في كل يوم جمعة، يتوافد مئات العراقيين إلى شارع المتنبي المختص ببيع الكتب والقرطاسية، وسط العاصمة العراقيّة بغداد. ورغم الزحام الذي يشهده الشارع، إلا أن أصحاب المكتبات لا يرون في هذه الجموع البشريّة زبائن محتملين، وهم يشكون من تدنّي مبيعاتهم عن طريق مكتباتهم التي تكلّف الكثير من الأموال بدءاً من الإيجارات الشهرية، وليس انتهاءً بفواتير الطاقة الكهربائية.
وقد تناقصت مبيعات الكتب أيام الجمع في الفترة الأخيرة بشكل كبير، بحسب ما أكد أحمد الراضي، صاحب "دار الكتب العلمية" و"دار الفراشات للنشر والتوزيع"، وهو الذي يمتلك مكتبة كبيرة لها وكالات لعدد من دور النشر العربيّة، وقال الراضي لـ"العربي الجديد"، إن "المبيعات بعد أن كانت تصل إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي في أيام الجمع، تدنت حتى مستوى 300 دولار فقط". لكن بغداد، التي وضعت ضمن الثلاثية المعروفة، حيث مصر تكتب وبيروت تطبع، ما زالت تقرأ. وجاءت خدمة توصيل الكتب إلى المنازل لتنقذ المكتبات من ضعف تجارتها، إلا أن هذه الخدمة جعلت المرأة التي تعاني من عادات تحدّ من حريّتها وأمن مفقود يهدّدها، تحصل على الكتب التي تريد بسهولة.
وخدمة توصيل الكتب المعروفة باسم "الدليفري"، لم تكن ابتكاراً تجارياً من المكتبات، وإنما دفع حب القراءة عدداً من النساء اللواتي لا يستطعن التحرّك بسبب ظروفهن الاجتماعية إلى الكتابة لأصحاب المكتبات لإيصال الكتب إليهن، لتنشأ فكرة توصيل الكتب إلى المنازل، ليشرع عدد منهم بإدخالها في تجارته، ولتصبح بعد ذلك منقذاً من تدّني مستوى المبيعات.
قال الراضي، الذي يسجّل طلبيات كتب كبيرة تصله عبر صفحة الفيسبوك، إن "خدمة توصيل الكتب عوّضت المكتبات عن تدني المبيعات أيام الجمع"، مشيراً إلى أن "الطلبات أحياناً تفوق ما يتم بيعه في مقرّ المكتبة".
وقد بدأت فكرة توصيل الكتب قبل ثلاثة أعوام بشكل خاص في العاصمة بغداد، إلا أنها امتدت اليوم إلى محافظات عدّة في وسط وجنوب العراق.
أشار مالك دار الكتب العلميّة إلى أن "السنتين الأخيرتين شهدتا إقبالاً كبيراً على الكتاب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث باتت هناك أكثر من مئة صفحة عراقية متخصصة بمجال بيع الكتب وتوصيلها (دليفري) إلى القارئ".
وتجارة كتب "الدليفري" لم تدرّ أرباحاً على المكتبات فحسب، وإنما صارت مُنقذاً أيضاً لعدد من الشبّان، ومنهم علي عبد الكريم، الطالب في كلية الصيدلة وصاحب صفحة "توصيل كتب أونلاين" على فيسبوك، في مدينة المسيب، بريف محافظة بابل.
وأكد عبد الكريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أغلب زبائنه من النساء، وروى أن "إحدى أهم زبوناتي من حيث الذوق بالقراءة وأول من طلب كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في المدينة، طلبت مني إيصال الكتب إلى منزل أحد معارفها، فدخول أي كتاب غير ديني إلى منزلهم يعد أمراً محرماً من قبل والدها".
الواقع السياسي الذي أدى إلى خلخلة الأمن في بلاد ما بين النهرين، هو ذاته الذي أدى إلى صعود الأعراف والتقاليد البالية، وهذه المعطيات كلها تتضافر ضدّ المرأة وتحدّ من حريّتها، لكن أمراً آخر تشير إليه آية منصور، الشاعرة والإعلامية، يدفع أيضاً إلى الاعتماد على "الدليفري"، وقالت "هنالك تغيرات طارئة على الثقافة العراقية الى حد الالتباس، وأولها الكسل الذي صار يأخذنا من كل شيء، حتى من متعة الوقوف أمام الكتب وتحسسها واختيار العنوان الذي ننجذب إليه".
