أعادت التسريبات المزعومة التي نشرتها قناة "مكملين" بين لواء الاستخبارات المصري، أشرف الخولي، وبعض الفنانات بينهن يسرا وهالة صدقي وعفاف شعيب، فتح ملف علاقة أجهزة الاستخبارات العربية بالفنانات وتجنيدهن لأهداف أمنية وسياسية، إذ إن تسريبات "مكملين" ــ إن صحّت ــ ليست جديدة، بل تأتي في سياق طويل من علاقات متشابكة بين السياسة والفنّ.
اسمان هما الأشهر في هذا المجال: رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية (1957 ــ 1967) صلاح نصر، وزير الإعلام المصري السابق ورجل الاستخبارات، صفوت الشريف.
وارتبطت بهذا الملفّ أسماء كثيرة، بينها أسماء نجمات بارزات، إذ برزت النجمة الراحلة سعاد حسني، وذلك بسبب تشابك المعلومات التي تمت روايتها عن علاقتها بالمخابرات. ونتيجة لذلك لا تزال حتى الساعة تحوم الشكوك حول وفاتها الغامضة في لندن، حيث وجّهت أصابع الاتهام لصفوت الشريف، وأعيد وقتها فتح ملفّ علاقتها بالمخابرات.
في كتابه "العندليب والسندريلا.. الحقيقة الغائبة" يروي الصحافي أشرف غريب كيف حاول نصر تجنيد سعاد حسني، واضعاً إياها في إطار الصراع الخفي بين نصر وعبد الحليم حافظ الذي كان على علاقة حب بحسني، وعلاقة قريبة من الرئيس جمال عبد الناصر، وهو ما أزعج نصر. لكن غريب يؤكد أن محاولة التجنيد فشلت. وهو عكس ما تقوله زوجة نصر السابقة الفنانة والمنتجة اعتماد خورشيد التي أكدت في أكثر من مقابلة تلفزيونية بشكل واضح أن سعاد حسني تعاونت مع المخابرات وأدت مهام كبيرة، لكنّ "صفوت الشريف قتلها بعدما علم أنها ستنشر مذكراتها".
إلى جانب حسني، كشفت خورشيد في مذكراتها "شاهدة على انحرافات صلاح نصر"، عن قائمة أسماء كثيرة، مؤكدة أن المخابرات المصرية برئاسة صلاح نصر جنّدت أيضاً برلنتي عبد الحميد، وشويكار ومريم فخر الدين وفاتن حمامة وصولا إلى المغربية سميرة سعيد، مشيرة إلى أن كل ذلك تم بواسطة صفوت الشريف الذي كان مكلفاً بهذا الملفّ تحديداً. وهي معلومات تحدّث عنها الشريف أثناء التحقيق معه عام 1968 في قضية انحراف المخابرات، مؤكداً أن العمليات كانت تسمى "عمليات الكنترول" أي المهام التي كانت تجنّد فيها نساء ويستخدم فيها الجنس لأهداف استخباراتية.
وكان تجنيد الفنانات، يتمّ بعد ابتزازهن بنشر صور أو فيديوهات جنسية لهنّ في حال رفضن التعاون.
قد تكون حقبة صلاح نصر هي الأشهر في تجنيد الفنانات بسبب المذكرات التي نشرت، ومحاضر التحقيق التي سرّبت. لكن مسلسل التعاون بين الفنانات وأجهزة الاستخبارات قديم جداً في العالم الغربي والعربي. وقد تكون السورية أسمهان واحدة من أشهر الفنانات اللواتي اتّهمن بالعمل مع أجهزة المخابرات. وهو ما جعل موتها لغزا كبيرا وهي في الـ23 من عمرها. إذ بين فرضية الغرق، وفرضية حادث السيارة المتعمّد، ترجّح كل الآراء الفرضية الثانية، بسبب الشكوك التي حامت حول تعاونها مع أكثر من جهاز استخبارات، بشكل خاص الحلفاء في الحرب العالمية الثانية.
واستخدمت الفنانات العربيات في عمليات تجسس في الداخل الخارج منذ بداية القرن الماضي حتى اليوم. لكن تجنيد الفنانات ليس خصوصية عربية فقط. بل أنّ صلاح نصر نفسه يقول ــ في الوثائق المسربة من عائلته ــ إنّه لجأ إلى هذه الطريقة بإيحاء مما يحصل في العالم الغربي.
وبالفعل، فإن الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وألمانيا، عرفت عشرات الجواسيس من الفنانين والفنانات.
وقبل أربعة أعوام قال النجم الأميركي بن أفليك، في مقابلة إن عملاء الـ"سي آي إيه" على الأرجح موجودون بالآلاف في هوليوود. شارحاً أن التعامل مع الاستخبارات الأميركية تتنوع أشكاله من إنتاج أفلام لتحسين صورة الجهاز وصولاً إلى التجسس.
والتاريخ يذكر عدداً كبيراً من الجواسيس الفنانات والصحافيات. أبرزهن تبقى الصحافية غلوريا شتاينم التي قادت عدداً من الفنانات اليافعات إلى التجسس لصالح الولايات المتحدة خلال الحرب الباردة، من خلال ذهابهن إلى الدول الشيوعية تحت غطاء اتحاد شبابي يساري أسسه الـ"سي آي إيه". وهو ما اعترفت به شتاينم نفسها.
في عام 2014 أصدر جون ويزو عميل الـ"سي آي إيه" السابق كتاباً بعنوان "كومباني مان" كشف فيه أسراراً كثيرة، بينها تجنيد جهاز الاستخبارات الأميركية لعشرات الفنانين في أعمال تجسس وبروبغندا من دون أن يكشف عن الأسماء. إلا أن عمليات التجسس هذه امتدت بشكل واضح من الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم. ورغم أن ويزو لم يكشف أسماء إلا أن بعض الفنانين أو أبنائهم اعترفوا بالتعامل مع الاستخبارات الأميركية أو حلفائها خلال الحروب. نذكر مثلاً الممثلة الألمانية الأشهر، المناهضة للنازية مارلين دايتريخ، والتي جنّدها الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها بعد سنتين من العمل معهم، بدأت الشكوك تحوم حول نشاطها كعميلة مزدوجة.
من أيضاً؟ القائمة تكاد لا تنتهي، فتشمل كذلك كوكو شانيل، التي تعاونت مع النازيين، وحاولت إقامة تواصل بينهم وبين بريطانيا، وهو ما فشلت فيه.