ازدهرت في مدينة تعز اليمنية (جنوب غربي البلاد) تجارة كابلات النحاس، جراء سرقة خطوط الاتصالات والكهرباء في المدينة المحرومة من الكهرباء منذ بداية الحرب قبل نحو 3 أعوام. ومع انتشار هذه الظاهرة باتت تعاني المدينة عزلةً تامة.
وبدأت تجارة كابلات النحاس، منتصف العام الماضي، بسرقة كابلات الكهرباء، قبل أن تتحول سرقةً لكابلات الهواتف، منذ مطلع العام الجاري، إلى أن أضحت تجارة نشطة ومزدهرة تديرها فصائل مسلحة، وجدت في الحرب والفوضى فرصة لجني موارد مالية، من تخريب البنية التحتية.
واستغلت عصابات مسلحة تدهور قطاع الكهرباء وانقطاع التيار منذ بداية عام 2015، لسرقة محولات الكهرباء وخطوطها، بغرض بيع النحاس في أسواق الخردة، لكن السرقات امتدت إلى قطاع الاتصالات أيضاً، ما تسبب في انقطاع خدمة الاتصالات وضعف خدمة الإنترنت في عدة مناطق ضمن المدينة.
وأفاد ناشطون وسكان في تصريحات لـ"العربي الجديد" أن عدة مناطق تعرضت كابلاتها للسرقة من خلال حفر الأرض وإخراج الكابلات بغرض بيع النحاس.
وتشهد تعز معارك مستمرة بين قوات الحكومة الشرعية من جهة وجماعة أنصار الله (الحوثيين ) من جهة أخرى، والتي تفرض حصاراً على المدينة بسيطرتها على المنفذين الشرقي والغربي للمدينة، ويعتمد السكان على أنظمة الطاقة الشمسية في إنارة منازلهم.
وأكدت مصادر في مؤسسة الاتصالات المحلية، قيام عصابات مسلحة بعمليات نهب بطاريات كهربائية خاصة لتقوية شركة الاتصالات النقالة الحكومية "يمن موبايل"، إضافة إلى سرقة كابل ألياف ضوئية 10 فيبرات يغذي محطة تقوية للشركة ذاتها.
ووفق المصادر، فقد نهبت العصابات 24 بطارية كهربائية تابعة للشركة، منذ مطلع يناير/ كانون الثاني، وتقدر قيمتها بـ30 مليون ريال (78 ألف دولار).
واعترفت السلطة المحلية بالمدينة، بتعرض كابلات الاتصالات للسرقة في أكثر من منطقة، ما تسبب في انقطاع أو ضعف خدمتي الاتصالات والإنترنت.
وتوضح رسالة موجهة من وكيل محافظة تعز، عارف جامل، إلى القائد العسكري لمحور تعز، اطلع عليها "العربي الجديد"، تعرض كابلات الاتصالات للسرقة في نحو 12 منطقة، وتطالب بسرعة جمع الاستدلالات والقبض على الجماعات المسلحة التي تمارس تلك الأعمال وإحالتها إلى الجهات المختصة.
وأكد الباحث الاقتصادي، علي عبد الدائم، لـ"العربي الجديد"، أن ظاهرة سرقة كابلات الكهرباء والهاتف تلحق خسائر كبيرة بالاقتصاد الوطني فضلاً عن تخريب البنية التحتية، وإلحاق خسائر لشركات الاتصالات النقالة".
وأكد أحد السكان، ويدعى عبدالسلام العلواني، أن "تعز مدينة خارج التغطية بعد سرقة الكابلات واستمرار الحفر في عدة مناطق بحثاً عن النحاس".
كما قال أمين علي: "تعاني بعض مناطق المحافظة من انقطاع تام لخدمة الهاتف الأرضي وخدمة الإنترنت مع انعدام التغطية لشبكات الهاتف النقال، بسبب السرقة التي طاولت كابلات الاتصالات".
وكشف مهندسون في مؤسسة الاتصالات المحلية لـ"العربي الجديد" تعرض نحو 25 ألف خط للهاتف الثابت والإنترنت للفصل بعد سرقة الكابلات من الشبكة، وأن الظاهرة مستمرة ويقوم مسلحون بقطع الكابلات في عدة مناطق وسرقتها بهدف بيعها والاستفادة من عائداتها.
وبحسب المهندسين، فإن أفراد العصابات يسرقون كابلات الاتصالات الباهظة الثمن، ويحرقونها لبيع مادة النحاس الموجودة بداخلها بثمن بخس.
ويتراوح سعر كيلو النحاس بين 8 آلاف ريال (21 دولاراً) و10 آلاف (26 دولاراً)، وتقدر الكمية المسروقة من كابلات الاتصالات في مدينة تعز بنحو 20 ألف كيلو، وفق مصادر مؤسسة الاتصالات المحلية.
وأكدت مصادر محلية وأخرى حكومية لـ"العربي الجديد" أن شبكة واسعة أصبحت تدير تجارة النحاس وبيعه في سوق الخردة، وأن الأمر تحول إلى تجارة.
وأبدت المصادر خشيتها من أن تخريب البنية التحتية لمدينة تعز، يتم لخدمة الحوثيين الذين قد يستخدمون النحاس لأغراض عسكرية.
بدوره، أوضح الناشط المحلي عمر الشرعبي، أن الوضع المعيشي المتردي وتوقف مصادر الدخل وتوقف الرواتب يشجع الشباب على الانخراط في الجبهات كمقاتلين، لكن توقف الرواتب لعدة أشهر يدفعهم إلى تجارة سرقة كابلات النحاس التي تدر أموالاً طائلة.
وقال الشرعبي: "أدى ضعف الأمن بالمدينة، إلى تنامي ظاهرة الاستيلاء على الأسلاك النحاسية من قبل عصابات منظمة، وهي ظاهرة سيكون لها تداعيات خطيرة في المستقبل عند استقرار الوضع والتوجه لاعادة الخدمات، ستكون الخسارة كبيرة وبملايين الدولارات".
وانتقد فريق شباب وشابات تعز، وهو تكتل شبابي مدني، عدم تحرك الأجهزة الأمنية ووضع حد لتنامي ظاهرة سرقة كابلات الاتصالات.
واستنكر الفريق، في بيان، صمت القوى الفاعلة في محافظة تعز، إزاء استمرار نهب البنية التحتية للمدينة، من كابلات الكهرباء، وصولاً لسرقة بطاريات وكابلات شركة "يمن موبايل" الحكومية.