منصور لا تشدّد على الظروف الاجتماعية الحادة التي تمنع النساء من شراء الكتب بأنفسهن بل وتدينها، لكنها تشخّص أمراً آخر بالقول إن "فكرة الكتاب (الدليفري) قد تكون جاءت بسبب أن شارع المتنبي أصبح ذكورياً. وهنا، لا نستطيع لوم أي فتاة تحذر نفسها التواقة لاقتناء الكتب من دخول هذا المكان وتفضيلها الدراجة النارية التي تحمل علبة الكتب الموصاة على الضياع في زحمة عناوين الكتب في الشارع نفسه".
نور جمال، المعروفة لدى جلّ المكتبات في شارع المتنبي كإحدى أهم الزبائن، قالت إن "عدم توفر المكتبات في جميع المناطق السكنية دفع بالمرأة أيضاً للذهاب إلى خدمة (الدليفري) لشراء الكتب"، لافتة في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المكتبات ودور النشر تقتصر على شارع المتنبي وأماكن معدودة قد تكون في مناطق مثل مكتبات شارع السعدون"، وهي مناطق في مركز العاصمة.
ورغم جميع الأسباب، فإن هناك من يرفض فكرة "كتب الدليفري"، مثل الناشطة المدنية والحقوقية نور علي، التي تشتري كتبها بنفسها من شارع المتنبي، وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "المتنبي يمنحك الفرصة للاختلاط ورؤية الحياة البغدادية الحقيقية، فما فائدة الكتاب إن لم يكن مقروناً بتجربة واقعية؟"، وفكرتها نابعة أيضاً من أن "الالتقاء بالنخبة والمثقفين والقراء، والدخول في حوار أو سجال دائم معهم يضع أمام المرء فضاءً من العناوين المتميزة".
لكن هذا السجال كلّه يعود بالفائدة على الكتاب، إذ أخذت المكتبات ودور النشر تزداد في العراق بشكل ملحوظ، بيد أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت لها كلمة فصل.
وأكد الناشر أحمد الراضي أن "مواقع التواصل الاجتماعي باتت تؤثر على مبيعات الكتب، وخاصة (الدليفري) منها"، موضحاً ان "كتاب سماء بغداد القرمزية، للسياسي الروسي فيكتور باسوفاليوك، بيعت منه مئات النسخ في أسبوعه الأول بسبب اجتزاء بعض مما ورد منه وتناوله على صفحات الفيسبوك، وهذا الحال تكرر مع كتب لا تتجاوز كونها خواطر بسيطة جداً أصدرت بطبعات عديدة".
اقــرأ أيضاً
وقد تناقصت مبيعات الكتب أيام الجمع في الفترة الأخيرة بشكل كبير، بحسب ما أكد أحمد الراضي، صاحب "دار الكتب العلمية" و"دار الفراشات للنشر والتوزيع"، وهو الذي يمتلك مكتبة كبيرة لها وكالات لعدد من دور النشر العربيّة، وقال الراضي لـ"العربي الجديد"، إن "المبيعات بعد أن كانت تصل إلى ثلاثة آلاف دولار أميركي في أيام الجمع، تدنت حتى مستوى 300 دولار فقط". لكن بغداد، التي وضعت ضمن الثلاثية المعروفة، حيث مصر تكتب وبيروت تطبع، ما زالت تقرأ. وجاءت خدمة توصيل الكتب إلى المنازل لتنقذ المكتبات من ضعف تجارتها، إلا أن هذه الخدمة جعلت المرأة التي تعاني من عادات تحدّ من حريّتها وأمن مفقود يهدّدها، تحصل على الكتب التي تريد بسهولة.
وخدمة توصيل الكتب المعروفة باسم "الدليفري"، لم تكن ابتكاراً تجارياً من المكتبات، وإنما دفع حب القراءة عدداً من النساء اللواتي لا يستطعن التحرّك بسبب ظروفهن الاجتماعية إلى الكتابة لأصحاب المكتبات لإيصال الكتب إليهن، لتنشأ فكرة توصيل الكتب إلى المنازل، ليشرع عدد منهم بإدخالها في تجارته، ولتصبح بعد ذلك منقذاً من تدّني مستوى المبيعات.
قال الراضي، الذي يسجّل طلبيات كتب كبيرة تصله عبر صفحة الفيسبوك، إن "خدمة توصيل الكتب عوّضت المكتبات عن تدني المبيعات أيام الجمع"، مشيراً إلى أن "الطلبات أحياناً تفوق ما يتم بيعه في مقرّ المكتبة".
وقد بدأت فكرة توصيل الكتب قبل ثلاثة أعوام بشكل خاص في العاصمة بغداد، إلا أنها امتدت اليوم إلى محافظات عدّة في وسط وجنوب العراق.
