أقام "مهرجان دبي السينمائي الدولي" دورته الـ 13 التي اختتمت أمس، في ظلّ ارتباكٍ، متنوّع الأشكال والأحوال، تُعانيه مهرجانات سينمائية دولية، تشهدها مدنٌ عربية عديدة، سنوياً. ملاحظةٌ كهذه تنطلق من تبيانٍ واضحٍ لمكانة مهرجان دبي إزاء المهرجانات الأخرى، وبعضها أقدم منه زمنياً. ارتباكٌ يُعزِّز موقع المهرجان، من دون أن يكون سبباً وحيداً لهذا، لامتلاك المهرجان إمكانيات شتّى لتطوير حضوره وآليات اشتغالاته وأنماط سلوكه، الفني والثقافي والاقتصادي، ولتحوّله، منذ أعوام قليلة فائتة، إلى مطلبٍ وحاجةٍ ومقصدٍ، يتوق إليه سينمائيون عرب وأجانب، ومنتجون وموزِّعون وعاملون في صناعة السينما.
الانهيارات التي تُصيب مهرجانات العالم العربي تؤدّي، حُكماً، إلى إعادة نظر جذرية في المآل الذي تبلغه المهرجانات تلك، وفي مصائب "الصناعة العربية" للمهرجانات المتكاثرة، رغم أن معظمها خاضعٌ للاستسهال والتسطيح والبهرجة الاستعراضية. أما صناعة السينما العربية، فتعثر على منفذٍ متواضعٍ، يتيح لها تمويلاً وعروضاً ومنصّاتٍ لتواصلٍ مع مشتغلين في الفن السابع الدولي، تؤمنها مهرجانات قليلة العدد، تُثابر على ممارسة هذا الفعل الثقافي ـ الاقتصادي. منفذ يتمثّل، حالياً، بتمويلٍ تحصل عليه مشاريع سينمائية عربية من "مبادرة إنجاز"، التابعة لمهرجان دبي، من دون تناسي دور "مؤسّسة الدوحة للأفلام"، و"ملتقى القاهرة السينمائي"، الذي يُقام في إطار "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، المتخبّط في اضطرابات إدارية وتنظيمية عديدة، لأسبابٍ متعلّقة بسطوة السياسي والأمني عليه، وبتنازع مصالح رسمية، وببيروقراطية عفنة، من بين أمورٍ أخرى.
قبل عامين اثنين، إثر تنظيم الدورة الـ 8 لـ "مهرجان أبوظبي السينمائي"، ُأعلَن عن توقّفه، الذي تبعه، بعد أشهرٍ عديدة، إعلانٌ عن توقّف "صندوق سند"، التابع له، مموِّل مشاريع سينمائية عربية، بعضها تجديديّ، لغةً وأسلوباً ومعالجاتٍ وطرحاً لأفكارٍ وحكايات وانفعالاتٍ. في حين أن توقّف "مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي" لا يؤثّر، سلباً، على استمرار "مؤسّسة الدوحة للأفلام" في تنظيم مهرجاني "أجيال" و"قمرة"، وفي تمويل مشاريع سينمائية عربية ودولية.
هذا يخدم "مهرجان دبي السينمائي"، المهرجان الدولي الوحيد، حالياً، في منطقة الخليج العربي. عربياً، هو الأكثر تماسكاً وتنظيماً، والأقدر على ممارسة تأثير إيجابي في صناعة السينما العربية، في مقابل ارتباك مهرجان القاهرة، وتفكّك "أيام قرطاج السينمائية"، وغياب "مهرجان دمشق"، والاضطراب الدولي للمهرجانات اللبنانية، وانصراف "المهرجان الدولي للفيلم في مراكش" عن الشأنين المغربي والعربي، بتغييب شبه مطلق لكلِّ حضور مغربي في إدارته الفرنسية، ولكلِّ اهتمامٍ بالسينما المحلية والعربية.
