ولأنه جدل، فلا بد من شربل روحانا، كي يكون الطرف الآخر، علماً بأن عوديهما كانا يشتبكان موسيقياً وينفصلان، محمولين على إيقاع علي الخطيب وباص عبود سعدي، ما يجعل الجدل شأناً ذاتياً، أي أن الحاضر والماضي يتجادلان في هوية واحدة.
وفي الألفية الثانية كان العود يعقد شراكة مع الإيقاع (بشار خليفة) والكونترباص (بيتر هيربرت)، ثم اختار في الخطوة الثالثة عوده وحده، ليأتي كونشيرتو العود مع الأوركسترا (كونشيرتو الأندلس).
الخطوة الرابعة المنتظرة اليوم الخميس، عند السابعة والنصف مساء، في دار أوبرا الحي الثقافي (كتارا) في العاصمة القطرية الدوحة، تحت عنوان "مداعبة كونشيرتو لأربعة أعواد" مع أوركستر قطر الفيلهارمونية، لكل من شربل روحانا، وكنان إدناوي، وطارق الجندي، وإيلي خوري.
هذه الموسيقى كما يقول مارسيل خليفة في صفحته على فيسبوك "ليست منفصلة عما سبقها من تاريخ موسيقي لهذه الآلة الموسيقية الجميلة. إنها لم توجد هكذا من فراغ. وهي ليست سوى حلقة من السلسلة الطويلة التي تشكل تاريخ الكتابة والعزف في الموسيقى العربية".
ويتحدث خليفة عن الجديد في آلة العود الذي كان يسجل اسمه في كل طريق، وفي تاريخ تطور الآلة ذاتها، مشيراً إلى معلمين عبدوا الطريق بأياديهم وأرواحهم، إذ كان زرياب جديداً في عصره، ومثله محيي الدين حيدر، وجميل بشير محمد القصبجي، وجورج ميشال، ومنير بشير، وأستاذه فريد غصن وصولاً إلى يومنا هذا.
وفقاً لخلاصته فإن الجديد هو التعبير بأدوات جديدة تتفق مع متطلبات تطور الإنسان في عصرنا، وكل هذا لا يأتي من خارج التاريخ لآلة العود نفسها بل من داخل تاريخ الآلة العربية.
ودفعاً لأي التباس، فإن مارسيل خليفة لا يعني بالتاريخ إغلاق الباب على التفاعل مع أشكال تطور التعبير الفني في العالم، بل يؤكد على أن التفاعل "ضروري جداً مع الحفاظ على الملامح الخاصة لتراث شعبنا".
بدوره يكشف المؤلف الموسيقي وعازف العود شربل روحانا عن أن تجربة رباعي العود تحدث عنها مارسيل خليفة بشغف مراراً وتكراراً، وهي مكتوبة بمعظمها منذ تسعينيات القرن الماضي وكان يجب أن تقدم للجمهور لو توافرت حينها الشروط المناسبة.
لماذا الآن؟ يسأل روحانا ويجيب بأن السبب الأساسي قد يعود إلى وجود وجهوزية العازفين، وهذا لم يكن متوفراً منذ ثلاثين سنة، لافتاً إلى صعوبة التنسيق وترجمة النص الموسيقي من خلال أربعة أعواد، ابتداء من الدوزان، مروراً بإتقان العزف، وصولاً إلى فهم عميق للنص الموسيقي، وإيجاد معادلة للعزف بين العازفين الأربعة من جهة والأوركسترا من جهة ثانية، خصوصاً أن هذه التجربة قد تكون الأولى في هذا المجال.
Facebook Post |
ويمضي قائلاً إن تاريخ العود الحديث عرف أعمالاً لعود منفرد أو مع أوركسترا، أو لعودين أو مجموعة أعواد كبيرة، إلا أن العبرة -كما يضيف- في التأليف المبتكر والعزف المبدع.
وفي خلاصة عالية النبرة، يرى روحانا أن هذا الإبداع ينبغي أن يرتكز على فهم عميق لتاريخ آلة العود "ولا يكتفي بعرض عضلات وهمية واهية تأليفاً وعزفاً يحاكي المراهقين ولفترة قصيرة".
هذه النبرة تلوح أيضاً في دعوة مارسيل خليفة إلى العمل على خلق توازن بين اتجاهين يهددان العود، وهما السلفية المفرطة في إنكار التطور التاريخي الذي نعيش فيه، والفوضى العبثية التي تقترح على العود باباً واحداً للمعاصرة.
يقود الأوركسترا المايسترو البلجيكي ديرك بروسيه، والذي سيضطلع بمهمتين، واحدة للأعواد والأوركسترا، والثانية لكونشيرتو البيانو والأوركسترا، ويحمل عنوان "مصير"، من تأليف وعزف رامي خليفة.
استغرق تأليف الكونشيرتو عاماً ونصف العام، ليقدمه للمرة الأولى مع أوركسترا قطر الفيلهارمونية.
ويوصف رامي خليفة، المولود في بيروت عام 1981، بأنه عازف موسيقي ذو تعبير موسيقى تجريبي، يمزج موسيقى التكنو في الموسيقى المعاصرة بطريقة رومانسية، كما أنه انقطع عن عزف المؤلفات الكلاسيكية للبيانو، ذاهباً إلى التأليف واستخراج طاقات تعبيرية موسيقية خاصة لشاب يعتبر نفسه مزيجاً من الثقافات الإنسانية.
وفي عام 2011، ظهر ضمن تعاون عائلي مع الأب مارسيل والشقيق عازف الإيقاع بشار. وكانت تجربة مفاجئة، لجهة الروح الجديدة المحمولة على مشارب موسيقية مختلفة أسهم الثلاثة في تأليفها.
أصدر رامي خليفة أكثر من عشرة أعمال من ضمنها "فوضى" 2009، و "قصص" 2016، و "ضائع" 2018.