أشار مالك دار الكتب العلميّة إلى أن "السنتين الأخيرتين شهدتا إقبالاً كبيراً على الكتاب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث باتت هناك أكثر من مئة صفحة عراقية متخصصة بمجال بيع الكتب وتوصيلها (دليفري) إلى القارئ".
وتجارة كتب "الدليفري" لم تدرّ أرباحاً على المكتبات فحسب، وإنما صارت مُنقذاً أيضاً لعدد من الشبّان، ومنهم علي عبد الكريم، الطالب في كلية الصيدلة وصاحب صفحة "توصيل كتب أونلاين" على فيسبوك، في مدينة المسيب، بريف محافظة بابل.
وأكد عبد الكريم، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن أغلب زبائنه من النساء، وروى أن "إحدى أهم زبوناتي من حيث الذوق بالقراءة وأول من طلب كتب عالم الاجتماع العراقي علي الوردي في المدينة، طلبت مني إيصال الكتب إلى منزل أحد معارفها، فدخول أي كتاب غير ديني إلى منزلهم يعد أمراً محرماً من قبل والدها".
الواقع السياسي الذي أدى إلى خلخلة الأمن في بلاد ما بين النهرين، هو ذاته الذي أدى إلى صعود الأعراف والتقاليد البالية، وهذه المعطيات كلها تتضافر ضدّ المرأة وتحدّ من حريّتها، لكن أمراً آخر تشير إليه آية منصور، الشاعرة والإعلامية، يدفع أيضاً إلى الاعتماد على "الدليفري"، وقالت "هنالك تغيرات طارئة على الثقافة العراقية الى حد الالتباس، وأولها الكسل الذي صار يأخذنا من كل شيء، حتى من متعة الوقوف أمام الكتب وتحسسها واختيار العنوان الذي ننجذب إليه".
منصور لا تشدّد على الظروف الاجتماعية الحادة التي تمنع النساء من شراء الكتب بأنفسهن بل وتدينها، لكنها تشخّص أمراً آخر بالقول إن "فكرة الكتاب (الدليفري) قد تكون جاءت بسبب أن شارع المتنبي أصبح ذكورياً. وهنا، لا نستطيع لوم أي فتاة تحذر نفسها التواقة لاقتناء الكتب من دخول هذا المكان وتفضيلها الدراجة النارية التي تحمل علبة الكتب الموصاة على الضياع في زحمة عناوين الكتب في الشارع نفسه".
نور جمال، المعروفة لدى جلّ المكتبات في شارع المتنبي كإحدى أهم الزبائن، قالت إن "عدم توفر المكتبات في جميع المناطق السكنية دفع بالمرأة أيضاً للذهاب إلى خدمة (الدليفري) لشراء الكتب"، لافتة في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "المكتبات ودور النشر تقتصر على شارع المتنبي وأماكن معدودة قد تكون في مناطق مثل مكتبات شارع السعدون"، وهي مناطق في مركز العاصمة.
ورغم جميع الأسباب، فإن هناك من يرفض فكرة "كتب الدليفري"، مثل الناشطة المدنية والحقوقية نور علي، التي تشتري كتبها بنفسها من شارع المتنبي، وقالت لـ"العربي الجديد"، إن "المتنبي يمنحك الفرصة للاختلاط ورؤية الحياة البغدادية الحقيقية، فما فائدة الكتاب إن لم يكن مقروناً بتجربة واقعية؟"، وفكرتها نابعة أيضاً من أن "الالتقاء بالنخبة والمثقفين والقراء، والدخول في حوار أو سجال دائم معهم يضع أمام المرء فضاءً من العناوين المتميزة".
لكن هذا السجال كلّه يعود بالفائدة على الكتاب، إذ أخذت المكتبات ودور النشر تزداد في العراق بشكل ملحوظ، بيد أن مواقع التواصل الاجتماعي صارت لها كلمة فصل.
وأكد الناشر أحمد الراضي أن "مواقع التواصل الاجتماعي باتت تؤثر على مبيعات الكتب، وخاصة (الدليفري) منها"، موضحاً ان "كتاب سماء بغداد القرمزية، للسياسي الروسي فيكتور باسوفاليوك، بيعت منه مئات النسخ في أسبوعه الأول بسبب اجتزاء بعض مما ورد منه وتناوله على صفحات الفيسبوك، وهذا الحال تكرر مع كتب لا تتجاوز كونها خواطر بسيطة جداً أصدرت بطبعات عديدة".