يُقال إن سُمعة المهرجان مرتبطة بنوعية الأفلام المختارة في دوراته السنوية، وبإدارته وحُسن تنظيمها الدورات تلك، وبكيفية تشكيل لجان التحكيم، وبمدى قدرتها على ترتيب لقاءات إنتاجية أو تمويلية أو تسويقية لمشاريع وأفلام. السُمعة نفسها تزداد إيجابية، مع ازدياد الاهتمام الدولي بالمهرجان، ومع ارتفاع عدد السينمائيين المنشغلين به. هناك أمورٌ أخرى، أيضاً. مهرجان دبي يحصّن مكتسباته هذه ويطوّرها، من دون التغاضي عن ملاحظاتٍ، لعل أبرزها سؤال تمويله السنوي، المرتبط بأحوال الإمارة، وبمدى قدرة مموّليه الأساسيين (ورغباتهم) على إبقائه، وحمايته من مصائر مهرجانات عربية أخرى.
العدد الكبير للأفلام المختارة للدورة الـ 13 (156 فيلماً، بينها 58 تُعرض للمرة الأولى عالمياً ودولياً)، يؤكّد مسألتين متلازمتين: المستوى الدولي الذي يتبوّأه المهرجان، مانحاً إياه مصداقية سينمائية؛ وهذه الأخيرة تتيح له استقطاب أكبر عددٍ ممكن من السينمائيين والعاملين في صناعة السينما، بالإضافة إلى نقاد وصحافيين وإعلاميين. لكن العدد لن يحرِّض إماراتيين كثيرين على إقامة علاقة سوية بالمهرجان، ولن يُطوِّر علاقة آخرين به، إذْ يبقى سؤال موقعه المحلي معلّقاً، في ظلّ انصراف أهل البلد عنه، تماماً كانصراف خليجيين، رغم اهتمامه بأفلام محلية وخليجية، لها مسابقتان: "المهر الإماراتي" و"المهر الخليجي للأفلام القصيرة".
ملاحظات أخرى قليلة، بعضها متعلِّق بالنشرة اليومية، التي تفقد أهميتها الإعلامية ـ الترويجية، دورةً بعد دورة، في مقابل التزام الـ "كاتالوغ" شكلاً ثابتاً له، وأسلوبَ كتابةٍ، وتبويباً وطباعةً، علماً أن التعريف بالأفلام يتضمن، غالباً، آراءً "إيجابية" يُفترض بالـ "كاتالوغ" ألا يقع في أسرها. مع هذا، يُصدر المهرجان "تحت الضوء"، مثلاً، بالتعاون مع مهرجان "كانّ": أنماط صناعة الأفلام في السينما العالمية، وإحصائيات وأرقام ومعلومات عامة عن عمليات إنتاج الأفلام وتوزيعها.
اقــرأ أيضاً
الانهيارات التي تُصيب مهرجانات العالم العربي تؤدّي، حُكماً، إلى إعادة نظر جذرية في المآل الذي تبلغه المهرجانات تلك، وفي مصائب "الصناعة العربية" للمهرجانات المتكاثرة، رغم أن معظمها خاضعٌ للاستسهال والتسطيح والبهرجة الاستعراضية. أما صناعة السينما العربية، فتعثر على منفذٍ متواضعٍ، يتيح لها تمويلاً وعروضاً ومنصّاتٍ لتواصلٍ مع مشتغلين في الفن السابع الدولي، تؤمنها مهرجانات قليلة العدد، تُثابر على ممارسة هذا الفعل الثقافي ـ الاقتصادي. منفذ يتمثّل، حالياً، بتمويلٍ تحصل عليه مشاريع سينمائية عربية من "مبادرة إنجاز"، التابعة لمهرجان دبي، من دون تناسي دور "مؤسّسة الدوحة للأفلام"، و"ملتقى القاهرة السينمائي"، الذي يُقام في إطار "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، المتخبّط في اضطرابات إدارية وتنظيمية عديدة، لأسبابٍ متعلّقة بسطوة السياسي والأمني عليه، وبتنازع مصالح رسمية، وببيروقراطية عفنة، من بين أمورٍ أخرى.
