ظهرت شخصية "باتمان" للمرة الأولى عام 1939 بعد نجاح شخصيّة "سوبرمان"، إذ قام كل من بوب كاني، وبيل فينجر بإنجاز أول تصور للشخصيّة ضمن شريط "كوميك" صغير. وبعدها، ظهرت أول كوميك خاصة به عام 1940. منذ تلك اللحظة وحتى الآن، تحول "بروس وين" و"باتمان" إلى جزءٍ جوهري من الثقافة الشعبيّة العالميّة، وأصبحا شخصيتين ضمن هيكل الأساطير المعاصرة التي تحضر في مدننا الحديثة ذات الأبنيّة الإسمنتية العاليّة، والحسابات البنكيّة، والعصابات التي تتحكم بمصائر البسطاء والمهمّشين.
يحتفل عشاق "الكوميكس" ومحبّو "باتمان" هذا العام بميلاد الشخصية الثمانين. إذ زيَّن متجر لافاييت Lafayette في باريس واجهته بقناع كبير لـ"باتمان". كما عُرضِت سيارته الشهيرة في الشانزيليزيه. وكان من المفترض أن يحتفل المتجر بهذه الذكرى بإنارة واجهته بعلامة "باتمان" الشهيرة. إلا أن الشرطة أوصت بعدم القيام بذلك، بسبب المظاهرات في الشارع، والخشية من الأثر الذي يمكن أن تتركه هذه الإشارة، إن اشتعلت في فضاء المدينة.
لكن، ما الذي يمكن أن نكتبه عن "باتمان" بعد 80 عاماً، ومئات الأشكال الفنية التي ظهر ضمنها والمقالات الفلسفية والنقدية التي جعلته واحداً من أبطالنا المعاصرين؟ سذاجة السؤال لا تقلل من قيمة "باتمان"، لكنها تكشف كيف أصبح واحداً من أبطال الحكايات الكبرى، كهاملت وأوديب، وغيرهم الذين تتالت وتكاثرت النصوص حولهم، حتى أصبحوا ماكينات للعلامات والحكايات. ففي كل مرة تظهر حكاية، يتغير الأصل ويزداد انفتاحاً، وهذا ما يميز "باتمان"، هو واحد منا، يشبهنا، بشريّ، يحوي عيوبنا وأخطءئنا، ينتمي لعالمنا هذا، ولم يأت من بعيد، هو من يحقق العدالة خارج القانون الذي يرى فيه أيضاً أداة فاسدة، هو لا يثق إلا بنفسه و"ألعابه"، أما الباقون، فمحط الشكّ.
نسخر من "باتمان" بسبب زيّه، نحاكم قراراته أحياناً، نتهمه بالجنون أو الاضطراب النفسي، نتماهى معه أو ننفي وجوده، كل هذه العلاقات ترتبط بحكايته ذاتها، وشكلها الذي يتكرر منذ بداية الفن الحكائيّ. هو اليتيم، الذي قُتل والده أمام عينيه ما جعله وريث "مملكته"، يسعى للانتقام من الجميع، يوظف الخوف لتحقيق هدف، يخوض رحلةً لتحقيق عدالة رومانسيّة لا يمكن تحقيقها، فهو يؤمن بعطب جوهري في العالم، ويراهن بسذاجة على "الطيبة البشريّة"، وهذا ما يتجلى في أعدائه "الجوكر" و"رأس الغول"، وغيرهم، فهم إما هاربون من "مشفى مجانين"، أو مضربون نفسيّون. أعداء يمتلكون خللاً في تكوينهم وطبيعتهم الإنسانيّة.
قناع "باتمان" يُحرِّره من واجباته وتعريفه كمواطن، إذْ يتحرك خارج النظام السياسي وحدوده، لا يعنيه أي من قوانينه سوى قانون واحد، قدسية الحياة، "باتمان" لا يقتل إنساناً، حرمة الحياة البشرية هي شرطه الوحيد مهما كانت هذه الحياة مضطربة، ونركز على إنسان وبشريّ لأنه سبق له أن حاول قتل "سوبرمان"، وكائنات فضائيّة، وكأن قدسية الحياة هذه ترتبط بالعنف الذي شهده حين قتل والداه، لا يمكن له أن يكرر فعل "أعدائه"، ومهما بلغ "شرهم" فلن يتورط في لعبتهم. وهذا ما كان يحاول "الجوكر" (هيث ليدجر) فعله في الجزء الثاني من ثلاثية "باتمان" التي أخرجها كريستوفر نولان. إذْ أراد أن يدفع "باتمان" حد القتل، ولو قتل "الجوكر" نفسه، فقط ليثبت صاحب الابتسامة الدائمة في لعبة ملتوية، أنه و"باتمان" ليسا إلا ذات الشخص، مهووسان يدافعان عن فكرة وجوديّة: هل الشر أصيل في البشر أم مجرد حدث طارئ؟
اقــرأ أيضاً
تجنب القتل هذا هو ما يعكس بشريّة "باتمان"، مهما حاول القناع أن يجعل منه أسطورة أو فارساً عصيّاً على الفهم، نراه يبقى متمسكاً بما يجعله مختلفاً عن أعدائه، حتى لو تشابه معهم بتنكره، مع ذلك هناك بعض النسخ من الحكاية التي يقتلُ فيها "باتمان"، أو بصورة أدقّ كما حصل في الجزء الأول من سلسلة "باتمان" من إخراج كريستوفر نولان، إذْ يترك "باتمان" رأس الغول لموته، هو لا يقتله، في ذات الوقت، لا ينقذه.
