كان لافتاً موقف روسيا من انقلاب العسكر في السودان والذي عبر عنه نائب المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، ديميتري بوليانسكي يوم 27 الشهر الماضي حيث أكد أن ما جرى في السودان "قد يكون انتقالا للسلطة وليس انقلابا عسكريا"، متهما الرافضين لسيطرة الجيش علي مقاليد السلطة في الخرطوم بـ"ارتكاب أعمال عنف".
لكن وفق محللين فإن انقلاب قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان، على المكون المدني في الحكومة الانتقالية الذي نفذ يوم 25 أكتوبر/ تشرين الأول لا ينفصل عن الصراع الدولي على الموارد في أفريقيا، والنفوذ الجيوسياسي في البحر الأحمر، حيث إن السودان من الدول الغنية بالثروات الطبيعية والمياه والأراضي وتتمتع بموقع استراتيجي يسيل له لعاب الدول الكبرى في عصر تتزايد فيه الحاجة للأراضي الزراعية وموارد المياه والتنافس على السيطرة على المعابر المائية الاستراتيجية لمرور التجارة والطاقة والسلع.
السودان من الدول الغنية بالثروات الطبيعية والمياه والأراضي وتتمتع بموقع استراتيجي يسيل له لعاب الدول الكبرى
ويقول خبراء روس إن حرص موسكو على دعم انقلاب البرهان جاء على أساس أنه جزء من استراتيجية متكاملة وضعتها موسكو لخدمة مصالحها الاقتصادية في أفريقيا منذ بداية القرن الجاري.
ولاحظ الخبير في الشؤون الأفريقية بمجلس التجارة والتنمية الاقتصادية الروسي، كيستر كين كوليميغا، أن روسيا تضع عينها على السودان منذ سنوات حكم الرئيس عمر البشير، حيث كانت موسكو ثاني أكبر مورد للأسلحة في السودان ولديها شركات تعمل في التعدين والذهب ولديها كذلك شركة " فاغنر" التي تقوم بتدريب مليشيا "الدعم السريع".
وبحسب كوليميغا، فإن روسيا كانت تطمح إلى أن يكون لها موطئ قدم في ميناء بورتسودان تنافس به النفوذ الأميركي في القارة الأفريقية والبحر الأحمر.
في ذات الشأن، يقول الخبير الروسي، نيكولا ميكوفيك، في تحليل بصحيفة "آسيا تايمز" نشر قبل أيام، إن مصالح الطاقة تبدو جلية في الاتفاقية الدفاعية الروسية التي وقعتها الحكومة الروسية مع قائد الجيش السوداني الفريق عبد الفتاح البرهان في ديسمبر / كانون الأول الماضي.
ويرى ميكوفيك، أن موسكو التي خسرت نفوذها الجيوسياسي في أوكرانيا وجورجيا وكوبا، تسعى إلى بناء نفوذ عالمي مجدداً بعد سقوط الإمبراطورية السوفييتية.
ويشير إلى أن روسيا تستهدف من إنشاء قاعدة عسكرية في بورتسودان، التدخل المباشر في القضايا الأمنية بمنطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، وتلقائياً يكون لها تأثير في قضايا الطاقة في منطقة حيوية وغنية بالنفط والغاز الطبيعي والسيطرة على ممر السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر.
خبير روسي: موسكو التي خسرت نفوذها الجيوسياسي في أوكرانيا وجورجيا وكوبا، تسعى إلى بناء نفوذ عالمي مجدداً بعد سقوط الإمبراطورية السوفييتية
في ذات الشأن، يرى البروفسور سيرغي سيريغيف الأستاذ بجامعة روسيا للدراسات الإنسانية، أن موسكو ترى أن بقاء المكون العسكري في الحكم سيخدم مصالحها.
ويقول "إن أية تطورات مستقبلية بالسودان ستصب في خدمة مصالح روسيا، ولكن سيكون مفيداً أكثر لروسيا إذا بقي الجيش في الحكم، لأن ذلك سيقلل من نفوذ الحكومات الغربية في السودان... وكلما ضعف النفوذ الغربي في دولة ما، كان ذلك مفيداً لخدمة المصالح الاقتصادية الروسية".
