حين وصل المنتج الموسيقي وعازف الإيقاع السوري فراس حسن إلى بلجيكا، واجه صورة نمطية مشوهة عن الموسيقيين العرب، وهي صورة استشراقية لا تخلو من الاستعطاف حيال الوافدين من المنطقة العربية، وأحياناً الاستخفاف بهم.
في المقابل، يتمّ تضخيم هالة النجومية لوافدين ذوي معرفة محدودة بالموسيقى على أساس أنهم "حالة إنسانية". وكنتيجة، يتحول أولئك تلقائياً إلى مادة مروّجة للصورة النمطية الاستشراقية، ما يؤدي إلى تشويه مفهوم الموسيقى العربية، حقيقتها وتاريخها.
وفي الآن ذاته، وبعد أن خاض الموسيقي الشاب تجربة تعليم الموسيقى في إحدى الجامعات الألمانية، تبيّن له غياب الجدية في التعامل مع مفهوم الموسيقى العربية بشكل عام، وإن في إطار أكاديمي.
أمام ذلك الواقع، كان لا بد من إيجاد معهد أكاديمي في أوروبا يختص بتدريس الموسيقى العربية على أصولها، فولدت مبادرة حملت عنوان أكاديمية الموسيقى العربية في بلجيكا، هي اليوم مؤسسة غير ربحية تهدف إلى نشر الثقافة الموسيقية للبلاد العربية بلهجاتها ولغاتها الإثنية المختلفة؛ مشرقية كانت أم مغاربية.
أسّس فراس حسن أكاديمية الموسيقى العربية منذ عامين في بروكسل، وهي تسعى إلى تقديم دروس في العزف على آلات شرقية منوعة (عود، قانون، ناي، إيقاع)، إلى جانب الغناء العربي التقليدي والصولفيج وتدريب الأذن. انطلقت الدروس بشكل رسمي مطلع الشهر الحالي، بالتعاون مع الملتقى الثقافي لاغرانج بوينتس – بروكسل الذي سيقدّم مساحة لإقامة الدروس، على أن تنتظم بوتيرة أسبوعية وتهدف لتأسيس جوقة غنائية على المدى الطويل.
لا تختصر مهمة أكاديمية الموسيقى العربية ضمن الدروس الروتينية، بل ويواكبها مختبر أبحاث لإعادة إنتاج الموسيقى وتوثيقها. فبالنسبة لفراس حسن، لا بد من "دراسة القوالب الموسيقية القديمة التي لدينا وإعادة إنتاجها لخلق محتوى غني خارج إطار الاستعراض الأدائي". يشير فراس إلى فجوة في الهوية منيت بها الموسيقى العربية بعد اختراقها بالتأثيرات الغربية، ما غيّب التراكم المناطقي الأصيل في عملية تطوّر الموسيقى العربية، ليتحوّل إلى عملية تقليد غير واعٍ لأنماط غربية في الموسيقى.
الأكاديمية توفّر أيضاً استشارات في مجال الموسيقى العربية وهي متاحة، كالدروس، لجميع الجنسيات والأعمار، علماً بأن الأكاديمية "لا تهدف لتعريف المجتمع الغربي إلى تراثنا بقدر ما تهدف لتعزيز هويتنا من خلال ذلك التراث"، على حد قول فراس.
وبالتوازي، يضيف مؤسس الأكاديمية "علينا أن نخرج من دائرة القوميات والحدود، فالفنون بمجملها هي إرث إنساني يتخطى حدود الإثنية. فموسيقى بيتهوفن على سبيل المثال تهمّني كموسيقي أكثر مما قد تهمّ مواطناً ألمانياً غير مطّلع عليها." تخرّج فراس حسن من المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان (2006) متخصصاً بالإيقاع الشرقي، ثم تخصص في مجال الإنتاج الموسيقي في جامعة بيركلي في فالنسيا (2013). كذلك حصل عام 2016 على منحة الصندوق العربي للثقافة والفنون (آفاق) لصالح إنتاج ألبومه الموسيقي الأول بعنوان "نبض من الأفق" الذي بدأ مؤخراً بنشر تسجيلاته على يوتيوب.
وإلى جانب عمله مديراً لأكاديمية الموسيقى العربية، يعمل فراس حسن منتجاً موسيقياً لعدد من المبادرات الموسيقية كمجموعتي "مدّ" و"رمل". ويبقى المحفّز الأوليّ وراء كل تلك المبادرات هو غياب مرجعية صوتية للموسيقى العربية الشرقية.
حول ذلك، يقول فراس: "من المهم جداً أن تكون هناك قاعدة بيانات في أية مكتبة موسيقية باسم التراث العربي. نحن نقوم بدارسة نظريات الموسيقى والصولفيج وهندسة الصوت، لكن الناتج في نهاية الأمر هو صوت، إما أن تحبه أو لا. هدفنا اليوم هو العمل على خلق مادة صوتية بجودة عالية جميلة وإنتاج نسخة جيدة معاصرة لتراثنا الموسيقي العربي على أن نحافظ على هويته الأصيلة مهما تنوّعت التوزيعات".