لافتٌ للانتباه موضوع الطلاق في بعض الأفلام المُشاركة في الدورة الـ 52 (30 يونيو/ حزيران ـ 8 يوليو/ تموز 2017) لـ "مهرجان كارلوفي فاري السينمائيّ الدوليّ". لن يطغى الموضوع على البرمجة كلّها، لكنه يبرز في 3 منها على الأقل، إما كطلاق فعلي، أو كانفصال بين طرفين بعد تعطّل العلاقة بينهما. والطلاق ينكشف مباشرة منذ اللحظات الأولى، أو يظهر مواربةً في سياق الحبكة الدرامية. يؤثّر على أولادٍ، وعلى طرفي النزاع نفسيهما؛ متابعاً أحوال الطرفين، وتأثيراته السلبية على الأولاد.
لن تُعنَى هذه الأفلام بفعل الطلاق نفسه، أو بتحليلٍ اجتماعي ـ نفسي له ولأسبابه وخلفياته ونتائجه. فهي تروي تأثيرات سلبية له على الطرفين وأولادهما معاً، بينما الهواجس السينمائية المختلفة تنبثق من رغبة في فهم عالم كلّ فردٍ من الأفراد المعنيين بالمسألة، ومن متابعة أحواله، ورصد تصرّفاته، ومرافقة انقلاباته، وفهم انفعالاته، وتبيان سلوكه.
وللأولاد حصّة أساسية. فهم لن يكونوا سبباً للطلاق ـ الانفصال، بل جزءاً من ألم المواجهة والمعاناة، ودافعاً إلى إعادة النظر في الذات والعلاقة بها، والتواصل مع الآخر (الطليق أو الحبيب الجديد). هذا مبنيٌّ على نتاجٍ سينمائيّ لن يبلغ مرتبة الإبهار والدهشة السينمائيين، لكنه يحافظ على جمالية الصورة في سرد حكاياتٍ وتصوير أحوالٍ، أبطالها أناسٌ تتنازعهم ثنائية قاسية: مسؤولية العلاقة بابنةٍ/ ابن، والتنبّه إلى الذات ومتطلباتها الإنسانية والانفعالية والحياتية، بعيداً عن رقابة الطرف الآخر.
تُذكِّر أفلام "الطلاق السينمائيّ" (إنْ يُمكن استخدام وصفٍ كهذا) بالروسيّ "بلا حبّ" لأندريه زفياغنتسيف (1964)، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة بالدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ". فالنزاع الحادّ بين الوالدين المُطلّقين، ينعكس سلباً على ابنهما المُقيم مع والدته، علماً أن كلّ واحد منهما مرتبط بعلاقة جدّية مع آخر. والانعكاس السلبي يبلغ مرتبة قاسية، إذْ يختفي الابن فجأة، وتبدأ رحلة البحث عنه، التي لن تكون مجرّد تفتيش عن صبي ضائع، بقدر ما تحمل في طياتها بحثاً عن/ في أعماق طرفي النزاع، اللذين يعانيان الأمرّين، ويعيشان قسوة الواقع، ومرارة عجزهما عن العثور على وحيدهما. ورغم هذا، سيُكملان حياتيهما بشكلٍ أو بآخر.
لن تختفي فتيات المُطلَّقِين في "أخبار عاجلة" (المسابقة الرسمية) للرومانية إيوليا روجينا (1982)، و"فورتوناتا" (برنامج "آفاق") للإيطالي سيرجيو كاستيلّيتو (1953)، و"نينا" (مسابقة "شرق الغرب") للتشيكوسلوفاكي يورا ليوهوتسكي (1975). سيبقين حاضرات وفاعلات ولاعبات أدواراً مختلفة في صناعة الحدث والصورة. سيظهرن في واجهة المشهد، رغم اختلافٍ واضحٍ في مقاربة حكاياتهنّ. ففي مقابل سطوة فعل الطلاق على مجريات الأحداث، بشكل مباشر، في فيلمي "فورتوناتا" و"نينا"، تبرز التأثيرات السلبية على "مغادرة" الأب وتخلّيه عن امرأته وابنتهما في سياق لاحق للحدث ـ الصدمة، قبل أن تحتل الابنة القلقة والمرتبكة والمعذَّبة والممزَّقة حيّزاً بارزاً في عملية الاغتسال الروحي لها، ولصديق والدها، الذي (والدها) يُقتل أثناء تأديته واجبه المهني كمُصور تلفزيوني (أخبار عاجلة).
