مع نهاية العام الماضي، لمّح بنك الاحتياط الفيدرالي الأميركي للمستثمرين والبنوك والشركات أنه ينوي الاستمرار في رفع معدلات الفائدة لكبح جماح الاقتصاد الأميركي الساخن، ليتمكن من تحقيق ما يطلق عليه "الهبوط الآمن"، بعد عقدٍ كامل من التحليق.
لكن بعد أقل من أسبوع من بداية العام الجديد، أعلن جيروم باول، رئيس البنك، استعداده للتمهل قبل رفع معدلات الفائدة، انتظاراً لما ستكشفه البيانات الصادرة عن الاقتصاد الأميركي، من أجل التأكد من وجود ضرورة حقيقية لرفع الفائدة قبل اتخاذ القرار.
وتسببت كلمات رئيس البنك وقتها في تغيير توقعات المستثمرين لتصبح "على الأغلب" رفعَين اثنين فقط في 2019، بإجمالي 50 نقطة أساس، بدلاً من أربع "رفعات".
وبعد اجتماعات البنك الفيدرالي في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، قرر البنك تثبيت معدلات الفائدة، وأعلن رئيسه ما فهم منه الصحافيون والمستثمرون أن مسلسل رفع معدلات الفائدة الأميركية ربما يكون قد وصل إلى نهايته.
ومع تعثر المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتصاعد أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قرر البنك الفيدرالي في اجتماعات مارس/ آذار تثبيت معدلات الفائدة، موضحاً أن "البيانات الصادرة أخيراً لا تبعث بإشارات للتحرك في أي اتجاه".
وبعد قرار البنك، والتصريحات التي تلته، أظهرت التحليلات أن أحد عشر مسؤولاً، من أصل سبعة عشر يلعبون دوراً في تحديد معدلات الفائدة في البنك الفيدرالي، لا يرون ضرورة لرفع معدلات الفائدة خلال العام الحالي، وأرجع مسؤولو البنك ذلك إلى عدم وصول معدل التضخم لأكثر من مستواه المستهدف عند 2%، مع ظهور دلائل على تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي، ومنها تباطؤ إنفاق الأسر الاستهلاكي، وانخفاض الإنفاق الاستثماري للشركات.
وبعد انتهاء اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، والتي عقدت في واشنطن خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، وانطلقت منها تحذيرات شديدة من حدوث تباطؤ في الاقتصاد الأميركي، قرر البنك الفيدرالي تثبيت معدل الفائدة على أمواله، خلال الأسبوع الأول من مايو/ أيار، مشيراً إلى وجود بعض العلامات المقلقة في مؤشرات الاقتصاد خلال الربع الأول من العام.
وقال مسؤولون في البنك إنهم قد يتجهون لتخفيض معدلات الفائدة إذا أزعجهم استمرار معدل التضخم عند مستوياته المتدنية، ضاربين المثل بما فعله البنك الفيدرالي في عامي 1995 و1998، عندما خفّض معدلات الفائدة "تخفيضات احترازية"، حتى لو تراجعت المخاوف من الدخول في ركود.
وقبل نهاية الشهر، أعلن ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس البنك الفيدرالي، أن البنك منفتح على تخفيض معدلات الفائدة الأميركية، إذا ساءت أحوال الاقتصاد، على عكس التوقعات في الفترة القادمة.
وزادت التوقعات مع بداية يونيو/ حزيران بتخفيض الفائدة، بل وربما اتجاه البنك الفيدرالي لاستخدام أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، التي لها تأثير تخفيض معدلات الفائدة نفسه، مثل التيسير الكمي، واستهداف معدلات عائد محددة، ومعدلات فائدة سلبية لبعض الأدوات، بعد تعثر المفاوضات بين الاقتصادين الأكبر في العالم، وانتهائها من دون الوصول إلى اتفاق، أو الإعلان عن موعد لاستئنافها.
وفي أحدث التطورات، لمح رئيس البنك الفيدرالي، مطلع الشهر الجاري، في شهادته نصف السنوية أمام الكونغرس، إلى توجه البنك لخفض الفائدة، خلال اجتماعاته المقرر لها يومي 30 – 31 يوليو/ تموز (أمس واليوم)، مؤكداً استعداد البنك لحماية الاقتصاد الأميركي والعالمي من الركود.
وأكد باول أن العديد من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية رأوا في اجتماعهم الأخير أن هناك ضرورة لاتباع سياسات نقدية "أكثر تكيفاً" مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، قبل أن يتم الإعلان، يوم الجمعة الماضي، عن تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي، خلال الربع الثاني من العام، ليصل إلى معدل سنوي 2.1%، مقارنةً بمعدل 3.1% تم تحقيقها العام الماضي، الأمر الذي جاء تأكيداً لتوجه البنك الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة، وهو المتوقع الإعلان عنه مع انتهاء اجتماعات البنك اليوم الأربعاء.
