لا يحملك فيلم "واجب" إلى عوالم مختلفة وبطولات وهمية بعيدة عن الواقع الذي نحياه، بل هو ببساطة يصوّر، وبدقّة، علاقة الحب والتحدي والاختلاف التي تجمع بين أب وابنه في مجتمعاتنا الشرقية، وربما مجتمعات الكثير من دول العالم. أبدعت آن ماري جاسر، مخرجة الفيلم، في حمل المشاهد ليعيش أحداثه وكأنّه أحد شخصيات "واجب".
قد تشعر بأنّك أبو شادي (الممثل محمد بكري) الذي أفنى حياته في تربية ابنته وابنه. ذلك الموظّف الذي لا يزال ملتزماً بتقاليد مجتمعه، على الرّغم من الفضيحة التي ألّمت به بعد هروب زوجته مع عشيقها وتركه يعاني بصمت. أو قد تكون الابن الذي يرفض توجيه أصابع الاتهام إلى والدته ويستمرّ في تبرير أفعالها، وهو ما نلاحظه حين ينفجر شادي (الممثل صالح بكري) في وجه والده مدافعاً عن والدته وحقها أن تختار حياتها عوضاً عن دفنها خوفاً من كلام الناس. أو الابن ذاته الذي يعجز عن استيعاب تضحية والده ويرى فيه رجلاً مكسوراً خانعاً أمام ما يفرضه عليه مجتمعه.
وربّما تحس أنك تلك الجارة التي تنتظر بفارغ الصبر أي شخص لمساعدتها على إصلاح شيء في منزلها، أو الجدة التي تحاول مواكبة التكنولوجيا وتجد لدى أحفادها المساعدة التي تحتاجها، أو جورجيت المرأة التي لا تختلف عن نساء العالم وتحلم بالزواج مهما تقدّم بها العمر.
قابل "العربي الجديد"، آن ماري جاسر، خلال أمسية خاصة نظمتها مؤسسة الجليل، (خيرية بريطانية مسجلة)، وذلك قبل أن يبدأ عرض فيلم "واجب" رسميًا في دور السينما في لندن اليوم، 14 سبتمبر/أيلول.
تقول آن ماري، إنّها تتأمّل وتشعر أنّ الفيلم سيلاقي نجاحاً في بريطانيا وذلك لسبب واحد، أنّ "واجب" هو بالطبع فيلم عن فلسطين وهو خاص جداً يروي قصة أب وابن يقيمان في الناصرة ويجولان فيها وهما يوزعان دعوات للعرس.
تتابع آن ماري، أن فيه روح نكتة، وأنّها حين تفكر أحياناً ترى أنّ حس الفكاهة الإنكليزي قريب جداً من ذلك الفلسطيني، يعني سوداوي نوعاً ما ونحب أن نضحك على أنفسنا... وتعلّق أنّه حين عرض الفيلم في مهرجان لندن قبل عام كانت ردة فعل الجمهور جميلة جداً بالنسبة لها.
أمّا عن المستوى الدولي للأفلام العربية، فترى آن ماري أنّها ناجحة جداً، حيث نرى تقريباً، كل عام، أفلاماً عربية فلسطينية لبنانية عراقية سورية، تحظى بجوائز في مهرجان فينيسيا، وكان وبرلين وتورنتو ولوكارنو. أي هناك مخرجون يبرزون من العالم العربي ويقدمون أعمالاً جميلة ومستقلة، خاصة في ظل غياب التمويل أو مؤسسات تدعمهم، وهو ما يجعل عملهم أصعب، لكنهم في الوقت ذاته يشعرون بوجود روح حرة تتناول مواضيع كثيرة.
"أنا لست من شمال فلسطين، أنا من الجنوب من بيت لحم، وحين ذهبت إلى الشمال حيث أقيم اليوم في حيفا، شعرت أنّ هناك الكثير من التوتر وحياة صعبة، ولكن في الوقت ذاته لا يزال الناس يتمتعون بروح مميزة". تقول آن ماري، وتكمل: "من الممكن أن نقول إن "واجب رسالة حب مني إلى أهل الداخل".
سلّطت آن ماري الضوء على حياتنا اليومية بأشكالها المختلفة وبأسلوب عفوي سلس بعيد عن التكلّف. وأبرزت مشاعر الألم المكبوتة لعقود من الزمن في صدر أبو شادي في مرارة دمعة يحبسها في عينيه، وأظهرت غضب واشمئزاز شادي في تأفّفه من كل ما يحيط به واستخدامه كلمات نابية.