تداعيات الطلاق على بنات المطلَّقِين تنفلش على المسارات الدرامية في فيلمي كاستيلّيتو وليوهوتسكي، في ظلّ الحضور المباشر للثنائيات المتنازعة؛ بينما يختفي الوالدان نهائياً عن المشهد برمّته، رغم بقائهما في صلب الحكاية والانفعال والبوح، في فيلم روجينا. فالأم المطلَّقة، التي تُدعى فورتوناتا (ياسمين ترينكا) ـ والاسم يعني "المحظوظة"، رغم أن واقعها مناقض تماماً لكلّ حظ إيجابيّ ممكن ـ تعمل مُصفِّفة شعر، وتحتال على الحياة والدنيا كي تحمي ابنتها من قسوة العيش، ومن مطاردة طليقها لها لخطفها منها، قبل أن تنزلق في علاقات وارتباكات ومتاهات وخيبات. والخلافات الناشبة بين الوالدين، تضع نينا أمام تحديات يومية، لن تكون أخفّ حدّة من تلك التي يواجهها والداها. في حين أن الابنة المكسورة والمحطّمة، في "أخبار عاجلة"، تروي حكاياتها وحكايات والديها، في لقائها صديق أبيها، الراغب في كشف شيء من ماضي المُصوِّر التلفزيوني، وعلاقته بابنته وعائلته ومحيطه.
وإذْ يتفرّد "بلا حبّ" في اشتغاله السينمائي الصادم والبديع والقاسي، فإن مزيج الكوميديا والسخرية المبطنة وارتباك العيش يجعل "فورتوناتا" أقدر على الجذب، وأسرع في صناعة التفاعل معه. بينما يخوض "نينا" اختبار التمزّقات كلّها، والأسئلة ـ الخاصّة بالذات والانفعال والعلاقات ـ ستبقى معلّقة في متاهة البحث عن خلاصٍ صعب. علماً أن "أخبار عاجلة" ينزلق إلى العوالم السفلية الممزقة والمعقّدة، لأناسٍ يخرجون من الموت إلى محاولة فهم الراهن، والمقبل من حياةٍ ملتبسة وتائهة.
اقــرأ أيضاً
لن تُعنَى هذه الأفلام بفعل الطلاق نفسه، أو بتحليلٍ اجتماعي ـ نفسي له ولأسبابه وخلفياته ونتائجه. فهي تروي تأثيرات سلبية له على الطرفين وأولادهما معاً، بينما الهواجس السينمائية المختلفة تنبثق من رغبة في فهم عالم كلّ فردٍ من الأفراد المعنيين بالمسألة، ومن متابعة أحواله، ورصد تصرّفاته، ومرافقة انقلاباته، وفهم انفعالاته، وتبيان سلوكه.
وللأولاد حصّة أساسية. فهم لن يكونوا سبباً للطلاق ـ الانفصال، بل جزءاً من ألم المواجهة والمعاناة، ودافعاً إلى إعادة النظر في الذات والعلاقة بها، والتواصل مع الآخر (الطليق أو الحبيب الجديد). هذا مبنيٌّ على نتاجٍ سينمائيّ لن يبلغ مرتبة الإبهار والدهشة السينمائيين، لكنه يحافظ على جمالية الصورة في سرد حكاياتٍ وتصوير أحوالٍ، أبطالها أناسٌ تتنازعهم ثنائية قاسية: مسؤولية العلاقة بابنةٍ/ ابن، والتنبّه إلى الذات ومتطلباتها الإنسانية والانفعالية والحياتية، بعيداً عن رقابة الطرف الآخر.