اقــرأ أيضاً
وفي حين تشير أسواق المشتقات الأميركية إلى احتمالات بنسبة 80% للإعلان عن خفض معدلات الفائدة بخمسٍ وعشرين نقطة أساس، لا تستبعد العشرين بالمائة المتبقية تخفيض معدلات الفائدة، وإنما تتوقع أن يكون التخفيض بخمسين نقطة أساس!
يهدف السرد التفصيلي السابق لكيفية تحويل دفة توقعات المستثمرين من رفع الفائدة إلى تخفيضها في فترة ستة أشهر إلى توضيح أهمية إعلان البنك المركزي في أي دولة، على فترات متقاربة، عن رؤيته لتطورات الأوضاع الاقتصادية فيها، مع التلميح إلى أدواته المتوقع استخدامها في الفترات المقبلة. هذا النوع من التواصل الواضح والمنتظم، بين صانعي السياسات النقدية والمتأثرين بها يسمح بالتخطيط السليم وتجنب الخسائر، وهما من أهم وسائل جذب المستثمرين الأجانب لأي بلد، ضمن فوائد أخرى عظيمة.
لكن في بلدان أخرى، تغيب تصريحات المسؤولين عن وضع السياسات النقدية، وتقتصر على البيانات التي تعقب اجتماعات البنك المركزي، والتي تخرج في صورة نمطية مكررة، يتم تعديل التواريخ فيها فقط، دون أي إشارات واضحة عن رؤية أهم الجهات المؤثرة في – والمسؤولة عن – النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم والتوظيف، بصورة تعكس إما جهل أو عدم احترام للمواطنين قبل المستثمرين، حتى أصبحت سياسة "مش عايز كلام في الموضوع ده تاني" هي السائدة في الاقتصاد المصري، بعدما ضربت السياسة!
لم أسمع (شخصياً) تصريحات معتمدة أو مدعمة ببيانات من مسؤولي السياسة النقدية في مصر خلال شهور طويلة مضت، ربما منذ التعليق الشهير الخاص بتوقعات ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، والذي تم وصفه بعد فترة بأنه كان نوعاً من "الهزار".
وتتأخر بيانات الدين الخارجي لفترات تتجاوز الأشهر الستة، ولا يتم الحديث عن الدين الداخلي إلا كنسبة من الناتج المحلي، وفي غياب تام للرقم المعروف لديهم بصورة مؤكدة، الأمر الذي يشعرني أحياناً بأنهم "عاملين لنا مفاجأة"، ونحن شعب لا يحب المفاجآت بطبعه!
لكن بعد أقل من أسبوع من بداية العام الجديد، أعلن جيروم باول، رئيس البنك، استعداده للتمهل قبل رفع معدلات الفائدة، انتظاراً لما ستكشفه البيانات الصادرة عن الاقتصاد الأميركي، من أجل التأكد من وجود ضرورة حقيقية لرفع الفائدة قبل اتخاذ القرار.
وتسببت كلمات رئيس البنك وقتها في تغيير توقعات المستثمرين لتصبح "على الأغلب" رفعَين اثنين فقط في 2019، بإجمالي 50 نقطة أساس، بدلاً من أربع "رفعات".
وبعد اجتماعات البنك الفيدرالي في يناير/ كانون الثاني من العام الحالي، قرر البنك تثبيت معدلات الفائدة، وأعلن رئيسه ما فهم منه الصحافيون والمستثمرون أن مسلسل رفع معدلات الفائدة الأميركية ربما يكون قد وصل إلى نهايته.
ومع تعثر المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وتصاعد أزمة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، قرر البنك الفيدرالي في اجتماعات مارس/ آذار تثبيت معدلات الفائدة، موضحاً أن "البيانات الصادرة أخيراً لا تبعث بإشارات للتحرك في أي اتجاه".
وبعد قرار البنك، والتصريحات التي تلته، أظهرت التحليلات أن أحد عشر مسؤولاً، من أصل سبعة عشر يلعبون دوراً في تحديد معدلات الفائدة في البنك الفيدرالي، لا يرون ضرورة لرفع معدلات الفائدة خلال العام الحالي، وأرجع مسؤولو البنك ذلك إلى عدم وصول معدل التضخم لأكثر من مستواه المستهدف عند 2%، مع ظهور دلائل على تباطؤ نمو النشاط الاقتصادي، ومنها تباطؤ إنفاق الأسر الاستهلاكي، وانخفاض الإنفاق الاستثماري للشركات.
وبعد انتهاء اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، والتي عقدت في واشنطن خلال شهر إبريل/ نيسان الماضي، وانطلقت منها تحذيرات شديدة من حدوث تباطؤ في الاقتصاد الأميركي، قرر البنك الفيدرالي تثبيت معدل الفائدة على أمواله، خلال الأسبوع الأول من مايو/ أيار، مشيراً إلى وجود بعض العلامات المقلقة في مؤشرات الاقتصاد خلال الربع الأول من العام.
