اصطدمت الحكومة البريطانية بحائط الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي، حيث تنقسم حكومة ماي وحزبها حول الخيارين المطروحين: الشراكة الجمركية والتيسير الأشمل.
ويأتي ذلك مع تحذير الوزير المسؤول عن ملف بريكست، ديفيد ديفيس، من أن الخيار الأول الذي تفضله ماي غير قانوني.
وأدى غموض موقف ماي حول التسوية الجمركية التالية للخروج من الاتحاد الأوروبي إلى تأجيل هذا السؤال حتى بداية الشهر الماضي، مع اقتراب موعد القمة الأوروبية التي سيتم حسم الأمر فيها، والذي تزامن أيضاً مع سلسلة من الهزائم البرلمانية التي تلقتها الحكومة البريطانية في مجلس اللوردات في التصويت على قانون بريكست.
وتفضل ماي خيار الشراكة الجمركية والذي يسمح لبريطانيا بجمع الضرائب والعائدات الجمركية لصالح الاتحاد الأوروبي، وفرض تعرفتها الجمركية الخاصة، ولكن مع الالتزام بمعايير الاتحاد الأوروبي، وكل ذلك من خارج عضوية الاتحاد الجمركي والسوق الأوروبية المشتركة.
إلا أن ديفيس حذر ماي في رسالة بعث بها أمس إلى مكتب رئيسة الوزراء من أن هذا الخيار يعارض قانون التجارة الدولية، وشدد على أن المضي قدماً في هذا الخيار مع وجود دعاوى قضائية ضده، سيفضي إلى وضع لا يكون أمام بريطانيا فيه خيار سوى البقاء في الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي.
أما خيار التيسير الأشمل المفضل لدى مؤيدي بريكست المشدد في الحكومة والبرلمان البريطانيين، فيعتمد على استخدام التقنيات المتطورة في مراقبة الحدود، مما يساهم من تخفيض حجم البنية الحدودية مع الاتحاد الأوروبي ويسهل من حركة البضائع من وإلى بريطانيا.
ويواجه هذا الخيار أيضاً عقبات قانونية، حيث أنه يخالف قواعد منظمة التجارة العالمية والتي يفترض أن تشكل الأسس في التجارة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد بريكست.
وكان ديفيد ليدينغتون، الوزير في حكومة ماي، قد قال بأن الحكومة البريطانية تسعى للحصول على رأي قانوني حول كلا الخيارين بعد هذه التقارير التي تشكك في صحتهما قانونياً.
وقال في تصريح لهيئة الإذاعة البريطانية إن "ما تفعله أية حكومة أنه عندما نناقش أفكاراً حول علاقة جديدة مع الدول الأخرى، اتفاقيات جديدة، فإننا نقوم بالتأكد من صحتها قانونياً، وهو إجراء روتيني من جانب صناع القرار".
وتعد مسألة التسوية الجمركية مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست أعقد من تصريحات الوزير البريطاني، فانقسام الحكومة البريطانية حول المسألة وصل إلى حدّ اضطرت معه ماي إلى تأجيل البت في الموضوع لأكثر من شهر، مع تخمينات بأن لا تتم تسوية الأمر حتى أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
ومما يزيد تعقيد الأمر أن ماي تتعرض للابتزاز من قبل الكتلة البرلمانية المؤيدة للبريكست المشدد، والتي يتزعمها جاكوب ريس موغ، وعدد مؤيديها نحو 60 برلمانياً محافظاً، تحتاجهم ماي لتمرير قانون بريكست المقرر أن يعود إلى مجلس العموم الشهر المقبل، بعد أن تعرض لأربع عشرة هزيمة في مجلس اللوردات.
وكانت الهزائم المذكورة قد شجعت متمردي حزب المحافظين من مؤيدي بريكست مخفف من التحالف مع المعارضة البرلمانية التي يتزعمها حزب العمال، في محاولة لكبح جماح متطرفي بريكست.
ويجدر بالذكر أن حكومة ماي تمتلك أغلبية برلمانية بثلاثة أصوات فوق عتبة 325 والتي تشكل نصف عدد النواب في مجلس العموم، وذلك بعد تحالفها مع الحزب الاتحادي الديمقراطي الإيرلندي.
وتكمن المفارقة أن ماي قد تعتمد على أصوات متمردي حزبها والمعارضة العمالية لوقف خيار التيسير الأشمل الذي تعارضه، وتمرير خيارها المفضل في الشراكة الجمركية.
وتواجه ماي أيضاً عقبات في البرلمانات المحلية، إذ صوّت البرلمان الاسكتلندي بأغلبية جيدة لحجب موافقته على قانون بريكست، لأنه يحتوي فقرات تسمح للحكومة المركزية في لندن بفرض رغباتها على الحكومة المحلية في إدنبرة، ومن دون موافقة البرلمان الاسكتلندي. وعلى الرغم من أن هذا التصويت غير ملزم، إلا أنه يعقّد الأمور خلال الأسابيع المقبلة أمام حكومة ماي.