يُثير فيلم "يوم الدين"، الروائي الطويل الأول للمصري أبو بكر شوقي (القاهرة، 1985)، حالة سينمائية تتلاءم ومحتواه الدرامي، المتوافق مع شكل بصري يجمع بين "فيلم طريق" والمغامرة الفردية والبُعد الاجتماعي. عرضه الدولي الأول في المسابقة الرسمية للدورة الـ71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ" بداية نقاشٍ تتناقض سجالاته بين منبهرٍ به بفضل حسّه الإنساني المرهف وجمالياته السينمائية، بحسب قولٍ لمنبهرين به؛ ومنفضٍّ عنه بسبب خلوّه من أي جديد ممكن، بالنسبة إلى منفضّين عنه.
لكن هذا كلّه يبقى اختزالاً لا يستحقّه الفيلم، خصوصًا أن جوانبه السينمائية مشغولة بحِرَفية، وإنْ يذهب البعض إلى تشبيه الحكاية بـ"الرجل الفيل" (1981) لديفيد لينش، رغم اختلافات عديدة بينهما، سردًا وتفاصيل وبيئات ونفوسا وآلية مواجهة واشتغالا.
فالتشبيه حاصلٌ في كون الشخصيتين مُصابتين بعاهة جسدية تحوّل الجسد إلى شكلٍ مخيف، وتُمكِّن الروح والعقل من غلبة الشقاء لمصلحة الذات وحضورها في الاجتماع والحياة. ورغم أن بيشاي (راضي جمال) في "يوم الدين" غير مرتاحٍ في بيئة يُفترض بها أن تكون له، فيُقرِّر العودة إلى "مستعمرة المجذومين" في صحراء مصر حيث "ينتمي"، إلا أن التحدّي والمواجهة والبحث عن مكانٍ هو حقٌّ له، مسائل أساسية في رحلةٍ، جغرافية وروحية وإنسانية وتأمّلية، يُرافقه فيها أوباما (أحمد عبد الحافظ)، المُراهق النوبي اليتيم، المُقيم في ميتم قريبٍ من المستعمرة.
اقــرأ أيضاً
ومع أن العرض الدولي الأول في "صالة لوميير" (قصر المهرجانات) ـ المُقام في احتفال رسمي بحضور المخرج وبعض أبرز العاملين فيه، بغياب بطليه الاثنين راضي جمال وأحمد عبد الحافظ لعدم حصولهما على تأشيرة دخول في الوقت المناسب ـ ينتهي بتصفيقٍ غزير، لاستحقاقه تكريمًا كهذا في أول انطلاقة له في العالم؛ إلا أن ملاحظات نقدية وصحافية تتعامل معه برويّة وعادية، بعيدًا عن نَفَس احتفاليّ يرغب فيه مصريون وعربٌ. ففي مقابل كلامٍ إيجابي عربي بخصوصه، تبدو تعليقات أجنبية عديدة (فرنسية مثلاً) متوافقة على منحه مرتبة متدنيّة بين الأفلام المُشَاهَدة في الأيام القليلة الأولى للدورة هذه. ذلك أن مجلات سينمائية مرموقة، كـ"بوزيتيف" و"دفاتر السينما"، أو صحفاً ومجلات غير سينمائية، كـ"لو موند" و"لو فيغارو" و"لو بوان" و"لو نوفيل أوبسرفاتور" و"تيلي راما"، متفاعلةٌ معه قليلاً، أو مستاءة منه، باستثناء يومية "لا كروا" وأسبوعية "إكسبرس" اللتين تنصحان بـ"مشاهدته بشغف وحماسة"، أو يومية "لو باريسيان"، المانحة إياه "السعفة الذهبية"، قبل 8 أيام على إعلان النتائج.
يمتلك "يوم الدين" جماليات مختلفة. فبسرده حكاية بيشاي، الذي يُقرِّر البحث عن أهله غداة وفاة زوجته في "مستعمرة المجذومين"، يُنقِّب أبو بكر شوقي ـ من خلال المسار الدرامي لفيلمه هذا ـ في أحوال بيئة لها خصوصياتها الثقافية والتربوية والمسلكية والمجتمعية، وفي حالات أناسٍ ينتمون إلى شرائح فقيرة أو مُعدمة، وفي موروثٍ يرتكز على نبذ المُصابين بالجذام، وعلى إلغاء وجودهم وتغييب حضورهم. كما يسعى إلى رسم صورة ـ جغرافية وروحية وإنسانية ـ عن تفاصيل يُمكن أن تكون هامشية، لكنها تعكس أشياء كثيرة من بيشاي نفسه، كشخص مرح وساخر وحسّاس وعميق في نظرته إلى بيئات لا يعرفها، وفي لقائه أناسًا يتعرّف إليهم للمرة الأولى في حياته، فـ"يُتقن" التعامل معهم وفقًا لمسالكهم وكيفية تقبّلهم "الآخر"، أي هو.
