في حفلته في مونترو السويسرية عام 1988، وبعد انتهائه من أداء أغنيته الأشهر "كم أحبّك que je t'aime"، يقف المغني البلجيكي ـ الفرنسي جوني هاليداي، ويهدي الأغنية إلى كل النساء والفتيات الموجودات في الحفلة.
لم يكد ينهي كلامه، حتى بدأ الهتاف والإغماءات بين الحاضرات. تلك الحفلة تحديداً، تختصر مسيرة جوني هاليداي المجنونة والجميلة بنجاحاتها وإخفاقاتها. وتختصر حالة الهوس التي أصابت جمهوراً كبيراً في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي بالشاب الأشقر الشقي.
لم يكد ينهي كلامه، حتى بدأ الهتاف والإغماءات بين الحاضرات. تلك الحفلة تحديداً، تختصر مسيرة جوني هاليداي المجنونة والجميلة بنجاحاتها وإخفاقاتها. وتختصر حالة الهوس التي أصابت جمهوراً كبيراً في ستينيات وسبعينيات وحتى ثمانينيات القرن الماضي بالشاب الأشقر الشقي.
فجر الثلاثاء ــ الأربعاء، رحل جوني هاليداي عن 74 عاماً (1943)، بعدما هزمه السرطان. أدرك جوني بسرعة أن المرض لن يمهله طويلاً، رفض البقاء في المستشفى وطلب من الأطباء ومن عائلته إعادته إلى بيته في مارن لا كوكيت (في ضاحية باريس الغربية)، حيث رحل هناك "بشجاعة وكرامة كما كان طيلة حياته" وفق ما ذكرت زوجته ليتيسيا هاليداي في بيان نعيه الذي نشرته الصحافة فجر الأربعاء.
قصة النجم المجنون كما كان يطلق عليه في سبعينيات القرن الماضي، تستحق أن تروى منذ سنواتها الأولى. الطفولة المعذّبة، والإحساس بالذنب الذي رافقه بعدما هجره والده وهو في شهره الثامن، ثمّ تخلي والدته عنه، وذهابه للعيش مع عمّته هيلين مار في لندن. تفاصيل كثيرة، وثقيلة طاردت طفولة جوني هاليداي الذي ولد تحت اسم جان فيليب سميت، لأب بلجيكي وأم فرنسية.
في لندن عاش مع ابنتي عمّته اللتين كانتا ترقصان الباليه. هناك تعلّم الموسيقى، ودخل كواليس عالم الاستعراض مع زوج ابنة عمّته لي هاليداي، الذي سيأخذ منه اسمه الفني.
بسرعة ننتقل إلى العام 1955، جوني هاليداي في بداية مراهقته يظهر بدور صغير في فيلم Les Diaboliques للمخرج هنري جورج كلوزو. ثمّ يأتي العام 1957 حين قرّر الاستقرار نهائياً في باريس، والاختلاط بالوسط الفني، وصولاً إلى العام 1960. سبتمبر/أيلول تحديداً من تلك السنة حين يقف جوني هاليداي بعد حفلات عدة صغيرة وإطلالات تلفزيونية قليلة لكن لافتة، على مسرح "آلهمبرا" في باريس. الحفلة التي اعتبرت أسطورية، فتحت أبواب الجنّة الفنية لجوني هاليداي.
عام 1961، حقّق حلم كل فنان فرنسي (وعالمي) ووقف على مسرح الأولمبيا، وأدى هناك أغنيته الشهيرة "ذكريات، ذكريات souvenirs souvenirs".
منذ تلك السنة تحوّل الطفل والمراهق، الذي طارده طيف الطفولة القاسية، إلى واحد من أشهر الفنانين الفرنسيين. احتل كل المسارح، شارك في كل البرامج التلفزيونية، وتصدرت صورته أغلفة المجلات، وفي العام نفسه مع صدور ألبومه "salut les copains" كرّس كنجم أول للشباب الفرنسي.
