تفاقم التوتّر بين دولتي السودان ومصر، بعد الهجمة الإعلامية الشرسة التي وجهت ضد الآثار والأهرامات السودانية من قبل الجانب المصري، بسبب الانتشار الواسع للصور التي التقطتها عضو برنامج أهداف التنمية المستدامة التابع للأمم المتحدة، الشيخة موزا، أثناء زياراتها للأهرامات السودانية نهاية شهر آذار/ مارس المنصرم. ونشط مصريّون في القنوات التلفزيونية المختلفة، ومواقع التواصل الاجتماعي، في التقليل من الحضارة السودانية، ونعتها بأوصافٍ أحدثت شرخاً بين الطرفين. وقام وزير الإعلام السوداني، أحمد بلال عثمان، بالتصدي للحملة التي وصفها بـ"السخيفة". وأطلق يد الإعلام السوداني للرد عليها، فضلاً عن تأكيده على قدم الحضارة السودانية. وفُتِح بابُ الجدل واسعاً للتنقيب والبحث في الحضارة السودانية التي أكّد باحثون سودانيون بأنّها أقدم من المصرية. وبأنّ ما أخَّرَ اكتشافها، هو تركيز علماء الآثار، لا سيما الغربيون منهم، على التنقيب في الحضارة المصرية فقط، وتجاهل حضارة النوبة السودانية التي أثَّرت بشكلٍ مباشر في الحضارة المصرية والحضارة الإغريقية.
واستشهد البعضُ بكتابات العالم المصري، أنيس منصور، الذي أكّد أن نظام الملك أخذته مصر عن النوبة السودانية. ويؤكِّدُ باحثون، بأنّ الإنسان النوبي هو صاحب الفضل الأول على تطوُّر الحضارات البيضاء في كلّ العصور القديمة، وذلك بالنظر لاعتراف الأميركيين والأوروبيين أنفسهم، وبأن أفريقيا هي مصدر الحضارة الأوروبية، وبأن أثرها أعمق من الحضارات الآسيوية. ويصف الباحثُ وأستاذ الثقافة السودانيّة بجامعة الخرطوم، البروفسور محمد المهدي بشرى، الجدل حول أقدميّة الحضارة بين البلدين بأنه "غير علمي". ويقول لـ"العربي الجديد": "الأمر ليس منافسةً من منافسات كرة القدم. والمعرفة البشرية تتم بالتراكم". وأشارَ إلى تأكيدات مؤرِّخين، بانتقال الحضارة من الجنوب، أي السودان، إلى الشمال، أي مصر. وأكّد المهدي أنّ للسودان حضاراته الخاصة، إذ يحتضِنُ أعدادًا كبيرة من الأهرامات، وإن كانت صغيرة، مقارنة بالأهرامات المصريّة.
ويشيرُ إلى وجودِ ميّزة للحضارة السودانية مقارنة بمصر، ممثلة في الدفوفة والكتابة والزراعة. ورأى بأنه بعد عمليات التهجير التي طاولت أهالي حلفا من مناطقهم، لقيام السد العالي القرن الماضي، اكتشفت حضارات جديدة، أكدت بأنّ الحضارة السودانية قائمة بذاتها. وأضاف "قديماً كان يدرس السودانيون حضارة وادي النيل". وزاد بأنّ الحضارت جميعها عاصرت بعضها واستفادت من بعضها. تُعدُّ الحضارة السودانية حضارة عريقة خاصة في الأهرامات التي يصل أعمار بعضها إلى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد، والآخر إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. وبلغت الأهرامات السودانية أقصى عظمتها في عهد الملك، بعانخي، إذ عمد إلى مدّ نفوذه نحو حكم مصر وبلاد الشام وفلسطين، وتمدد حتى أوروبا. ويذكَر أنّ المنطقة التي امتد لها نفوذ الملك السوداني بعانخي لها علاقات تجارية مع دول أوروبا، ودول البحر الأبيض المتوسط.
تتمثّل أهميَّة حضارة السودان في قيام أول دولة على أسس حديثة ومتطورة زراعيّاً وصناعيّاً، وهي مملكة "مروي" التي أدخلت صناعة وصهر الحديد في زمن لم يكن العالم يعرف كيف يستخدم الحديد أو يصهره. كما أنّ "مروي" مثّلت بوابة لدخول العرب الإسلام، إذ لا تزال بقايا قصر الصحابي، عبدالله أبي السرح، موجودة بمنطقة دنقلا في شمال السودان، فضلاً عن أن الدراسات والبحوث أكّدت أنّ منطقة شمال السودان مثلت انطلاقة لكثير من الحضارات المسيحية والإسلامية واللادينية.