أخذتنا آن ماري في جولة جميلة في مدينة الناصرة التاريخية، بدأت داخل سيارة منذ المشهد الأوّل حيث بيّنت الاختلاط الطائفي الموجود فيها، حين يستمع أبو شادي إلى الوفيات عبر الراديو وتنوع أماكن الدفن بين كنائس ومساجد. وجالت بنا في شوارعها المهملة حيث تكدّست الزبالة ومنازلها الجميلة التي شوهتها الشوادر البلاستيكية وغيرها.
مشاهد تكاد تضعنا في المقعد الخلفي للسيارة التي شبّهتها آن ماري بسجن في أحد لقاءاتها. هناك ننصت إلى حديث يدور بين أبو شادي وشادي. ذلك الحوار بين أب وابنه والمشاعر القوية الغامضة التي تجمعهما على الرّغم من اختلافهما الكبير. وتنتهي جولتنا على شرفة فسيحة مطلّة على جمال مدينة الناصرة حيث يتنفّس أبو شادي وشادي الصعداء عبر تدخين سيجارة امتنعا عنها طوال الفيلم.
اقــرأ أيضاً
كتبت آن ماري جاسر وأخرجت وأنتجت أكثر من ستة عشر فيلماً. عُرض فيلمان من أفلامها كخيار رسمي في مهرجان كان، أحدهما في برلين وفي فينيسيا ولوكارنو وتيلورايد. كان فيلمها القصير مثل العشرين من المستحيلات (2003) أول فيلم عربي قصير في التاريخ يتم اختياره رسميًا لمهرجان كان السينمائي، واستمر في الظهور عندما وصل إلى الدور النهائي لجوائز الأوسكار. أما العمل الثاني، الذي قامت به لأول مرة في مدينة كان، فهو "ملح هذا البحر" الذي حظي بشهرة كبيرة، وفاز بجائزة النقاد وحصل على جائزة فيبرسكي و14 جائزة دولية أخرى من بينها جائزة أفضل فيلم في ميلانو. كذلك فاز فيلم "لما شفتك"، بجائزة أفضل فيلم آسيوي في مهرجان برلين الدولي وأفضل فيلم عربي في أبو ظبي.
أمّا فيلمها الأخير "واجب" فحاز على 29 جائزة دولية بما في ذلك جائزة أفضل فيلم في مار ديل بلاتا، وأمينس، وكيرالا، وكوسوفو ودبي. وسيعرض في مناطق مختلفة في بريطانيا وهي لندن ومانشستر وأيرلندا وبريستول واسكتلندا وغيرها.
(تصوير ومونتاج: أحمد الداوودي)
قد تشعر بأنّك أبو شادي (الممثل محمد بكري) الذي أفنى حياته في تربية ابنته وابنه. ذلك الموظّف الذي لا يزال ملتزماً بتقاليد مجتمعه، على الرّغم من الفضيحة التي ألّمت به بعد هروب زوجته مع عشيقها وتركه يعاني بصمت. أو قد تكون الابن الذي يرفض توجيه أصابع الاتهام إلى والدته ويستمرّ في تبرير أفعالها، وهو ما نلاحظه حين ينفجر شادي (الممثل صالح بكري) في وجه والده مدافعاً عن والدته وحقها أن تختار حياتها عوضاً عن دفنها خوفاً من كلام الناس. أو الابن ذاته الذي يعجز عن استيعاب تضحية والده ويرى فيه رجلاً مكسوراً خانعاً أمام ما يفرضه عليه مجتمعه.
وربّما تحس أنك تلك الجارة التي تنتظر بفارغ الصبر أي شخص لمساعدتها على إصلاح شيء في منزلها، أو الجدة التي تحاول مواكبة التكنولوجيا وتجد لدى أحفادها المساعدة التي تحتاجها، أو جورجيت المرأة التي لا تختلف عن نساء العالم وتحلم بالزواج مهما تقدّم بها العمر.
قابل "العربي الجديد"، آن ماري جاسر، خلال أمسية خاصة نظمتها مؤسسة الجليل، (خيرية بريطانية مسجلة)، وذلك قبل أن يبدأ عرض فيلم "واجب" رسميًا في دور السينما في لندن اليوم، 14 سبتمبر/أيلول.
تقول آن ماري، إنّها تتأمّل وتشعر أنّ الفيلم سيلاقي نجاحاً في بريطانيا وذلك لسبب واحد، أنّ "واجب" هو بالطبع فيلم عن فلسطين وهو خاص جداً يروي قصة أب وابن يقيمان في الناصرة ويجولان فيها وهما يوزعان دعوات للعرس.
