يستمر الغموض والتوجّس في قطاع الأعمال السوري، بعد تداعيات الخلاف بين رئيس النظام بشار الأسد وخاله محمد مخلوف، والذي أسفر عن "تبدل وتبديل" بمواقع القرار الاقتصادي ومديري شركات اقتصادية كبرى، كشركة الاتصالات المملوكة لرامي مخلوف "سيرتيل" وجمعية "البستان" بمدينة اللاذقية، وإيلاء إدارتهما، بحسب مصادر من دمشق، إلى زوجة رئيس النظام، أسماء الأسد.
وتشير المصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن ثمة تسويات تمت بالفعل، بعد تغريم نحو ثلاثين رجل أعمال بدفع مبالغ مالية بالدولار، مقابل وقف متابعة التحقيق معهم بتهم الفساد والكسب غير المشروع والاستفادة من ظروف الحرب، مذكرين أنها الطريقة ذاتها التي اعتمدها ولي عهد السعودية محمد بن سلمان "لكن بنسخة تايوانية مقلدة".
وبحسب المصادر الخاصة، فقد تم "إيداع الدولارات بمصارف سورية وأعطى بشار الأسد شخصياً قرار تحريكها لرئيس الحكومة عماد خميس، الذي دعا إلى اجتماع اللجنة الاقتصادية أول من أمس وأوعز لوزيري المال والاقتصاد وحاكم مصرف سورية المركزي، لاتخاذ إجراءات من شأنها تحسين سعر صرف الليرة التي تهاوت إلى 693 ليرة، قبل أن تتعافى بعد ملاحقة شركات الصرافة وتمويل بعض التجار والأهم الأثر النفسي بالسوق النقدية".
وأضافت أن من شروط التسوية مع رجال الأعمال، فضلاً عن دفع مبالغ تتراوح بين مائة ومائة وخمسين مليون دولار، على كل واحد، أن يشيعوا بالوسط الاقتصادي أخباراً من شأنها طمأنة السوريين بعدم انهيار عملتهم وينفوا أي خلاف من الدولة"، فيما أصدر وسيم قطان، أهم الملاحقين، بياناً أكد خلاله وقوفه بوجه زحف الدولار، داعياً إلى تحويل بيانه لمبادرة يتبناها رجال الأعمال.
وكشفت المصادر من دمشق أن ثمن حمولة ناقلة النفط الإيرانية "أدريان داريا 1" التي احتجزتها بريطانيا في يوليو/ تموز الفائت، قبالة سواحل جبل طارق، وتم الإفراج عنها في 15 أغسطس/ آب الفائت، تحملها رجل الأعمال سامر الفوز "وهذا مؤكد وهو من اشترى الشحنة". وتم تفريغ حمولة الناقلة بميناء طرطوس ونقلها إلى مصفاتي حمص وبانياس.
كذلك فرض بشار الأسد أمس على 6 رجال أعمال، كانوا ضمن المتهمين أن "يدفع كل رجل أعمال مبدياً مائة مليون دولار لمكتب تسويق النفط بدمشق، ويبقى المبلغ ديناً على الدولة".
في المقابل، رأى مسؤول سوري سابق، خلال اتصاله مع "العربي الجديد"، أن بعض ما يقال "دخل بخانة الشائعات" والقصة برأيه سياسية محضة، تتعلق بترتيب البيت الداخلي للأسرة الحاكمة.
ويضيف: "ربما ما قيل عن "محاولات لعب واتصال رامي مخلوف مع الروس ليكون بديلاً عن بشار الأسد صحيح"، ولكن الصحيح والأكيد برأيه أن أسماء الأسد تنوب وبالتدرج عمن وصفه برئيس الدولة العميقة، محمد مخلوف، وتجهيز السيدة أسماء لتسوّق للواجهة، وهذا ما استدعى كل تلك التدابير التي أخذت شكلاً اقتصادياً متعمداً، لإبعاد الضوء عن الخلافات السياسية التي عصفت بأسرة الأسد، بعد تمادي محمد مخلوف وأولاده، سياسياً وليس مالياً فقط، مستدلاً بما حصل بجمعية البستان وتتبيعها كاملاً إلى الأمانة السورية للتنمية التي تديرها أسماء الأسد.
