أثر الفراشة، كما تعرّفه بعض القواميس، يكاد يكون ترجمة للمثل العربي "القشّة التي قصمت ظهر البعير". ولكنه في الإنكليزية يعني أن فراشة قد ترفرف جناحيها في الصين، فتسبب كارثة طبيعية على شكل إعصار أو دوامة في أميركا.
والسبب أن رفّة جناح الفراشة، على ضَعفها وهوانها، قد تقع في الموقف المناسب لتحدث الأثر المضاعف على نظام الريح. ويكبر هذا الأثر وينمو، وهو ينتقل حتى يصل إلى مكان تصبح قوته ملايين المرات أقوى من رعشة الجناح الأصلية.
وفي ظل القراءات الكثيرة عن التحولات المناخية في العالم، بتنا نسمع باستمرار عن نظرياتٍ تكاد تناطح الأساطير اليونانية في غرابتها، ومن دون أن تفقد كل مصداقيتها بأنها قابلة للحصول. فما يجري الآن في العالم من سقوط الأمطار الرعدية، أو الوميضية التي تهطل، وكأنها من رفّ طيرٍ أبابيل في أماكن بالكاد تعرف رشّات المطر، يثير العجب والتساؤل.
ونسمع عن جزر بدأت تتآكل.
وقد تناقلت وكالات الأنباء العالمية أن جزيرة غورامارا التي تبعد حوالي 92 كيلومتراً عن مدينة كلكتا الهندية داخل خليج البنغال قد بدأت تختفي تدريجياً. ويُعزى السبب إلى أن ارتفاع درجة الحرارة في الكرة الأرضية أدّى إلى سرعة ذوبان الثلوج في سلسلة جبال الهملايا، والتي تصب في خليج البنغال، وليست جزيرة غورامارا ذات المساحة الصغيرة هي المهدّدة وحدها، بل هنالك جزء أخرى في دلتا ساندربان مهدّد أيضاً بالمآل نفسه.
وشهدنا في اليابان وفي أوروبا أعاصير وأمطاراً لم يسبق لها مثيل. وكذلك الحال في ما شهدناه في الأردن، وبعض مناطق الخليج، من أمطار وزخّاتٍ رعدية تأتي بكميات من المياه غير مسبوقة.
إذا بدأت القشرة الأرضية الخارجية تئن تحت وطأة ارتفاع الحرارة الكونية، وإذا صحّ أن بقع الشمس قد تشهد كبراً، وترى كذلك هبوطاً في مستويات الأشعة تحت الحمراء وتحت البنفسجية، فإننا قد نشهد مع قرب عام 2020 تحولاً كبيراً نحو الأسفل في درجات الحرارة بنصف الكرة الشمالي، ما يجلب ثلوجاً متساقطةً، قد تصل إلى ما حصل إبان العصر الجليدي، وستشهد منطقتنا أمطاراً وسيولاً قد تجعلها خضراء ثانية.
هل كل هذا الكلام عن المخاوف على مستقبل العالم صحيح؟ كم منه صحيح، وكم منه خرافة؟
وقد عُقدت عام 2018 مؤتمرات دولية عديدة عن البيئة، من أهمها "مؤتمر القمة العالمي حول التغير المناخي وارتفاع حرارة الأرض"، في نهاية الشهر الماضي (نوفمبر/ تشرين الثاني 26، 27) في طوكيو، والمؤتمر الدولي حول علوم الأرض والتغير المناخي، في سبتمبر/ أيلول في زيورخ.
ويعقد حالياً مؤتمر الأمم المتحدة المناخي في مدينة كاتويسي في بولندا. وكلها تعيد التأكيد على ضرورة التقيد بقرارات مؤتمر باريس، وباتفاق باريس المعدل لاتفاق كيوتو الياباني.
وتأتي النتائج لتؤكد أن الجهود المبذولة لمنع تدهور البيئة والسيطرة على التغير في المناخ، وضبط الارتفاع في درجة حرارة الأرض (الاحتباس الحراري) وتخفيض نسبة انبعاث الغازات السامة في الجو قد فشلت، وأن الأمور إن بقيت على حالها فإن ارتفاع معدل درجة حرارة الأرض قد يصل إلى ثلاث درجات مع نهاية عام 2050.
إن صحّت هذه القراءات، فكيف سيتأثر الطلب على الطاقة؟ إذا كان ما سيجري للانبعاث الحراري والضوئي للشمس، وما سيحدثه من تغيرات مناخية، وازدياد في هطول الثلج والمطر هو السيناريو الصحيح، فمعنى هذا أن الطلب على الطاقة من أجل التدفئة سيرتفع كثيراً، وأن هذا الطلب سينحاز إلى النفط والغاز، لأن مصادر الطاقة الشمسية ستكون معرّضة للتناقص الكبير.
ومن هنا، سيعزّز هذا الأمر التنبؤ بأن سعر برميل النفط سوف يصل إلى 150 دولاراً أو أكثر عام 2020، وسيستمر في الارتفاع بعد ذلك، لأن الحالة المناخية قد تمتد قرناً. ولن يرتفع سعر النفط بسبب زيادة الطلب عليه وحسب، وإنما بسبب تغير هيكلية الطلب على بدائل الطاقة لصالح النفط والغاز. والسبب الآخر ارتفاع كلف الاستخراج، والنقل، والتأمين، وتقطع وسائل الانتقال البحري، وحتى عبر الأنابيب، بسبب التغير الدراماتيكي في الظروف الجوية والمناخية.
والسبب أن النفط سيبقى السلعة الاستراتيجية الأولى في العالم، وأن حروباً باردة وغير باردة سوف تُشَعل من أجل السيطرة على منابعه، خصوصا إذا تأكدت التوقعات أن العالم مقبل على كارثة اقتصادية، تبدأ من أسواق المال، ومن ثم تنتقل عدواها كالنار في الهشيم إلى الأسواق الحقيقية، حيث إنتاج السلع والخدمات.
وإذا أصبح سوق النفط شبه احتكاري محكوماً بالقوى العالمية، فإن سعره سيبقى مرتفعاً، على الرغم من الهبوط في الاقتصاد العالمي، بل ولربما يصبح النفط مثل الذهب مرجعاً لقياس أسعار السلع الأخرى، وأسعار صرف العملات الرئيسية في العالم، بدلاً من العملة الورقية المرشحة للاختفاء أصلاً.
وقد نعيش أياماً أشبه بالخيال الافتراضي، ولكن منطقتنا بكل ما يجري فيها من تطورات عجيبة أقرب إلى الأساطير، هي التي ستبقي أعين العالم مفتحةً عليها، حسداً وطمعاً ورهبةً.