استمع إلى الملخص
- يعاني قطاع العقارات من ركود منذ 2020 بسبب سياسات "الخطوط الحمراء الثلاثة"، بينما قد تؤثر الرسوم الجمركية الأميركية على التجارة، مع إمكانية تعويضها جزئيًا بزيادة التجارة الإقليمية.
- تعزيز الثقة المحلية وزيادة الإنفاق الاستهلاكي ضروريان لدفع النمو، لكن هناك تحديات في إقناع الأثرياء بإعادة أموالهم، مما يثير شكوكًا حول تحقيق هدف النمو الاقتصادي بنسبة 5% لعام 2025.
تأمل بكين أن تؤتي تحركاتها الأخيرة لتحفيز الاقتصاد الصيني ثمارها هذا العام، إلا أن بعض المؤشرات بينت وجود ثلاثة عوامل أساسية يمكن لها أن تهز ثاني أكبر اقتصاد في العالم في عام 2025. وتواجه الصين أزمة مستمرة في قطاع العقارات، وضغوطاً انكماشية تفاقمت بسبب ضعف ثقة المستهلك، وشبح زيادات في الرسوم الجمركية التي تعهد بها الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب. وتلقي هذه التحديات بظلالها على آفاق نمو الاقتصاد الصيني وانتعاشه، في ظل منافسة يتوقع أن تكون شرسة مع أكبر اقتصادات العالم، خلال الفترة القادمة.
ولم يتمكن الاقتصاد الصيني من استعادة زخمه المتوقع بعد أن تخلت الحكومة عن سياسات الإغلاق الصارمة لمكافحة الجائحة في نهاية عام 2022. وفي أواخر العام الماضي، بدأت الحكومة الصينية في تنفيذ واحدة من أجرأ حزم التحفيز الاقتصادي منذ عام الجائحة، وهي الحزمة التي استهدفت تعزيز الاقتراض، وتخفيف الضغوط على المستهلكين، وتشجيع الإنفاق المحلي.
الاقتصاد الصيني وقطاع العقارات
في قطاع العقارات، ما زال الاقتصاد الصيني يواجه ركوداً متواصلاً منذ سنوات، بدأ في عام 2020، عندما فرضت الحكومة سياسات "الخطوط الحمراء الثلاثة" التي تهدف إلى كبح الاقتراض المفرط والمضاربة. وأدت هذه السياسات إلى أزمة سيولة، إذ لم يتمكن المطورون من إكمال مشاريعهم، مما أضر بثقة المستهلكين.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت أسعار المنازل انخفاضاً بمعدل هو الأبطأ منذ 17 شهراً، الأمر الذي أظهر استقراراً هشاً في السوق. وكانت الحزمة التحفيزية التي أُعلنت في سبتمبر/أيلول قد تضمنت إجراءات لدعم سوق العقارات المتضرر، إذ تعهد محافظ بنك الشعب الصيني، بان غونغ شنغ، بخفض أسعار الفائدة على القروض العقارية القائمة. ويهدف هذا الإجراء إلى توفير دخل إضافي لما يقارب 150 مليون أسرة صينية.
ويكمن نحو 70% من ثروات الأسر في الصين في العقارات، بما في ذلك الشقق غير المكتملة التي ينتظرها المشترون منذ سنوات. ومن المتوقع أن تخفف التدابير التحفيزية من الأعباء التي تواجهها الأسر في تلك السوق، ما قد يعيد الثقة إلى الاقتصاد الصيني برمته، على الرغم من أن وتيرة التعافي لا تزال غير مؤكدة.
التجارة
أما فيما يتعلق بالتجارة، فقد تعهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بفرض رسوم جمركية تصل إلى 60% على الواردات الصينية، مبرراً ذلك بتشبع السوق وتهديد الصناعات الأميركية. وعلى الرغم من ذلك، أشار فنسنت ديليارد، مدير الاستراتيجية الكلية العالمية في شركة StoneX Group، إلى أن مثل هذه الرسوم سيكون لها تأثير طفيف على آفاق النمو في الاقتصاد الصيني. وأوضح أن حصة الولايات المتحدة من الواردات الصينية تمثل أرقاماً في خانة الآحاد، وبالتالي فإن التأثير سيكون محدوداً.
ما زال الاقتصاد الصيني يواجه ركوداً متواصلاً منذ سنوات، بالتزامن مع فرض الحكومة سياسات "الخطوط الحمراء الثلاثة" التي تهدف إلى كبح الاقتراض المفرط والمضاربة
ونقلت مجلة نيوزويك الأميركية عن ديليارد أيضاً إشارته إلى أن هذه الرسوم قد يتم تعويض تأثيرها جزئياً من خلال زيادة التجارة الإقليمية، إذ يمكن أن تقوم دول مثل فيتنام وجنوب شرق آسيا بمعالجة الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة. ومع ذلك، حذرت الصين من أن مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى تعطيل سلاسل التوريد العالمية، وستجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للمستهلكين الأميركيين، من خلال رفع معدلات التضخم.