وأشار المسؤول السوري السابق إلى تزامن ما سماه تغلغل محمد مخلوف بالدولة، بالتزامن مع وفاة حافظ الأسد في العاشر من يونيو/ حزيران عام 2000 "وقتها وخلال دفن حافظ الأسد، تم إحضار عربة اتصالات من لبنان، لأن القرداحة لم يكن فيها أبراج، ليتم الاتصال وإعلان تجريب مشروع سيرتيل وأول استثمار مالي علني لمحمد مخلوف".
ولم يزل محمد مخلوف، بحسب المسؤول السوري، رئيس الدولة العميقة، حتى قبل شهر، وقت أوعز الروس إلى بشار الأسد ليأخذ التدابير الاحترازية "لأن السباق المقبل على الرئاسة، ربما يكون بين بشار الأسد ورامي مخلوف وأسماء الأسد".
وختم المسؤول بأن ما يُقال حول تفكيك "مملكة مخلوف المالية" هو حقيقة ويجري بخطى متتالية، "ولكن ليس بالشكل الذي يسوّقه الإعلام" لأن الأمر برأي المسؤول ليس بتلك البساطة والسهولة وينتهي بإقامة جبرية أو تغيير إدارات، لأن معظم أموال الأسد يشغلها محمد مخلوف وأبناؤه، وبشركات واستثمارات معظمها خارج سورية.
وعانت الليرة السورية من تهاوٍ على وقع "الشائعات"، فهوى سعرها إلى نحو 700 ليرة مقابل الدولار، ليل الأحد الماضي، قبل أن تتعافى قليلاً، أمس واليوم، ويصل سعر الدولار إلى نحو 620 ليرة.
ويقول المحلل النقدي نوار طالب لـ"العربي الجديد" إنه يرجح استمرار تحسن سعر صرف الليرة، بعد محاولات تبديد المخاوف بالسوق السورية وبدء ضخ الدولار بشكل غير علني، أي ليس عبر جلسات تدخل كما السابق، وتكثيف الدوريات الأمنية بدمشق لملاحقة شركات ومكاتب الصرافة.
ويستدرك طالب: "لكن عودة الليرة إلى ما دون 600 ليرة أعتقد أنها مستحيلاً، بل أرجح أن ثمة قراراً دولياً لوصول الدولار إلى أكثر من ألف ليرة، لكن السوق اليوم بحالة ارتداد سريعة وستعاود الليرة التهاوي بعد التدخل الأمني وضخ بعض الكتل الدولارية".
ويضيف المحلل السوري: "لا يوجد ولا أي سبب يحمي الليرة من الانهيار، ففضلاً عن آثار الحصار الاقتصادي المتزايد وتراجع التحويلات الخارجية، حتى للفصائل المدعومة من إيران، وشح المصرف المركزي من العملات الصعبة وتبديد احتياطي مقدر بنحو 18 مليار دولار قبل الثورة، وبأدلة كثيرة، منها عدم التدخل المباشر لحماية الليرة كما كان معتمداً، أو حتى تمويل التجارة وشراء المشتقات النفطية، جاء العامل النفسي والسياسي الذي يدفع كل مدخر ليتجه نحو العملات الأجنبية والذهب، خاصة بعد ما نسمعه من فرض إتاوات على رجال الأعمال "بعض الأحاديث بالوسط الاقتصادي السوري تسأل، هل ما يمنع بشار الأسد من مصادرة الممتلكات الشخصية أو تأميم الشركات الخاصة".
وحول أثر ما يحدث من مخاوف بقطاع الأعمال السوري، يختم طالب لـ"العربي الجديد" ستكون لذلك آثار خطرة، سواء على رئيس الدولة الذي خسر ويخسر كل من كان حوله من رجال أعمال، موّلوا بعض متطلبات الحرب وخرقوا العقوبات الاقتصادية، وهو ما يسمى تفتت الكتلة الصلبة المالية حول بشار الأسد، خاصة بعد استدعائهم بطريقة غير لائقة وفتح تحقيقات معهم، قبل أن يفرض عليهم مبالغ مالية.
خسر الأسد ومنذ مطلع الثورة أكبر المستثمرين ورجال الأعمال، مثل محمد شرباتي الذي استثمر بمصر وتركيا، ومن ثم عماد غريواتي رئيس غرفة الصناعة السابق، وخسر فاروق الجود وفراس طلاس وراتب الشلاح، واليوم يخسر سامر الفوز ومحمد حمشو وذو الهمة شاليش ومازن سمير الترزي وخالد حبوباتي ووسيم قطان ونبيل الكزبري، وهؤلاء أهم أصحاب المال بسورية.