصة.
ففي حالة غولدمان ساكس يوجد ما لا يقل عن 10 مليارات كرونه ربحها المصرف ببيع 25 مليون سهم من حصته في شهر فبراير/شباط الماضي، بعد عمليات مضاربة رفعت قيمتها. ولم يجر تسديد ولا كرونه واحدة من الضرائب على تلك الأرباح.
خيبة أصابت المختصين في مجالي الاستثمار الأجنبي وتحصيل الضرائب، والأمر لم يتوقف فقط عند اليسار الدنماركي. ومرد الغضب والخيبة هو ما يطلقون عليه "استمرار استغلال ثغرات بطء الاتحاد الأوروبي في مكافحة خدعة لوكسمبورغ". فقد ذهب غولدمان ساكس قبل أسبوع أيضاً ببيع ملايين الأسهم بقيمة 2.8 مليار كرونه دون أن يدفع شيئاً كضرائب.
ويكشف الباحثون عن تلك الثغرات المكلفة للاقتصاديات الأوروبية، وغير الأوروبية، عن أن عمل غولدمان ساكس يعتبر نموذجاً لاستغلال الخدعة. فقبيل الاستثمار في شركة "دونغ"، ذهبت المؤسسة المصرفية إلى تأسيس عدد من الشركات في لوكسمبورغ وفي جزر الملاذات الضريبية كايمان وديلاوير، وهيكلية هذه الشركات تجعل من الممكن نقل الأرباح من الاستثمار دون سداد الضريبة.
أستاذ الضريبة والمتخصص بالشأن الاقتصادي في جامعة ألبورغ، شمال الدنمارك، توماس رونفيلت، عقب على هذا التهرب الكبير بالقول إنه "حتى لو أراد المتهربون نقل أموالهم فعليهم دفع ضرائب المورد في الدنمارك. لكن هؤلاء يتجنبون ذلك من خلال نقل الأموال إلى شركاتهم في لوكسمبورغ".
ويرى هذا الخبير في سلوكيات المؤسسات والشركات أن تصرفها يعتبر "قانونياً، تحت سقف المعمول به حول تنقلات رأس المال والسيولة". لكنه في المقابل يعتبر أن "الأمر محبط للاتحاد الأوروبي حين تصر محاكمه على وصف تلك التعاملات بأنها تأتي تحت بند حرية الحركة في سوقه الداخلية، وهو ما يمنح الشركات فرص التهرب من دفع الضريبة طالما أن لوكسمبورغ بلد عضو في الاتحاد الأوروبي".
ويتبين بأن غولدمان ساكس قام خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو/أيار الماضي، خلال نشر إعلان عن عملية بيع أسهم الطاقة، بالادعاء بأن البائع هو شركة استثمار الطاقة الدنماركية، التي أسسها سابقاً لشراء الأسهم الأصلية ونقل السيولة والأرباح إليها. وما يزيد شكوك التهرب الضريبي أن فرع الشركة هو في جزر كايمان "وهو ما يشير إلى نية بالأساس بأنها أنشئت في ملاذ ضربي للتصميم على عدم دفع تلك الضرائب"، وفقا لما ذهب إليه المدير الدولي لمنظمة أوكسفام للمشاريع التنموية، لارس كوك.
ورأى كوك في تصريحات نقلتها عنه صحيفة "بيرلينغسكا" يوم 17 مايو/أيار الماضي "غولدمان ساكس لم يختر جزيرة كايمان عبثاً، بل لأنه يعرف بأنه سيكون قادراً على نقل الأموال من خلال لوكسمبورغ. وهؤلاء لا يدفعون ضريبة لا في الدنمارك ولا في أي مكان آخر".
ما يزعج خبراء التهرب الضريبي الممارس من الشركات العملاقة أنه "وبالرغم من التشدد في مراقبة تدفق السيولة بعيد هجمات نيويورك وواشنطن سبتمبر/أيلول 2001، ما تزال تلك الشركات تستخدم لوكسمبورغ كمهرب نحو جنة الضرائب". وفي سعيها الممنهج للتهرب، أو تخفيض ما تدفعه من ضرائب في دول أخرى، "تُجري المجموعات العملاقة والمتعددة الجنسيات تلاعباً داخلياً كبيراً بالفواتير والقروض الداخلية (ضمن المجموعات) بتفريغ الأجزاء النشطة والمنتجة التي تؤسس للوعاء الضريبي"، على ما يذهب خبراء اقتصاديون دنماركيون وأوروبيون مهتمون بملاحقة تلك المجموعات فيما يسمونه "استغلالا لأنظمة سوق الأعمال دون ملاحقة".
وفي الواقع يشكل سؤال الملكية أحد أهم تحديات مكافحة التهرب الضريبي عبر ثغرة لوكسمبورغ. فالهيكلية وتمثيل رؤوس الأموال جعلت من مسألة الملكية أمراً مجهولاً، كضرورة للربط بين المنتج والإدارة والملكية. وتذهب تلك الشركات بنقاش مختلف حول وضعها في المجتمع والمبالغة بإسهاماتها بعيداً عن حقيقة المسؤولية المجتمعية للشركات.