وقال مسؤولون في البنك إنهم قد يتجهون لتخفيض معدلات الفائدة إذا أزعجهم استمرار معدل التضخم عند مستوياته المتدنية، ضاربين المثل بما فعله البنك الفيدرالي في عامي 1995 و1998، عندما خفّض معدلات الفائدة "تخفيضات احترازية"، حتى لو تراجعت المخاوف من الدخول في ركود.
وقبل نهاية الشهر، أعلن ريتشارد كلاريدا، نائب رئيس البنك الفيدرالي، أن البنك منفتح على تخفيض معدلات الفائدة الأميركية، إذا ساءت أحوال الاقتصاد، على عكس التوقعات في الفترة القادمة.
وزادت التوقعات مع بداية يونيو/ حزيران بتخفيض الفائدة، بل وربما اتجاه البنك الفيدرالي لاستخدام أدوات السياسة النقدية غير التقليدية، التي لها تأثير تخفيض معدلات الفائدة نفسه، مثل التيسير الكمي، واستهداف معدلات عائد محددة، ومعدلات فائدة سلبية لبعض الأدوات، بعد تعثر المفاوضات بين الاقتصادين الأكبر في العالم، وانتهائها من دون الوصول إلى اتفاق، أو الإعلان عن موعد لاستئنافها.
وفي أحدث التطورات، لمح رئيس البنك الفيدرالي، مطلع الشهر الجاري، في شهادته نصف السنوية أمام الكونغرس، إلى توجه البنك لخفض الفائدة، خلال اجتماعاته المقرر لها يومي 30 – 31 يوليو/ تموز (أمس واليوم)، مؤكداً استعداد البنك لحماية الاقتصاد الأميركي والعالمي من الركود.
وأكد باول أن العديد من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية رأوا في اجتماعهم الأخير أن هناك ضرورة لاتباع سياسات نقدية "أكثر تكيفاً" مع الأوضاع الاقتصادية الحالية، قبل أن يتم الإعلان، يوم الجمعة الماضي، عن تباطؤ نمو الاقتصاد الأميركي، خلال الربع الثاني من العام، ليصل إلى معدل سنوي 2.1%، مقارنةً بمعدل 3.1% تم تحقيقها العام الماضي، الأمر الذي جاء تأكيداً لتوجه البنك الفيدرالي لخفض معدلات الفائدة، وهو المتوقع الإعلان عنه مع انتهاء اجتماعات البنك اليوم الأربعاء.
يهدف السرد التفصيلي السابق لكيفية تحويل دفة توقعات المستثمرين من رفع الفائدة إلى تخفيضها في فترة ستة أشهر إلى توضيح أهمية إعلان البنك المركزي في أي دولة، على فترات متقاربة، عن رؤيته لتطورات الأوضاع الاقتصادية فيها، مع التلميح إلى أدواته المتوقع استخدامها في الفترات المقبلة. هذا النوع من التواصل الواضح والمنتظم، بين صانعي السياسات النقدية والمتأثرين بها يسمح بالتخطيط السليم وتجنب الخسائر، وهما من أهم وسائل جذب المستثمرين الأجانب لأي بلد، ضمن فوائد أخرى عظيمة.
لكن في بلدان أخرى، تغيب تصريحات المسؤولين عن وضع السياسات النقدية، وتقتصر على البيانات التي تعقب اجتماعات البنك المركزي، والتي تخرج في صورة نمطية مكررة، يتم تعديل التواريخ فيها فقط، دون أي إشارات واضحة عن رؤية أهم الجهات المؤثرة في – والمسؤولة عن – النمو الاقتصادي ومعدلات التضخم والتوظيف، بصورة تعكس إما جهل أو عدم احترام للمواطنين قبل المستثمرين، حتى أصبحت سياسة "مش عايز كلام في الموضوع ده تاني" هي السائدة في الاقتصاد المصري، بعدما ضربت السياسة!
لم أسمع (شخصياً) تصريحات معتمدة أو مدعمة ببيانات من مسؤولي السياسة النقدية في مصر خلال شهور طويلة مضت، ربما منذ التعليق الشهير الخاص بتوقعات ارتفاع قيمة الجنيه أمام الدولار، والذي تم وصفه بعد فترة بأنه كان نوعاً من "الهزار".
وتتأخر بيانات الدين الخارجي لفترات تتجاوز الأشهر الستة، ولا يتم الحديث عن الدين الداخلي إلا كنسبة من الناتج المحلي، وفي غياب تام للرقم المعروف لديهم بصورة مؤكدة، الأمر الذي يشعرني أحياناً بأنهم "عاملين لنا مفاجأة"، ونحن شعب لا يحب المفاجآت بطبعه!