لكن الأجمل من هذا كلّه، رغم أهميته الكبيرة، كامنٌ في سلاسة السرد، وعفوية الأداء، وواقعية التقاط الصُوَر والمتتاليات البصرية والأمكنة والمناخات، وأولوية الابتعاد المطلق عن المباشرة في قول أو بوح، باستثناء لحظات يتحوّل الكلام فيها إلى ما يُشبه الوعظ، المسيء إلى شفافية اللغة والسياق. فبيشاي يعكس، بتصرفاته وأقواله وانفعالاته واشتغالاته وسخريته وتصدّيه لمهاناتٍ ومواجع، أفضل قول أو بوح، من دون الحاجة إلى تفسير أو تبرير. كما أن لقطات عديدة تكاد وفرة الموسيقى فيها تطغى عليها، مع أنها (اللقطات) غير محتاجة البتّة إلى ما يُفعِّل تأثيراتها وجمالياتها.
فالتشبيه حاصلٌ في كون الشخصيتين مُصابتين بعاهة جسدية تحوّل الجسد إلى شكلٍ مخيف، وتُمكِّن الروح والعقل من غلبة الشقاء لمصلحة الذات وحضورها في الاجتماع والحياة. ورغم أن بيشاي (راضي جمال) في "يوم الدين" غير مرتاحٍ في بيئة يُفترض بها أن تكون له، فيُقرِّر العودة إلى "مستعمرة المجذومين" في صحراء مصر حيث "ينتمي"، إلا أن التحدّي والمواجهة والبحث عن مكانٍ هو حقٌّ له، مسائل أساسية في رحلةٍ، جغرافية وروحية وإنسانية وتأمّلية، يُرافقه فيها أوباما (أحمد عبد الحافظ)، المُراهق النوبي اليتيم، المُقيم في ميتم قريبٍ من المستعمرة.
ومع أن العرض الدولي الأول في "صالة لوميير" (قصر المهرجانات) ـ المُقام في احتفال رسمي بحضور المخرج وبعض أبرز العاملين فيه، بغياب بطليه الاثنين راضي جمال وأحمد عبد الحافظ لعدم حصولهما على تأشيرة دخول في الوقت المناسب ـ ينتهي بتصفيقٍ غزير، لاستحقاقه تكريمًا كهذا في أول انطلاقة له في العالم؛ إلا أن ملاحظات نقدية وصحافية تتعامل معه برويّة وعادية، بعيدًا عن نَفَس احتفاليّ يرغب فيه مصريون وعربٌ. ففي مقابل كلامٍ إيجابي عربي بخصوصه، تبدو تعليقات أجنبية عديدة (فرنسية مثلاً) متوافقة على منحه مرتبة متدنيّة بين الأفلام المُشَاهَدة في الأيام القليلة الأولى للدورة هذه. ذلك أن مجلات سينمائية مرموقة، كـ"بوزيتيف" و"دفاتر السينما"، أو صحفاً ومجلات غير سينمائية، كـ"لو موند" و"لو فيغارو" و"لو بوان" و"لو نوفيل أوبسرفاتور" و"تيلي راما"، متفاعلةٌ معه قليلاً، أو مستاءة منه، باستثناء يومية "لا كروا" وأسبوعية "إكسبرس" اللتين تنصحان بـ"مشاهدته بشغف وحماسة"، أو يومية "لو باريسيان"، المانحة إياه "السعفة الذهبية"، قبل 8 أيام على إعلان النتائج.
يمتلك "يوم الدين" جماليات مختلفة. فبسرده حكاية بيشاي، الذي يُقرِّر البحث عن أهله غداة وفاة زوجته في "مستعمرة المجذومين"، يُنقِّب أبو بكر شوقي ـ من خلال المسار الدرامي لفيلمه هذا ـ في أحوال بيئة لها خصوصياتها الثقافية والتربوية والمسلكية والمجتمعية، وفي حالات أناسٍ ينتمون إلى شرائح فقيرة أو مُعدمة، وفي موروثٍ يرتكز على نبذ المُصابين بالجذام، وعلى إلغاء وجودهم وتغييب حضورهم. كما يسعى إلى رسم صورة ـ جغرافية وروحية وإنسانية ـ عن تفاصيل يُمكن أن تكون هامشية، لكنها تعكس أشياء كثيرة من بيشاي نفسه، كشخص مرح وساخر وحسّاس وعميق في نظرته إلى بيئات لا يعرفها، وفي لقائه أناسًا يتعرّف إليهم للمرة الأولى في حياته، فـ"يُتقن" التعامل معهم وفقًا لمسالكهم وكيفية تقبّلهم "الآخر"، أي هو.
لكن الأجمل من هذا كلّه، رغم أهميته الكبيرة، كامنٌ في سلاسة السرد، وعفوية الأداء، وواقعية التقاط الصُوَر والمتتاليات البصرية والأمكنة والمناخات، وأولوية الابتعاد المطلق عن المباشرة في قول أو بوح، باستثناء لحظات يتحوّل الكلام فيها إلى ما يُشبه الوعظ، المسيء إلى شفافية اللغة والسياق. فبيشاي يعكس، بتصرفاته وأقواله وانفعالاته واشتغالاته وسخريته وتصدّيه لمهاناتٍ ومواجع، أفضل قول أو بوح، من دون الحاجة إلى تفسير أو تبرير. كما أن لقطات عديدة تكاد وفرة الموسيقى فيها تطغى عليها، مع أنها (اللقطات) غير محتاجة البتّة إلى ما يُفعِّل تأثيراتها وجمالياتها.