وفي نهاية المطاف بدا واضحاً فيما يتعلق بشركة الطاقة الدنماركية بأن مؤسسة مصرفية، كغولدمان ساكس قامت بعملية بناء مؤسسات مالكة دون معرفة من هو المالك الحقيقي. أي أنه يصبح من الصعب تتبع أصحاب الشركات الشارية بشكل دقيق.
وإلى جانب مشاكل أخرى غير صعوبة التتبع، فإن مؤسسات مصرفية تندفع أيضاً نحو أعمال فيها استغلال لامتيازات عديدة توفرها سوق التعدين والمناجم والغابات والنفط، والأخيرة شكلت لفترة طويلة مشكلة عميقة مثل استغلال اقتصاديات العالم الثالث، وبشكل خاص التهرب الضريبي في المجال. فيستغل هؤلاء في المؤسسات الكبرى حالة فساد قائمة في إدارة الدول بعرض أنفسهم كقوى تفوق قوتها ومقدرتها حكومات تلك الدول.
إذا، خدعة لوكسمبورغ ليست مرتبطة فقط بالتهرب الضريبي في دول الشمال، بل هي معاناة قائمة في التعامل مع الدول النامية من خلال اللعب على حدود "التحويلات القانونية وغير المشروعة" في آن معاً من تلك الدول. وبحيث يصبح من الصعب تحديد ما هو غير المشروع في سحب أموال كثيرة تفوق ما يسمى "مساعدات إنمائية" تقدمها دول متقدمة، وضاغطة لمصالح وعقود شركاتها العملاقة.
اقــرأ أيضاً
غضب سياسي وشعبي أفرزه تصرف هذه المؤسسة المصرفية في كوبنهاغن، من خلال التلاعب والتهرب الضريبي، بضخ أموال الدنماركيين إلى ملاذ لوكسمبورغ ومن ثم نقله عبر تلك القناة كسيولة في مشاريع حول العالم.
وفي 2014 جرى نشر أسماء المستثمرين في شركة الطاقة الدنماركية "دونغ" Dong Energy ليتبين بأن "غولدمان ساكس" بات يملك 19% من أسهم "مؤسسة الطاقة". وتلك المؤسسة انخفضت فيها ملكية الدولة من 81 إلى 61%، ضمن عمليات خصخصة انتهجتها كوبنهاغن منذ سنوات في عدد من المرافق. بما فيها مطار كوبنهاغن الذي يثير أيضاً جدلاً كبيراً بسبب التهرب الضريبي وإخراج المستثمرين للسيولة من السوق المحلية.
بكل الأحوال عملية خصخصة مؤسسة الطاقة "دونغ" رفعت قيمتها السوقية من 31.5 مليار كرونه (حوالي 4 مليارات يورو) إلى أكثر من 16 مليار يورو بعد ثلاثة أعوام فقط.
ما يدور في المستويين الاقتصادي والسياسي في الدنمارك، المترافق مع جدل اجتماعي وسياسي-اقتصادي، يتركز على استمرار كبار المستثمرين، الأجانب والمحليين، في استغلال خدعة لوكسمبورغ لتفريغ السوق من الأرباح، وعدم سداد مستحقات ضريبية كانت الشغل الشاغل للخصخصة.
ففي حالة غولدمان ساكس يوجد ما لا يقل عن 10 مليارات كرونه ربحها المصرف ببيع 25 مليون سهم من حصته في شهر فبراير/شباط الماضي، بعد عمليات مضاربة رفعت قيمتها. ولم يجر تسديد ولا كرونه واحدة من الضرائب على تلك الأرباح.
خيبة أصابت المختصين في مجالي الاستثمار الأجنبي وتحصيل الضرائب، والأمر لم يتوقف فقط عند اليسار الدنماركي. ومرد الغضب والخيبة هو ما يطلقون عليه "استمرار استغلال ثغرات بطء الاتحاد الأوروبي في مكافحة خدعة لوكسمبورغ". فقد ذهب غولدمان ساكس قبل أسبوع أيضاً ببيع ملايين الأسهم بقيمة 2.8 مليار كرونه دون أن يدفع شيئاً كضرائب.
ويكشف الباحثون عن تلك الثغرات المكلفة للاقتصاديات الأوروبية، وغير الأوروبية، عن أن عمل غولدمان ساكس يعتبر نموذجاً لاستغلال الخدعة. فقبيل الاستثمار في شركة "دونغ"، ذهبت المؤسسة المصرفية إلى تأسيس عدد من الشركات في لوكسمبورغ وفي جزر الملاذات الضريبية كايمان وديلاوير، وهيكلية هذه الشركات تجعل من الممكن نقل الأرباح من الاستثمار دون سداد الضريبة.
