يقدم الجنوب التونسي على تحولات تنموية واقتصادية عميقة، وفق المشروع الضخم ذي البعد الاستراتيجي للأمن القومي الذي أعلن عنه رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، حيث تتطلع الحكومة، نهاية العقد الجاري، إلى تحويل جنوب البلاد من منطقة توتر اجتماعي إلى منطقة تنمية شاملة.
ويعاني الجنوب التونسي، الذي يتوفر على موارد طبيعية وطاقة كبيرة وإمكانيات سياحية هائلة، من ضَعف مستوى التنمية في أغلب محافظاته التي يعيش جزء كبير من أهلها على التجارة الموازية.
وعلى مدى سنوات طويلة، تسبب ضعف التنمية في هذه المحافظات، في تغلغل ثقافة اقتصاد الظل والتهريب الحدودي وتجارة العملة خارج الأطر الرسمية، ما جعل السلطات عاجزة عن احتواء هذه الظواهر.
وتقوم الخطة الحكومية لإصلاح الوضع الاقتصادي في الجنوب على إطلاق برنامج للتنمية المندمجة في المناطق الصحراوية التي تمثل نحو ثلث مساحة البلاد، يهدف إلى تحويل هذه المناطق إلى رافعة للتنمية وخلق فرص عمل، إلى جانب إنشاء مشاريع لتطوير الطاقات المتجددة، خصوصا الطاقة الشمسية، واستغلال المياه الجوفية المتوفرة في تلك المناطق لتطوير الزراعة الصحراوية البيئية، اقتداء بتجارب عالمية ناجحة، إلى جانب جعل هذه المناطق وجهة سياحية، وإنشاء مركز عالمي للبحوث والتطبيق في مجال تكنولوجيات الصحراء والطاقات البديلة.
وشرع، أمس الخميس، مستثمر بريطاني في الطاقات البديلة، في رفع عينات من التربة بعد إجراء عدد من الحفريات بغرض تحليلها وتحديد الموقع الأفضل لإنجاز مشروع أكبر محطة لتوليد الكهرباء اعتماداً على الطاقة الشمسية في العالم، على مساحة تناهز 25 ألف هكتار، في صحراء منطقة "رجيم معتوق"، أقصى الجنوب التونسي.
ووفق مصادر السلطات المحلية في محافظة قبلي جنوب غربي البلاد، فمن المتوقع أن تنطلق الشركة المستثمرة في تنفيذ المشروع الذي تناهز كلفته الإجمالية 25 مليار دولار، في عام 2019، ما سيوفر بين 18 ألفا و20 ألف فرصة عمل خلال مدة الإنجاز، ويتيح فرص عمل لقرابة 700 شركة تونسية في مختلف الاختصاصات للإسهام في بناء هذه المحطة.
وسيتيح مشروع الطاقة الشمسية نحو 4500 ميغاوات من الكهرباء المخصصة كليا للتصدير، إلى جانب تحريك عجلة الاقتصاد في محافظات الجنوب، والتحفيز على جلب استثمارات صناعية للمنطقة.
وقال عضو البرلمان عن لجنة الطاقة والثروات الطبيعية، عدنان الحاجي، إن تباطؤ التنمية جنوب البلاد دليل على فشل السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة قبل وبعد الثورة، مشيرا إلى أنه كان يمكن التفطّن إلى مكامن الثروات في هذه المناطق منذ عقود، غير أن القرار السياسي أراد لها أن تكون مهمشة.
وأضاف الحاجي، لـ "العربي الجديد"، أن ثروات الجنوب تحظى باهتمام كبار المستثمرين في العالم، سواء فيما يتعلق بإنتاج الفوسفات، أو التنقيب عن البترول، أو صناعة الجبس، أو استغلال الطاقات البديلة، غير أن ثقل وبيروقراطية الإدارة يحولان دون تنفيذ هذه المشاريع.
وعلى مدى السنوات الأخيرة، عرف الجنوب التونسي موجة احتجاجات متواترة تسببت في خسائر كبيرة للدولة، بعد تعمّد المحتجين المطالبين بالتشغيل غلق مضخات النفط وتعطيل عمل شركات النفط والفوسفات.
ويجمع خبراء الاقتصاد على أن استيعاب غضب المحافظات التي تشكو من ضعف التنمية لن يتم إلا عبر دفع نسق النمو وضخ استثمارات كبيرة في هذه المناطق.
وتستعد حكومة الشاهد إلى إجراء تعديلات على برنامجها الاقتصادي سيعرض قريبا على البرلمان، بعد التصديق عليه من قبل الأحزاب والمنظمات المشاركة في الائتلاف الحكومي.
ويَعد البرنامج الاقتصادي المحدث لحكومة الشاهد بالتقليص التدريجي في عجز ميزانية الدولة إلى حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020، واستقرار مستوى المديونية التي عرفت ارتفاعا متواصلا طيلة 7 سنوات، بألا تتجاوز نسبتها 70% من إجمالي الناتج المحلي خلال نفس الفترة.
وبحسب الخبير الاقتصادي معز الجودي، فإن بدائل الحكومة في الجنوب التونسي يجب أن تكون مجزية ومقنعة لمن يجنون آلاف الدولارات يوميا من الاقتصاد الموازي، معتبرا أن استثمارات الطاقة هي الأكثر قدرة على تحقيق هذا الهدف.
ولفت الجودي، إلى أن تحديث خطة التنمية الذي وعدت بها الحكومة، يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية لهذه المناطق.
وتواجه تونس تحدياً كبيراً بإيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل من الشباب، والبالغ عددهم أكثر من 600 ألف، أكثر من ثلثهم من خريجي الجامعات، بالإضافة إلى حلحلة مشاريع التنمية في المناطق الداخلية الفقيرة.
وتصاعدت التحذيرات من انحدار الاقتصاد التونسي إلى الركود، في ظل تباطؤ معدلات النموّ وتفاقم الديون وتزايد الضغوط على التوازنات المالية وتواصل استنزاف الاحتياطيات المالية، ما أثر على قدرة الحكومة على إصلاح الاقتصاد المتعثر.