واجهَت الحضارة السودانيّة، وفق مراقبين، إهمالاً كبيراً من قبل الحكومات السودانية المتعاقبة على حكم البلاد منذ استقلالها عن الحكم البريطاني، إذ لم يكن هناك أي اهتمام بالسياحة الداخلية أو الآثار، مقارنة بالاهتمام الذي توليه مصر، والتي نجحت في الترويج لحضارتها، بالرغم من أن السودان يحتضن أكثر من 220 هرماً، موزعة بمناطق مختلفة في شمال السودان، ويصل طولها بين 6 إلى 30 مترا، كما أنَّها تعتبَر شديدة الانحدار. سيطرَ النوبيّون على مجمل وادي النيل لمدة قرن من الزمان. وتُعدُّ الأسرة المرويّة، آخر أسرة في سلالة "الفراعنة السود" الذين حكموا كوش لأكثر من ألف عام، حتى زوال مملكتهم في عام 350 قبل الميلاد.
اقــرأ أيضاً
وأخيراً، استلمَت دولة قطر أمر ترميم وتأهيل الأهرامات والمناطق الأثريَّة في السودان، وذلك بالتنسيق اللصيق مع الحكومة في الخرطوم. وبدأت، بالفعل، في تمويل تلك العمليات، فضلاً عن عمليات البحث والتنقيب في الحضارة السودانية، الأمر الذي قاد لاكتشاف آثارٍ جديدة، كما ينشُط باحثون غربيون بالتنقيب في تلك المناطق.
وتمّ التعاقد، أخيراً، مع عدد من الدول لتنظيم وفود السياح إلى مناطق مختلفة من السودان. وبدأت دول خليجية بينها قطر والسعودية في الترويج للمناطق الأثرية في السودان.
لكن، عملياً، ما زالت تلك المناطق تفتقر للخدمات التي تسهل على السائح جولاته، وتعمل على تحفيزه للوصول إليها، إذْ تفتقرُ أغلبُها لأدنى المقوّمات من مطاعم ومياه وحمامات وخدمات علاجية، وذلك بالنظر للمسافة التي يقطعها السائح من الخرطوم إلى أقرب منطقة أثريَّةٍ وهي البجراوية، والتي تبتعد أكثر من مائتي كيلومتر.
ويعتبر السويسري، شارلز بونية، من أبرز العلماء الذين ساعدوا في كتابة جزء من التاريخ القديم للسودان، وبدأ عمليات التنقيب عن الآثار السودانية منذ عام 1965، بواقع عمل ثلاثة أشهر لكل عام، إذ يوقت مع فصل الشتاء بالنظر لسخونة تلك المناطق وطبيعتها الصحراوية.
اقــرأ أيضاً
واستشهد البعضُ بكتابات العالم المصري، أنيس منصور، الذي أكّد أن نظام الملك أخذته مصر عن النوبة السودانية. ويؤكِّدُ باحثون، بأنّ الإنسان النوبي هو صاحب الفضل الأول على تطوُّر الحضارات البيضاء في كلّ العصور القديمة، وذلك بالنظر لاعتراف الأميركيين والأوروبيين أنفسهم، وبأن أفريقيا هي مصدر الحضارة الأوروبية، وبأن أثرها أعمق من الحضارات الآسيوية. ويصف الباحثُ وأستاذ الثقافة السودانيّة بجامعة الخرطوم، البروفسور محمد المهدي بشرى، الجدل حول أقدميّة الحضارة بين البلدين بأنه "غير علمي". ويقول لـ"العربي الجديد": "الأمر ليس منافسةً من منافسات كرة القدم. والمعرفة البشرية تتم بالتراكم". وأشارَ إلى تأكيدات مؤرِّخين، بانتقال الحضارة من الجنوب، أي السودان، إلى الشمال، أي مصر. وأكّد المهدي أنّ للسودان حضاراته الخاصة، إذ يحتضِنُ أعدادًا كبيرة من الأهرامات، وإن كانت صغيرة، مقارنة بالأهرامات المصريّة.