قبل عامين اثنين، إثر تنظيم الدورة الـ 8 لـ "مهرجان أبوظبي السينمائي"، ُأعلَن عن توقّفه، الذي تبعه، بعد أشهرٍ عديدة، إعلانٌ عن توقّف "صندوق سند"، التابع له، مموِّل مشاريع سينمائية عربية، بعضها تجديديّ، لغةً وأسلوباً ومعالجاتٍ وطرحاً لأفكارٍ وحكايات وانفعالاتٍ. في حين أن توقّف "مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي" لا يؤثّر، سلباً، على استمرار "مؤسّسة الدوحة للأفلام" في تنظيم مهرجاني "أجيال" و"قمرة"، وفي تمويل مشاريع سينمائية عربية ودولية.
هذا يخدم "مهرجان دبي السينمائي"، المهرجان الدولي الوحيد، حالياً، في منطقة الخليج العربي. عربياً، هو الأكثر تماسكاً وتنظيماً، والأقدر على ممارسة تأثير إيجابي في صناعة السينما العربية، في مقابل ارتباك مهرجان القاهرة، وتفكّك "أيام قرطاج السينمائية"، وغياب "مهرجان دمشق"، والاضطراب الدولي للمهرجانات اللبنانية، وانصراف "المهرجان الدولي للفيلم في مراكش" عن الشأنين المغربي والعربي، بتغييب شبه مطلق لكلِّ حضور مغربي في إدارته الفرنسية، ولكلِّ اهتمامٍ بالسينما المحلية والعربية.
يُقال إن سُمعة المهرجان مرتبطة بنوعية الأفلام المختارة في دوراته السنوية، وبإدارته وحُسن تنظيمها الدورات تلك، وبكيفية تشكيل لجان التحكيم، وبمدى قدرتها على ترتيب لقاءات إنتاجية أو تمويلية أو تسويقية لمشاريع وأفلام. السُمعة نفسها تزداد إيجابية، مع ازدياد الاهتمام الدولي بالمهرجان، ومع ارتفاع عدد السينمائيين المنشغلين به. هناك أمورٌ أخرى، أيضاً. مهرجان دبي يحصّن مكتسباته هذه ويطوّرها، من دون التغاضي عن ملاحظاتٍ، لعل أبرزها سؤال تمويله السنوي، المرتبط بأحوال الإمارة، وبمدى قدرة مموّليه الأساسيين (ورغباتهم) على إبقائه، وحمايته من مصائر مهرجانات عربية أخرى.
العدد الكبير للأفلام المختارة للدورة الـ 13 (156 فيلماً، بينها 58 تُعرض للمرة الأولى عالمياً ودولياً)، يؤكّد مسألتين متلازمتين: المستوى الدولي الذي يتبوّأه المهرجان، مانحاً إياه مصداقية سينمائية؛ وهذه الأخيرة تتيح له استقطاب أكبر عددٍ ممكن من السينمائيين والعاملين في صناعة السينما، بالإضافة إلى نقاد وصحافيين وإعلاميين. لكن العدد لن يحرِّض إماراتيين كثيرين على إقامة علاقة سوية بالمهرجان، ولن يُطوِّر علاقة آخرين به، إذْ يبقى سؤال موقعه المحلي معلّقاً، في ظلّ انصراف أهل البلد عنه، تماماً كانصراف خليجيين، رغم اهتمامه بأفلام محلية وخليجية، لها مسابقتان: "المهر الإماراتي" و"المهر الخليجي للأفلام القصيرة".
ملاحظات أخرى قليلة، بعضها متعلِّق بالنشرة اليومية، التي تفقد أهميتها الإعلامية ـ الترويجية، دورةً بعد دورة، في مقابل التزام الـ "كاتالوغ" شكلاً ثابتاً له، وأسلوبَ كتابةٍ، وتبويباً وطباعةً، علماً أن التعريف بالأفلام يتضمن، غالباً، آراءً "إيجابية" يُفترض بالـ "كاتالوغ" ألا يقع في أسرها. مع هذا، يُصدر المهرجان "تحت الضوء"، مثلاً، بالتعاون مع مهرجان "كانّ": أنماط صناعة الأفلام في السينما العالمية، وإحصائيات وأرقام ومعلومات عامة عن عمليات إنتاج الأفلام وتوزيعها.