استمع إلى الملخص
- **جهود الحكومة وبرامج التوطين**: ارتفع عدد السعوديين في القطاع الخاص بنسبة 15% عام 2023 بفضل برامج التوطين، مثل توطين المهن الهندسية بنسبة 25%، بهدف خفض البطالة إلى 7.5% بحلول 2030.
- **الحلول المقترحة والتحديات المستقبلية**: يقترح الخبراء برامج إحلال تدريجي وتدريب الشباب السعودي، مع التركيز على التقييم المستمر والتطوير لمواكبة التطورات التكنولوجية، رغم تحديات تقبل التقييم وارتفاع تكلفة التوطين.
رغم وقوف الشاب السعودي حديث التخرج، محمد الزهراني، متحمساً أمام مبنى شركة هندسية كبرى في الرياض، وهو يحمل في يده سيرته الذاتية للحصول على وظيفة تليق بطموحاته، فإنه أبدى لـ"العربي الجديد" قلقه من ضياع حلمه بالوظيفة التي يتمناها، متوقعاً أن تكون رحلته في سوق العمل السعودية "محفوفة بالتحديات"، في ظل العقبات التي تواجه برنامج توطين الوظائف الذي تتبناه حكومة المملكة.
وتواجه المملكة إشكالات عديدة في مشروع توطين الوظائف، على الرغم من النجاحات المحققة في بعض القطاعات، وتتراوح هذه التحديات بين ضرورة رفع قدرات الشباب السعودي وتأهيلهم بشكل يتناسب مع متطلبات سوق العمل المتغيرة، وبين الحاجة إلى مواءمة مخرجات التعليم العالي مع احتياجات السوق الفعلية.
أدوات التغلب على العوائق
تشير الإحصاءات الصادرة عن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية السعودية في يناير/ كانون الثاني الماضي إلى أن عدد السعوديين العاملين في القطاع الخاص ارتفع بنسبة 15% عام 2023، ما يؤكد فعالية برامج التوطين في تحقيق أهدافها بالمجمل، وإن واجهتها تحديات تعوق من تحقيق أهدافها بسرعة.
وقررت الوزارة، في يوليو/تموز الجاري، توطين المهن الهندسية بنسبة 25% في منشآت القطاع الخاص التي يعمل بها 5 عاملين فأكثر، ضمن توجه المملكة لخفض البطالة بين المواطنين إلى 7.5% بحلول عام 2030.
إشكالات التوطين
يؤكد الخبير الاقتصادي، محمد الناير، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، وجود بعض الإشكالات والتعقيدات التي تتطلب رفع قدرات الشباب والقادمين على العمل، مع ضرورة تدريبهم وتأهيلهم بشكل جيد.
ويؤكد الناير أهمية توافق مخرجات التعليم العالي في المملكة مع احتياجات سوق العمل، ويشدد على ضرورة أن تقوم الجامعات بتخريج تخصصات تتلاءم مع متطلبات المملكة داخلياً وخارجياً، مضيفاً أن هذا الأمر يتطلب تدريباً وتأهيلاً عالي المستوى للشباب والقادرين على العمل، لرفع كفاءتهم بصورة كبيرة، خاصة في المهن النادرة.
وفي ما يتعلق بالوظائف غير المتوفرة داخل المملكة، يقترح الناير وضع برنامج للإحلال التدريجي، حيث يجري استقدام خبراء من الخارج، على أن يعمل معهم اثنان أو ثلاثة من الشباب السعوديين لنقل الخبرات والتجارب، ثم الاستغناء عن الخبير الأجنبي خلال فترة زمنية محددة.
ويرى الناير أن هذا النهج يتطلب تأهيل الشباب وتدريبهم وتطوير أدائهم بصورة مستمرة، مع ضرورة توافق سوق العمل مع مخرجات التعليم العالي، ويلفت إلى أن العمالة الخارجية كانت تؤدي العمل بكفاءة عالية وبورديات قد تمتد أحياناً إلى ساعات طويلة، ما يتطلب من الشباب السعودي امتلاك القدرات والإمكانات والتأهيل المناسب لأداء هذه الوظائف بالكفاءة نفسها.
وفي ما يتعلق بقيمة الرواتب، يؤكد الناير أنها تمثل مسألة جدلية، إذ يتطلب تعيين السعوديين رفع الرواتب بما يتوافق مع وضع المملكة، بينما العمالة الخارجية عادة ما تكون أقل تكلفة، ولذا يرى ضرورة إيجاد حل وسطي للمقاربة بين الرواتب التي تُدفع للقادمين من الخارج وتلك التي تُدفع للمواطنين.
5 تحديات
وفي السياق، يشير الخبير الاقتصادي، حسام عايش، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إلى أن برنامج توطين الوظائف في السعودية يواجه مجموعة من التحديات المتنوعة، في مقدمتها: نقل المواطن السعودي من العمل في القطاع الحكومي إلى القطاع الخاص، بما في ذلك العمل في الشركات الصغيرة والمتوسطة.
ويتمثل التحدي الثاني في ارتفاع تكلفة توطين القوى العاملة السعودية، فالأجور والتكاليف الإضافية للعمالة الوطنية قد تصل إلى 3 أضعاف ما كان يحصل عليه العامل الوافد للوظيفة نفسها، ولذا يحذر عايش من أن هذا الارتفاع في التكاليف قد يؤدي إلى زيادة أسعار المنتجات في السوق.
كما أن تقبل المواطن السعودي الخضوع إلى التقييم الإداري والمهني واحتساب الزيادات السنوية على أساس هذا التقييم يمثل تحدياً ثالثاً أمام توطين الوظائف في المملكة، إذ يعد هذا الأمر جديداً نسبياً في القطاع الخاص السعودي، حيث يختلف عن نظام العمل الحكومي الذي لا يعتمد بشكل كبير على تقييم إنتاجية الموظفين، وفق الخبير الاقتصادي. ثمة تحدٍّ رابع أمام توطين الوظائف بالسعودية، حسب عايش، يتعلق بالخبرات المطلوبة في سوق العمل الجديد، فالمواطن سيحتاج إلى اكتساب خبرات جديدة تتناسب مع متطلبات القطاع الخاص، في مقابل الخبرات التي يمتلكها العمال الوافدون.
وفي ظل التغيّرات السريعة في سوق العمل السعودي، يشير عايش إلى تحدٍّ خامس يتمثل في مواكبة التطورات التكنولوجية والرقمية، فالتغيرات في المهن والوظائف وكيفية إدارتها، إضافة إلى استخدام الذكاء الاصطناعي، تجعل عملية تأهيل الكوادر البشرية الوطنية أبطأ من معدل التغيير في إدارة ونوعية هذه الوظائف الجديدة. ويخلص عايش إلى أهمية الحرص على التقييم المستمر والتحديث والتطوير، والمفاضلة بين العاملين السعوديين على أساس إنتاجيتهم ومهاراتهم ومعارفهم، ويرى أن هذا النهج سيكون أحد أشكال تثبيت دعائم العمل المنجز، والمبني على قواعد الإدارة الحقيقية، من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية للمملكة.