توالت الأغاني التي جعلت الشاب الأشقر، أسطورة موسيقية فرنسية وعالمية. وبالتوازي مع نجاحه الفني عاش هاليداي قصة حب مجنونة مع المغنية سيلفي فارتان، وسيتزوّجان في 12 أبريل/نيسان 1965 ويرزق في العام التالي بابنه الأول دافيد هاليداي (وهو اليوم مغنّ وسائق سباقات فرنسي). العام نفسه كان سيئاً على هاليداي. فبعد أشهر قليلة من ولادة ابنه، طلبت فارتان الطلاق من جوني.
حاول صاحب أغنية je te promets، الانتحار في حمام منزله من خلال تناول جرعة زائدة من الأدوية، ثمّ قطع شرايينه. يتمّ نقله سريعاً إلى المستشفى، ومن هناك إلى سويسرا حيث ينتظر التعافي التام قبل عودته إلى الأضواء. تراجعت فارتان عن قرار الطلاق، لكن الزواج انتهى مرة أخيرة ورسمية عام 1980. يتزوّج أكثر من مرة بعدها، ثمّ عام 1995 بعارضة الأزياء ليتيسيا بودو التي بقيت زوجته حتى وفاته.
لكن الاضطرابات في حياته الشخصية لم تؤثر كثيراً على نجوميته، بل عرف في كل مرة يسقط فيها، كيف يعود إلى جمهوره بزخم كبير.
نهاية الستينيات يغيّر نوع الموسيقى التي يؤديها، يكشف عن جانب آخر من فنّه ومن شخصيّته الجامحة، فيصبح أيقونة الروك أند رول في أوروبا. وكلما تقدمت به السنوات ازداد نضجه الفني. عام 1993 وفي عيد ميلاده الخمسين يغني في الـ"بارك دي برانس" أمام مئات الآلاف، ليكرّس نفسه نجم الروك الفرنسي.
عرف جوني هاليداي جيداً كيف يحافظ على نجاحه وموسيقاه، تعاون مع كبار الموسيقيين من جان جاك غولدمان إلى باسكا أوبيسبو في نهاية التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. وعرف كيف يقطف النجاح في كل مناسبة كما حصل عام 1999 مع ألبوم "دم على دم" الذي لحنه ابنه دافيد، ليصبح أكبر نجاحات هاليداي مع أكثر من مليوني نسخة مباعة.
ماذا بعد؟ إلى جانب نجاحه الموسيقي، كان جوني هاليداي ممثلاً موهوباً أيضاً، فشارك في عدد من الأفلام بينها D'où viens-tu Johnny عام 1963 للمخرج الأميركي نويل هاورد، الذي كان فيه تشابه كبير بين حياة بطل الفيلم وحياة جوني هاليداي... وفيلم Le Spécialiste عام 1969 للمخرج الإيطالي سرجيو كاربوتشي.
ووسط كل هذه النجاحات، وأكثر من مئة مليون نسخة مباعة من أغانيه، وسلسلة "أسطوانات البلاتين" تكلّم جوني هاليداي أخيراً. في حديث مع صحيفة "لو موند". تحدّث للمرة الأولى عن تعاطيه المخدرات، عن الاكتئاب ومحاولة الانتحار.
هذا جوني هاليداي، الأسطورة الفنية. أما على جانب آخر أكثر ظلماً وقبحاً، فإنّ مواقف جوني هاليداي السياسية كانت الأكثر تطرفا في الستينيات. إذ صرّح عام 2012 للقناة العاشرة الإسرائيلية وعشية حفلته في فلسطين المحتلة، بأنه في حرب الأيام الست عام 1967 أراد الالتحاق بجيش الاحتلال الإسرائيلي لنصرته.
قد يقول قائلٌ إن الفصل بين فنّ هاليداي ومواقفه السياسية، واجب، تحديداً في لحظة موت أسطورة الروك الفرنسي. لكن جوني هاليداي اختار لنفسه اصطفافاً سياسيا وإنسانياً مظلماً، يجعل مواقفه السياسية النافرة، تعود إلى الواجهة في لحظة حزينة كلحظة رحيله.