ووفق تحليل بمركز الدراسات الأوروبية الآسيوية "يورو آشيا"، فإن هنالك شبه اتفاق بين معظم الأكاديميين الروس مع وجهة نظر البروفسور سيريغيف.
وعلى الرغم من أن السودان ليس دولة نفطية كبيرة، حيث إن الاحتياطي النفطي المكتشف في السودان يقدر بنحو 5 مليارات برميل ويتركز الخام الأسود في دولة جنوب السودان، ولكن يرى وزير سوداني في حكومة جعفر نميري أن السودان غني بالنفط، غير أنه لم يجد الفرصة لإجراء لمسح والكشوفات التي تمكنه من استخراج ثروته النفطية بسبب النزاعات والحروب الأهلية والفساد السياسي والإداري.
وبعيدا عن وجهة النظر الروسية فإن محللين محايدين يرون أن موسكو دعمت انقلاب البرهان لتحقيق عدة أهداف استراتيجية، أبرزها، التواجد في الموقع الاستراتيجي للسودان لتوسيع نفوذها في أفريقيا ومنطقة البحر الأحمر، ومنافسة أميركا على النفوذ في منطقة الخليج في المستقبل، واستغلال الثروات النفطية والمعدنية في السودان، وتنشيط شركات الإنشاءات والهندسة في احتكار مشاريع البنية التحتية التي يحتاجها السودان بعد الاستقرار وتقدر بعشرات مليارات الدولارات في بلد واسع ومترامي الأطراف ويحتاج للطرق والجسور والمطارات.
وكانت موسكو قد وقعت في ديسمبر / كانون الأول الماضي اتفاقية دفاعية مع قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان تمتد لـ 25 عاماً. وتتضمن الاتفاقية إنشاء قاعدة بحرية في ميناء بورتسودان على البحر الأحمر، كما تضم القاعدة أربع سفن حربية و300 فرد من أفراد القوات الروسية.
كذلك تتضمن الاتفاقية الدفاعية منح الجيش الروسي الحرية الكاملة في استخدام المطارات العسكرية السودانية وإمداد الجيش السوداني بالأسلحة والذخيرة. وتجعل الاتفاقية من السودان نافذة لتحركات الجيش الروسي في أفريقيا وخدمة مصالحه النفطية والمعدنية في ليبيا ودول أفريقيا جنوب الصحراء.
ويرى الخبير الروسي، نيكولا ميكوفيك، أن هذه القاعدة البحرية ستزيد من النفوذ الروسي وسيكون لها دور رئيسي في نقل شحنات الأسلحة والمعدات عبر الشحن البحري الرخيص وليس عبر الشحن الجوي المكلف.
وكانت تقارير قد ذكرت في إبريل / نيسان الماضي أن الحكومة الانتقالية التي يقودها البرهان ألغت الاتفاقية العسكرية تحت ضغط من الولايات المتحدة.
لكن البروفسور صامويل راماني الأستاذ بجامعة أوكسفورد يقول إن هذه التقارير غير صحيحة، لأن الحكومة الروسية نفت ذلك، كما أظهرت وسائل إعلام سودانية وصول سفينة حربية روسية إلى ميناء بورتسودان في الأول من مايو/أيار الماضي.
ويرى البروفسور ميكوفيك أن المكون العسكري في الحكومة الانتقالية حريص على بناء علاقات قوية مع روسيا خلافاً للمكون المدني الذي تربطه علاقات قوية مع الديمقراطيات الغربية في أميركا والولايات المتحدة.
من جانبه يقول الخبير الأميركي جوجيوكا فيورو المتخصص في المخاطر الجيوسياسية، إن إدارة جو بايدن تدعم بقوة التحول الديمقراطي في السودان وإعادة البلاد إلى دائرة النفوذ الغربي، وربما لن تسمح لروسيا ببناء قاعدة عسكرية في ميناء بورتسودان وتهديد مصالحها في منطقة حيوية لنفوذها في منطقة الشرق الأوسط.