يحتفل عشاق "الكوميكس" ومحبّو "باتمان" هذا العام بميلاد الشخصية الثمانين. إذ زيَّن متجر لافاييت Lafayette في باريس واجهته بقناع كبير لـ"باتمان". كما عُرضِت سيارته الشهيرة في الشانزيليزيه. وكان من المفترض أن يحتفل المتجر بهذه الذكرى بإنارة واجهته بعلامة "باتمان" الشهيرة. إلا أن الشرطة أوصت بعدم القيام بذلك، بسبب المظاهرات في الشارع، والخشية من الأثر الذي يمكن أن تتركه هذه الإشارة، إن اشتعلت في فضاء المدينة.
لكن، ما الذي يمكن أن نكتبه عن "باتمان" بعد 80 عاماً، ومئات الأشكال الفنية التي ظهر ضمنها والمقالات الفلسفية والنقدية التي جعلته واحداً من أبطالنا المعاصرين؟ سذاجة السؤال لا تقلل من قيمة "باتمان"، لكنها تكشف كيف أصبح واحداً من أبطال الحكايات الكبرى، كهاملت وأوديب، وغيرهم الذين تتالت وتكاثرت النصوص حولهم، حتى أصبحوا ماكينات للعلامات والحكايات. ففي كل مرة تظهر حكاية، يتغير الأصل ويزداد انفتاحاً، وهذا ما يميز "باتمان"، هو واحد منا، يشبهنا، بشريّ، يحوي عيوبنا وأخطءئنا، ينتمي لعالمنا هذا، ولم يأت من بعيد، هو من يحقق العدالة خارج القانون الذي يرى فيه أيضاً أداة فاسدة، هو لا يثق إلا بنفسه و"ألعابه"، أما الباقون، فمحط الشكّ.
نسخر من "باتمان" بسبب زيّه، نحاكم قراراته أحياناً، نتهمه بالجنون أو الاضطراب النفسي، نتماهى معه أو ننفي وجوده، كل هذه العلاقات ترتبط بحكايته ذاتها، وشكلها الذي يتكرر منذ بداية الفن الحكائيّ. هو اليتيم، الذي قُتل والده أمام عينيه ما جعله وريث "مملكته"، يسعى للانتقام من الجميع، يوظف الخوف لتحقيق هدف، يخوض رحلةً لتحقيق عدالة رومانسيّة لا يمكن تحقيقها، فهو يؤمن بعطب جوهري في العالم، ويراهن بسذاجة على "الطيبة البشريّة"، وهذا ما يتجلى في أعدائه "الجوكر" و"رأس الغول"، وغيرهم، فهم إما هاربون من "مشفى مجانين"، أو مضربون نفسيّون. أعداء يمتلكون خللاً في تكوينهم وطبيعتهم الإنسانيّة.
قناع "باتمان" يُحرِّره من واجباته وتعريفه كمواطن، إذْ يتحرك خارج النظام السياسي وحدوده، لا يعنيه أي من قوانينه سوى قانون واحد، قدسية الحياة، "باتمان" لا يقتل إنساناً، حرمة الحياة البشرية هي شرطه الوحيد مهما كانت هذه الحياة مضطربة، ونركز على إنسان وبشريّ لأنه سبق له أن حاول قتل "سوبرمان"، وكائنات فضائيّة، وكأن قدسية الحياة هذه ترتبط بالعنف الذي شهده حين قتل والداه، لا يمكن له أن يكرر فعل "أعدائه"، ومهما بلغ "شرهم" فلن يتورط في لعبتهم. وهذا ما كان يحاول "الجوكر" (هيث ليدجر) فعله في الجزء الثاني من ثلاثية "باتمان" التي أخرجها كريستوفر نولان. إذْ أراد أن يدفع "باتمان" حد القتل، ولو قتل "الجوكر" نفسه، فقط ليثبت صاحب الابتسامة الدائمة في لعبة ملتوية، أنه و"باتمان" ليسا إلا ذات الشخص، مهووسان يدافعان عن فكرة وجوديّة: هل الشر أصيل في البشر أم مجرد حدث طارئ؟
تجنب القتل هذا هو ما يعكس بشريّة "باتمان"، مهما حاول القناع أن يجعل منه أسطورة أو فارساً عصيّاً على الفهم، نراه يبقى متمسكاً بما يجعله مختلفاً عن أعدائه، حتى لو تشابه معهم بتنكره، مع ذلك هناك بعض النسخ من الحكاية التي يقتلُ فيها "باتمان"، أو بصورة أدقّ كما حصل في الجزء الأول من سلسلة "باتمان" من إخراج كريستوفر نولان، إذْ يترك "باتمان" رأس الغول لموته، هو لا يقتله، في ذات الوقت، لا ينقذه.