التقرير الذي كتبه جاريد مالسين أشار إلى خضوع حكومة السيسي بالكامل لإملاءات صندوق النقد الدولي، من خلال اتخاذها قرارات تتعلق بتعويم الجنيه وخفض الدعم الحكومي، من أجل نيل موافقة الصندوق على قرض بقيمة 12 مليار دولار عام 2016.
ومنذ ذلك الحين، يؤكد تقرير الصحيفة الأميركية أن نمو الاقتصاد الكلي لم ينعكس إلا قليلاً على مستوى معيشة غالبية المصريين، حيث لا تزال معدلات البطالة فوق 33% بين الشباب، كما أن التضخم لا يزال بحدود 17.1%.
استهلت الصحيفة تقريرها بالقول إن رؤساء مصر دأبوا، منذ عشرات السنين، على استغلال مشروعات البنية التحتية الضخمة لإشاعة شعور عام بإنجاز وطني وإرادة اقتصادية، على نسق ما كان يفعله أسلافهم الفراعنة. لكن لم يحدث يوماً أن أطلق أي منهم عدداً هائلاً من المشروعات، خلال مدة قصيرة، مثلما فعل الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي، مع أن تأثير هذه المشروعات في الواقع محدود جداً.
فمنذ وصول الجنرال السابق إلى سدة الرئاسة عقب انقلاب عسكري عام 2013، وفقاً للصحيفة، أصدر السيسي مرسوماً بتوسعة قناة السويس المصرية، وأمر ببناء عاصمة ثانية بالقرب من القاهرة، وشرع بخطة استصلاح أكثر من مليون فدان من الأراضي الصحراوية. وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، صادق الرئيس السيسي على اتفاق مع شركة روسية حكومية لبناء محطة طاقة نووية بتكلفة 21 مليار دولار.
وعشية الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في مارس/آذار المقبل، تلاحظ الصحيفة أن الرئيس السيسي يتباهى مجدداً بدوره في إطلاق مشروعات عملاقة تديرها المؤسسة العسكرية. وعندما أطلق الشهر الماضي حملة لإعادة انتخابه رئيساً، زعم السيسي أن حكومته أنجزت 11 ألف "مشروع وطني" خلال ولايته الوجيزة.
وقد تبيّن أن هذا الرقم مبالغ فيه. ومع ذلك، فإن مشروعاته الرئيسية الخاصة بالبنية التحتية لم تنعكس إلا قليلاً لنزع فتيل الاستياء الاقتصادي العام الذي كان سبباً أساسياً للثورة السياسية قبل 7 أعوام إبّان "الربيع العربي".
وتنقل الصحيفة الأميركية عن خبير الشؤون المصرية في كلية "كينغز كوليدج" اللندنية، روبرت سبرينغبورغ، قوله إن "هذا ليس مالاً استثمارياً، بل مال سياسي، وتداعياته على المدى الطويل سلبية جداً على الصعيد الاقتصادي. فالتفكير قائم على إهدار الموارد في الوقت الذي يعيش البلد حالة من العوَز الشديد".
ومع ذلك، تعتقد الصحيفة أن دعم السيسي مشروعات كبيرة مثيرة للشكوك لن يكلفه خسارة الانتخابات، لأن السلطات الأمنية إما همّشت منافسيه الوحيدين الموثوق فيهم، أو زجّت بهم في السجون.
لكنها تقول: "حتى إن مسؤولين مرتبطين بتلك المشروعات يقولون إن هدفها إحداث حالة ظاهرية من الانتعاش الاقتصادي، أكثر من كونها حالة حقيقية، في أعقاب أزمة انتفاضة عام 2011 التي أنهت 3 عقود من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك".
وأشارت إلى أن حكومة السيسي افتتحت عام 2015 مشروع "قناة السويس الجديدة"، واعتبرته بمثابة رمز لولادة وطنية جديدة و"هدية مصر إلى العالم". وفي احتفال سخيّ على ضفاف القناة، هدرت الطائرات فوق الوفود الزائرة على طول القناة التي تمّت توسعتها الآن لتتيح حركة السفن في الاتجاهين وتقلص زمن انتظار الناقلات. وحضر الرئيس مبحراً إلى حفل الافتتاح، مرتدياً زياً عسكرياً كاملاً ونظارة شمسية.
إلا أن الصحيفة تقول إن "أرباح المشروع لا توازي الصخب الذي صاحب افتتاحه. ففي عام 2015، أعلن رئيس مجلس إدارة هيئة قناة السويس، الفريق مهاب مميش، أن التوسعة ستدرّ إيرادات أكثر من السابق بما يتجاوز الضعف، من 5 مليارات دولار سنوياً إلى أكثر من 13 ملياراً بحلول عام 2023".
لكن لغاية الآن، لم يتغير دخل القناة كثيراً عن المستويات المسجلة عام 2015، بحسب الصحيفة. وحتى آنذاك، كانت تتناقض مزاعم هيئة قناة السويس مع دراسة حكومية داخلية لم تُنشر أبداً، وكانت تتوقع عائداً استثمارياً متواضعاً لا يتجاوز 4.8% للمصريين الذين اشتروا شهادات استثمار لتمويل المشروع، وفقاً لما يقول الرئيس السابق للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، أحمد درويش.