تتابع آن ماري، أن فيه روح نكتة، وأنّها حين تفكر أحياناً ترى أنّ حس الفكاهة الإنكليزي قريب جداً من ذلك الفلسطيني، يعني سوداوي نوعاً ما ونحب أن نضحك على أنفسنا... وتعلّق أنّه حين عرض الفيلم في مهرجان لندن قبل عام كانت ردة فعل الجمهور جميلة جداً بالنسبة لها.
أمّا عن المستوى الدولي للأفلام العربية، فترى آن ماري أنّها ناجحة جداً، حيث نرى تقريباً، كل عام، أفلاماً عربية فلسطينية لبنانية عراقية سورية، تحظى بجوائز في مهرجان فينيسيا، وكان وبرلين وتورنتو ولوكارنو. أي هناك مخرجون يبرزون من العالم العربي ويقدمون أعمالاً جميلة ومستقلة، خاصة في ظل غياب التمويل أو مؤسسات تدعمهم، وهو ما يجعل عملهم أصعب، لكنهم في الوقت ذاته يشعرون بوجود روح حرة تتناول مواضيع كثيرة.
"أنا لست من شمال فلسطين، أنا من الجنوب من بيت لحم، وحين ذهبت إلى الشمال حيث أقيم اليوم في حيفا، شعرت أنّ هناك الكثير من التوتر وحياة صعبة، ولكن في الوقت ذاته لا يزال الناس يتمتعون بروح مميزة". تقول آن ماري، وتكمل: "من الممكن أن نقول إن "واجب رسالة حب مني إلى أهل الداخل".
سلّطت آن ماري الضوء على حياتنا اليومية بأشكالها المختلفة وبأسلوب عفوي سلس بعيد عن التكلّف. وأبرزت مشاعر الألم المكبوتة لعقود من الزمن في صدر أبو شادي في مرارة دمعة يحبسها في عينيه، وأظهرت غضب واشمئزاز شادي في تأفّفه من كل ما يحيط به واستخدامه كلمات نابية.
أخذتنا آن ماري في جولة جميلة في مدينة الناصرة التاريخية، بدأت داخل سيارة منذ المشهد الأوّل حيث بيّنت الاختلاط الطائفي الموجود فيها، حين يستمع أبو شادي إلى الوفيات عبر الراديو وتنوع أماكن الدفن بين كنائس ومساجد. وجالت بنا في شوارعها المهملة حيث تكدّست الزبالة ومنازلها الجميلة التي شوهتها الشوادر البلاستيكية وغيرها.
مشاهد تكاد تضعنا في المقعد الخلفي للسيارة التي شبّهتها آن ماري بسجن في أحد لقاءاتها. هناك ننصت إلى حديث يدور بين أبو شادي وشادي. ذلك الحوار بين أب وابنه والمشاعر القوية الغامضة التي تجمعهما على الرّغم من اختلافهما الكبير. وتنتهي جولتنا على شرفة فسيحة مطلّة على جمال مدينة الناصرة حيث يتنفّس أبو شادي وشادي الصعداء عبر تدخين سيجارة امتنعا عنها طوال الفيلم.
كتبت آن ماري جاسر وأخرجت وأنتجت أكثر من ستة عشر فيلماً. عُرض فيلمان من أفلامها كخيار رسمي في مهرجان كان، أحدهما في برلين وفي فينيسيا ولوكارنو وتيلورايد. كان فيلمها القصير مثل العشرين من المستحيلات (2003) أول فيلم عربي قصير في التاريخ يتم اختياره رسميًا لمهرجان كان السينمائي، واستمر في الظهور عندما وصل إلى الدور النهائي لجوائز الأوسكار. أما العمل الثاني، الذي قامت به لأول مرة في مدينة كان، فهو "ملح هذا البحر" الذي حظي بشهرة كبيرة، وفاز بجائزة النقاد وحصل على جائزة فيبرسكي و14 جائزة دولية أخرى من بينها جائزة أفضل فيلم في ميلانو. كذلك فاز فيلم "لما شفتك"، بجائزة أفضل فيلم آسيوي في مهرجان برلين الدولي وأفضل فيلم عربي في أبو ظبي.
أمّا فيلمها الأخير "واجب" فحاز على 29 جائزة دولية بما في ذلك جائزة أفضل فيلم في مار ديل بلاتا، وأمينس، وكيرالا، وكوسوفو ودبي. وسيعرض في مناطق مختلفة في بريطانيا وهي لندن ومانشستر وأيرلندا وبريستول واسكتلندا وغيرها.
(تصوير ومونتاج: أحمد الداوودي)