أستاذ الضريبة والمتخصص بالشأن الاقتصادي في جامعة ألبورغ، شمال الدنمارك، توماس رونفيلت، عقب على هذا التهرب الكبير بالقول إنه "حتى لو أراد المتهربون نقل أموالهم فعليهم دفع ضرائب المورد في الدنمارك. لكن هؤلاء يتجنبون ذلك من خلال نقل الأموال إلى شركاتهم في لوكسمبورغ".
ويرى هذا الخبير في سلوكيات المؤسسات والشركات أن تصرفها يعتبر "قانونياً، تحت سقف المعمول به حول تنقلات رأس المال والسيولة". لكنه في المقابل يعتبر أن "الأمر محبط للاتحاد الأوروبي حين تصر محاكمه على وصف تلك التعاملات بأنها تأتي تحت بند حرية الحركة في سوقه الداخلية، وهو ما يمنح الشركات فرص التهرب من دفع الضريبة طالما أن لوكسمبورغ بلد عضو في الاتحاد الأوروبي".
ويتبين بأن غولدمان ساكس قام خلال الأسبوع الثاني من شهر مايو/أيار الماضي، خلال نشر إعلان عن عملية بيع أسهم الطاقة، بالادعاء بأن البائع هو شركة استثمار الطاقة الدنماركية، التي أسسها سابقاً لشراء الأسهم الأصلية ونقل السيولة والأرباح إليها. وما يزيد شكوك التهرب الضريبي أن فرع الشركة هو في جزر كايمان "وهو ما يشير إلى نية بالأساس بأنها أنشئت في ملاذ ضربي للتصميم على عدم دفع تلك الضرائب"، وفقا لما ذهب إليه المدير الدولي لمنظمة أوكسفام للمشاريع التنموية، لارس كوك.
ورأى كوك في تصريحات نقلتها عنه صحيفة "بيرلينغسكا" يوم 17 مايو/أيار الماضي "غولدمان ساكس لم يختر جزيرة كايمان عبثاً، بل لأنه يعرف بأنه سيكون قادراً على نقل الأموال من خلال لوكسمبورغ. وهؤلاء لا يدفعون ضريبة لا في الدنمارك ولا في أي مكان آخر".
ما يزعج خبراء التهرب الضريبي الممارس من الشركات العملاقة أنه "وبالرغم من التشدد في مراقبة تدفق السيولة بعيد هجمات نيويورك وواشنطن سبتمبر/أيلول 2001، ما تزال تلك الشركات تستخدم لوكسمبورغ كمهرب نحو جنة الضرائب". وفي سعيها الممنهج للتهرب، أو تخفيض ما تدفعه من ضرائب في دول أخرى، "تُجري المجموعات العملاقة والمتعددة الجنسيات تلاعباً داخلياً كبيراً بالفواتير والقروض الداخلية (ضمن المجموعات) بتفريغ الأجزاء النشطة والمنتجة التي تؤسس للوعاء الضريبي"، على ما يذهب خبراء اقتصاديون دنماركيون وأوروبيون مهتمون بملاحقة تلك المجموعات فيما يسمونه "استغلالا لأنظمة سوق الأعمال دون ملاحقة".
وفي الواقع يشكل سؤال الملكية أحد أهم تحديات مكافحة التهرب الضريبي عبر ثغرة لوكسمبورغ. فالهيكلية وتمثيل رؤوس الأموال جعلت من مسألة الملكية أمراً مجهولاً، كضرورة للربط بين المنتج والإدارة والملكية. وتذهب تلك الشركات بنقاش مختلف حول وضعها في المجتمع والمبالغة بإسهاماتها بعيداً عن حقيقة المسؤولية المجتمعية للشركات.
وفي نهاية المطاف بدا واضحاً فيما يتعلق بشركة الطاقة الدنماركية بأن مؤسسة مصرفية، كغولدمان ساكس قامت بعملية بناء مؤسسات مالكة دون معرفة من هو المالك الحقيقي. أي أنه يصبح من الصعب تتبع أصحاب الشركات الشارية بشكل دقيق.
وإلى جانب مشاكل أخرى غير صعوبة التتبع، فإن مؤسسات مصرفية تندفع أيضاً نحو أعمال فيها استغلال لامتيازات عديدة توفرها سوق التعدين والمناجم والغابات والنفط، والأخيرة شكلت لفترة طويلة مشكلة عميقة مثل استغلال اقتصاديات العالم الثالث، وبشكل خاص التهرب الضريبي في المجال. فيستغل هؤلاء في المؤسسات الكبرى حالة فساد قائمة في إدارة الدول بعرض أنفسهم كقوى تفوق قوتها ومقدرتها حكومات تلك الدول.
إذا، خدعة لوكسمبورغ ليست مرتبطة فقط بالتهرب الضريبي في دول الشمال، بل هي معاناة قائمة في التعامل مع الدول النامية من خلال اللعب على حدود "التحويلات القانونية وغير المشروعة" في آن معاً من تلك الدول. وبحيث يصبح من الصعب تحديد ما هو غير المشروع في سحب أموال كثيرة تفوق ما يسمى "مساعدات إنمائية" تقدمها دول متقدمة، وضاغطة لمصالح وعقود شركاتها العملاقة.