وتنقل الصحيفة عن درويش قوله: "كانت هناك دوافع عديدة لإنجاز هذا المشروع. فالأمر لا يرتبط بالعائد فقط، بل جاء في وقت احتاج الرئيس السيسي إلى استعادة الشعب المصري الثقة"، مضيفاً أن فكرة "بلى نحن قادرون" كانت "بالغة الأهمية".
وتلفت الصحيفة إلى أن "مشروع القناة الذي فشل في بلوغ أهدافه المعلنة لم يُثنِ السيسي عن إطلاق مشروعات عملاقة لتشكل علامات فارقة لولايته الرئاسية. فقد كتب على "تويتر" الشهر الماضي، أنه أنجز 11 ألف مشروع، بمعدل 3 مشاريع يومياً منذ تسلّمه الرئاسة".
وأشعلت تلك التغريدة موجة من التسلية على شبكة الإنترنت، بحسب الصحيفة، عندما اكتشف مستخدمو موقع التواصل الاجتماعي الخطأ الحسابي، إذ إن 3 مشروعات يومياً على مدى 4 سنوات من ولاية السيسي الأولى تساوي فقط 4380 مشروعاً.
ومع ذلك، لم تُصحَّح تغريدة السيسي، كما لم يستجب مكتبه لطلب "وول ستريت جورنال" التعليق على الموضوع.
أما مشروع السيسي الآخر المتعلق بالعاصمة الإدارية الجديدة، فلا يزال غارقاً في التأجيل، وفقاً لتقرير الصحيفة، التي أشارت إلى تراجع شركة صينية عن اتفاق تشييد بقيمة 3 مليارات دولار نتيجة خلافات بشأن الأسعار، فيما لم يعلق مسؤولون رسميون في المشروع حالاً بناء لطلب من الصحيفة.
تضيف الصحيفة: "لا يزال محظوراً على عامة الناس الدخول إلى موقع المشروع الذي من المفترض أن يكون عاملاً محفّزاً للنمو الاقتصادي، وحلاً عصرياً لمشكلات شوارع القاهرة المزدحمة. ولم يتحقق شيء بعد من مشروع استصلاح الصحراء، أو من إنشاء محطة الطاقة النووية التي ستكون الأولى من نوعها في مصر".
وترى الصحيفة أن "انجذاب السيسي إلى مشروعات كبيرة، يحاكي الأنموذج الفرعوني لقادة مصر، والرامي إلى بناء معالم طموحة أثناء وجودهم في سدّة السلطة".
كما تنقل الصحيفة عن المخطط الحضري والخبير الاقتصادي المقيم في القاهرة، ديفيد سيمز، قوله: "إنه جزء من سلاح تستخدمه خصوصاً الدول الاستبدادية، لشرعنة أنظمتها وخلق أحلام قادرة على ملء فراغ الإعلام الممل".
وفي خمسينيات القرن العشرين، تشير الصحيفة إلى أن الرئيس جمال عبدالناصر أمر بإنشاء السد العالي في أسوان، واستطاع إنعاش عمليات الري وتوليد الكهرباء، لكنه شرّد أيضاً أكثر من 100 ألف نسمة. وعام 1997، أعلن حسني مبارك افتتاح "مشروع توشكى"، لكنه فشل حتى في تحقيق 10% من الأهداف التي خطط لها الرئيس الأسبق.
وفي مشروع توسعة قناة السويس الجديدة، تقول الصحيفة: "همّش الرئيس السيسي نصائح مستشارين اقتصاديين مدنيين، لمصلحة مقاربة عمودية تعطي الأفضلية للشركات المرتبطة بالجيش المصري".
ثم تنقل الصحيفة عن سبرينغبورغ قوله: "إنه رمز لسوء إدارة حكم البلد عموماً ولتعظيم نفوذ العسكر".
وهي تشير إلى أن القوات المسلحة المصرية سيطرت على جزء كبير من الاقتصاد على مدى عشرات الأعوام، من خلال تملكها كل شيء، من مصانع المعكرونة والإسمنت إلى الفنادق ومتاجر السوبرماركت.
وقد تمادت حكومة السيسي، بحسب الصحيفة الأميركية، إلى ما هو أبعد من ذلك، بسماحها للجيش بإنتاج المستحضرات الصيدلانية، مع منحه مجالاً أكبر للاستثمار في القطاع العقاري.
وفي تقييم نُشر الشهر الماضي، تشير الصحيفة إلى أن صندوق النقد الدولي خلُص إلى أن اقتصاد مصر هو في مرحلة تحوّل، مستشهداً بتحسن النمو واعتدال التضخم بوصفهما "إشارتين إلى الاستقرار".
لكن الصندوق لم ينسب أي فضل بارز في ذلك إلى مشروع توسعة قناة السويس. لكن الصندوق توقع في تقريره أن تنخفض رسوم القناة واقعاً، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، خلال السنوات الأربع المقبلة، من 2.2% هذا العام إلى 1.9% بحلول عام 2022.