تُذكِّر أفلام "الطلاق السينمائيّ" (إنْ يُمكن استخدام وصفٍ كهذا) بالروسيّ "بلا حبّ" لأندريه زفياغنتسيف (1964)، الفائز بجائزة لجنة التحكيم الخاصّة بالدورة الـ 70 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2017) لمهرجان "كانّ". فالنزاع الحادّ بين الوالدين المُطلّقين، ينعكس سلباً على ابنهما المُقيم مع والدته، علماً أن كلّ واحد منهما مرتبط بعلاقة جدّية مع آخر. والانعكاس السلبي يبلغ مرتبة قاسية، إذْ يختفي الابن فجأة، وتبدأ رحلة البحث عنه، التي لن تكون مجرّد تفتيش عن صبي ضائع، بقدر ما تحمل في طياتها بحثاً عن/ في أعماق طرفي النزاع، اللذين يعانيان الأمرّين، ويعيشان قسوة الواقع، ومرارة عجزهما عن العثور على وحيدهما. ورغم هذا، سيُكملان حياتيهما بشكلٍ أو بآخر.
لن تختفي فتيات المُطلَّقِين في "أخبار عاجلة" (المسابقة الرسمية) للرومانية إيوليا روجينا (1982)، و"فورتوناتا" (برنامج "آفاق") للإيطالي سيرجيو كاستيلّيتو (1953)، و"نينا" (مسابقة "شرق الغرب") للتشيكوسلوفاكي يورا ليوهوتسكي (1975). سيبقين حاضرات وفاعلات ولاعبات أدواراً مختلفة في صناعة الحدث والصورة. سيظهرن في واجهة المشهد، رغم اختلافٍ واضحٍ في مقاربة حكاياتهنّ. ففي مقابل سطوة فعل الطلاق على مجريات الأحداث، بشكل مباشر، في فيلمي "فورتوناتا" و"نينا"، تبرز التأثيرات السلبية على "مغادرة" الأب وتخلّيه عن امرأته وابنتهما في سياق لاحق للحدث ـ الصدمة، قبل أن تحتل الابنة القلقة والمرتبكة والمعذَّبة والممزَّقة حيّزاً بارزاً في عملية الاغتسال الروحي لها، ولصديق والدها، الذي (والدها) يُقتل أثناء تأديته واجبه المهني كمُصور تلفزيوني (أخبار عاجلة).
تداعيات الطلاق على بنات المطلَّقِين تنفلش على المسارات الدرامية في فيلمي كاستيلّيتو وليوهوتسكي، في ظلّ الحضور المباشر للثنائيات المتنازعة؛ بينما يختفي الوالدان نهائياً عن المشهد برمّته، رغم بقائهما في صلب الحكاية والانفعال والبوح، في فيلم روجينا. فالأم المطلَّقة، التي تُدعى فورتوناتا (ياسمين ترينكا) ـ والاسم يعني "المحظوظة"، رغم أن واقعها مناقض تماماً لكلّ حظ إيجابيّ ممكن ـ تعمل مُصفِّفة شعر، وتحتال على الحياة والدنيا كي تحمي ابنتها من قسوة العيش، ومن مطاردة طليقها لها لخطفها منها، قبل أن تنزلق في علاقات وارتباكات ومتاهات وخيبات. والخلافات الناشبة بين الوالدين، تضع نينا أمام تحديات يومية، لن تكون أخفّ حدّة من تلك التي يواجهها والداها. في حين أن الابنة المكسورة والمحطّمة، في "أخبار عاجلة"، تروي حكاياتها وحكايات والديها، في لقائها صديق أبيها، الراغب في كشف شيء من ماضي المُصوِّر التلفزيوني، وعلاقته بابنته وعائلته ومحيطه.
وإذْ يتفرّد "بلا حبّ" في اشتغاله السينمائي الصادم والبديع والقاسي، فإن مزيج الكوميديا والسخرية المبطنة وارتباك العيش يجعل "فورتوناتا" أقدر على الجذب، وأسرع في صناعة التفاعل معه. بينما يخوض "نينا" اختبار التمزّقات كلّها، والأسئلة ـ الخاصّة بالذات والانفعال والعلاقات ـ ستبقى معلّقة في متاهة البحث عن خلاصٍ صعب. علماً أن "أخبار عاجلة" ينزلق إلى العوالم السفلية الممزقة والمعقّدة، لأناسٍ يخرجون من الموت إلى محاولة فهم الراهن، والمقبل من حياةٍ ملتبسة وتائهة.