ويشيرُ إلى وجودِ ميّزة للحضارة السودانية مقارنة بمصر، ممثلة في الدفوفة والكتابة والزراعة. ورأى بأنه بعد عمليات التهجير التي طاولت أهالي حلفا من مناطقهم، لقيام السد العالي القرن الماضي، اكتشفت حضارات جديدة، أكدت بأنّ الحضارة السودانية قائمة بذاتها. وأضاف "قديماً كان يدرس السودانيون حضارة وادي النيل". وزاد بأنّ الحضارت جميعها عاصرت بعضها واستفادت من بعضها. تُعدُّ الحضارة السودانية حضارة عريقة خاصة في الأهرامات التي يصل أعمار بعضها إلى ثمانية آلاف عام قبل الميلاد، والآخر إلى أربعة آلاف عام قبل الميلاد. وبلغت الأهرامات السودانية أقصى عظمتها في عهد الملك، بعانخي، إذ عمد إلى مدّ نفوذه نحو حكم مصر وبلاد الشام وفلسطين، وتمدد حتى أوروبا. ويذكَر أنّ المنطقة التي امتد لها نفوذ الملك السوداني بعانخي لها علاقات تجارية مع دول أوروبا، ودول البحر الأبيض المتوسط.
تتمثّل أهميَّة حضارة السودان في قيام أول دولة على أسس حديثة ومتطورة زراعيّاً وصناعيّاً، وهي مملكة "مروي" التي أدخلت صناعة وصهر الحديد في زمن لم يكن العالم يعرف كيف يستخدم الحديد أو يصهره. كما أنّ "مروي" مثّلت بوابة لدخول العرب الإسلام، إذ لا تزال بقايا قصر الصحابي، عبدالله أبي السرح، موجودة بمنطقة دنقلا في شمال السودان، فضلاً عن أن الدراسات والبحوث أكّدت أنّ منطقة شمال السودان مثلت انطلاقة لكثير من الحضارات المسيحية والإسلامية واللادينية.
واجهَت الحضارة السودانيّة، وفق مراقبين، إهمالاً كبيراً من قبل الحكومات السودانية المتعاقبة على حكم البلاد منذ استقلالها عن الحكم البريطاني، إذ لم يكن هناك أي اهتمام بالسياحة الداخلية أو الآثار، مقارنة بالاهتمام الذي توليه مصر، والتي نجحت في الترويج لحضارتها، بالرغم من أن السودان يحتضن أكثر من 220 هرماً، موزعة بمناطق مختلفة في شمال السودان، ويصل طولها بين 6 إلى 30 مترا، كما أنَّها تعتبَر شديدة الانحدار. سيطرَ النوبيّون على مجمل وادي النيل لمدة قرن من الزمان. وتُعدُّ الأسرة المرويّة، آخر أسرة في سلالة "الفراعنة السود" الذين حكموا كوش لأكثر من ألف عام، حتى زوال مملكتهم في عام 350 قبل الميلاد.
وأخيراً، استلمَت دولة قطر أمر ترميم وتأهيل الأهرامات والمناطق الأثريَّة في السودان، وذلك بالتنسيق اللصيق مع الحكومة في الخرطوم. وبدأت، بالفعل، في تمويل تلك العمليات، فضلاً عن عمليات البحث والتنقيب في الحضارة السودانية، الأمر الذي قاد لاكتشاف آثارٍ جديدة، كما ينشُط باحثون غربيون بالتنقيب في تلك المناطق.
وتمّ التعاقد، أخيراً، مع عدد من الدول لتنظيم وفود السياح إلى مناطق مختلفة من السودان. وبدأت دول خليجية بينها قطر والسعودية في الترويج للمناطق الأثرية في السودان.
لكن، عملياً، ما زالت تلك المناطق تفتقر للخدمات التي تسهل على السائح جولاته، وتعمل على تحفيزه للوصول إليها، إذْ تفتقرُ أغلبُها لأدنى المقوّمات من مطاعم ومياه وحمامات وخدمات علاجية، وذلك بالنظر للمسافة التي يقطعها السائح من الخرطوم إلى أقرب منطقة أثريَّةٍ وهي البجراوية، والتي تبتعد أكثر من مائتي كيلومتر.
ويعتبر السويسري، شارلز بونية، من أبرز العلماء الذين ساعدوا في كتابة جزء من التاريخ القديم للسودان، وبدأ عمليات التنقيب عن الآثار السودانية منذ عام 1965، بواقع عمل ثلاثة أشهر لكل عام، إذ يوقت مع فصل الشتاء بالنظر لسخونة تلك المناطق وطبيعتها الصحراوية.