وفي تصريح له، قال المتحدث باسم السفارة الصينية في الولايات المتحدة، ليو بنغيو، إن الصين تعتقد أن جوهر التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة يقوم على المنفعة المتبادلة والمكسب للجميع، مؤكداً أنه لا يوجد فائز في الحروب التجارية أو حروب الرسوم الجمركية. ودعا الولايات المتحدة إلى احترام قواعد التجارة الدولية وتهيئة بيئة جيدة للتعاون بين البلدين، مع تأكيد أن الصين ستحمي بقوة سيادتها وأمنها ومصالحها التنموية.
الإنفاق الاستهلاكي
وفيما يتعلق بإنفاق المستهلك، شدد ديليارد على أن تعزيز الثقة المحلية سيكون له تأثير أكبر بكثير على نمو الاقتصاد الصيني. وأشار إلى أن الاستهلاك الخاص، الذي يمثل 50% فقط من الناتج المحلي الإجمالي، يمثل أكبر مصدر للنمو غير المستغل. وأوضح أن العديد من الصينيين الأثرياء والمصدرين يحتفظون بأموالهم في الخارج، كما يتضح من الزيادة الكبيرة في الودائع بالدولار الأميركي في سنغافورة ودبي وهونغ كونغ.
المتحدث باسم السفارة الصينية في الولايات المتحدة، ليو بنغيو: "الصين تعتقد أن جوهر التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والولايات المتحدة يقوم على المنفعة المتبادلة والمكسب للجميع، مؤكداً أنه لا يوجد فائز في الحروب التجارية".
وأشار إلى أن إقناع هؤلاء الأفراد بإعادة جزء من هذه الأموال إلى داخل البلاد يمكن أن يخلق دورة إيجابية من ارتفاع الثقة وزيادة قيمة الأصول. وأضاف أنه من المتوقع أن يتضح تأثير التدابير الجديدة بشكل أكبر بعد عطلة رأس السنة الصينية المقبلة، التي تُعتبر موسم الذروة للاستهلاك والسفر.
وكتبت ماري غالاغر، عميدة مدرسة كي أوف للشؤون الدولية في جامعة نوتردام، في تحليل لها نشر هذا الأسبوع، أن المشكلة الأكثر إلحاحاً في الاقتصاد الصيني تكمن في النمو البطيء. وأوضحت أن القيود الضرورية على التوسع القائم على الاستثمار وقطاع العقارات قد أغلقت مسارات النمو التقليدية، بينما لم يسجل استهلاك الأسر في الصين الانتعاش المتوقع بعد انتهاء سياسة "صفر كوفيد" الصارمة التي فرضتها بكين.
ونتيجة لذلك، شعر المستهلكون بالضغط، إذ أدى انخفاض قيم العقارات إلى تآكل صافي ثرواتهم، كما أن صدمة الجائحة تركت العديد منهم يشعرون بعدم الأمان المالي. وأضافت أن هذا الشعور بعدم اليقين، إلى جانب تدهور العلاقات التجارية مع شركاء الصين الرئيسيين، دفع الأسر إلى تقليص الإنفاق تحسباً لظروف أكثر صعوبة.
وفي خطابه بمناسبة رأس السنة، أعرب الرئيس الصيني شي جين بينغ عن تفاؤله قائلاً: "نصبح أقوى خلال الأوقات الصعبة"، مشيداً بمجموعة واسعة من السياسات التي قُدّمت لتحقيق ما يصفه بـ"التنمية عالية الجودة"، وهو مصطلح يشير إلى النمو المستدام القائم على الابتكار في الصناعات الاستراتيجية مثل الطاقة الخضراء.
وحددت الصين مجدداً هدفاً للنمو الاقتصادي يبلغ نحو 5% لعام 2025، بعد أن سجلت معدل نمو بلغت 5.2% لعام 2023. ومع ذلك، أبدى العديد من الاقتصاديين، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق لي كه تشيانغ، شكوكهم في دقة التقارير الخاصة بالناتج المحلي الإجمالي للصين.
ورغم تراجع التوقعات بتحقيق الصين هذا الهدف، عدلت وكالة موديز تصنيفها لتوقعات النمو لعام 2025 الشهر الماضي من 4% إلى 4.2%، مشيرة إلى تأثير التدابير التحفيزية وتحسن الظروف الائتمانية التي قد تخفف من تأثير زيادات الرسوم الجمركية المحتملة من إدارة ترامب.