أثّر الحجر الصحي الذي تم فرضه بسبب انتشار وباء كورونا على الصحة النفسية للنساء بشكل خاص، فالدراسات التي نشرتها الأمم المتحدة مؤخراً تشير إلى أن النساء والفتيات هن الفئة الأكثر تضرراً من تبعات الحجر الصحي. وفي محاولة لرفع التوعية حول الصحة النفسية للنساء وأهمية الدعم النفسي، أطلقت إذاعة "روزنة" السورية بالتعاون مع منظمة "فيريفايد" التابعة للأمم المتحدة برنامج "أنت منيحة"، وهو عبارة عن برنامج إذاعي منوع، يحتوي بفقراته على مقاطع دراما إذاعية، كما يعرض قصص النساء على شكل مذكرات صوتية، إضافةً إلى حوارات تُدار مع متخصصين بالطب والإرشاد النفسي. ويتألف البرنامج من ثماني حلقات، في كل حلقة يتم تسلط الضوء على اضطراب نفسي ما، كالوحدة والقلق والتوتر والاكتئاب؛ ليتم استعراض مذكرات للنساء سوريات في تركيا ومعاناتهن النفسية خلال فترة الحجر الصحي، بالإضافة لنشر قصص مصورة (كوميكس) ملحقة بالبرنامج.
التقت "العربي الجديد" مع مصطفى الدباس، الذي يشغل دور المدير التنفيذي لحملة "أنت منيحة" ويعمل محرراً في القسم العربي في حملة United Nations Verified. وعن سبب اختيارهم النساء السوريات اللاجئات في مدينة غازي عنتاب التركية كجماعة مستهدفة لحملتهم، يقول الدباس: "لقد خلق فيروس كورونا بيئة مليئة بالقلق والتوتر لا تتم مناقشتها على نطاق واسع. ويؤثر هذا بشكل خاص على المجتمعات الضعيفة بالفعل، مثل مجتمعات اللاجئين. كلاجئين، لا يستطيع السوريون في غازي عنتاب الوصول إلى خدمات الصحة العامة اللازمة، بما فيها خدمات الصحة النفسية، إذ عانت اللاجئات السوريات هناك من صراعات وصدامات طوال حياتهن، وأدى الوباء إلى تفاقم الأمر. وعند التخطيط للحملة، أجرينا بحثاً مكتبياً للنظر في الدراسات الأكاديمية المختلفة التي أشارت إلى الآثار النفسية لوباء كوفيد على العديد من الأشخاص. أظهر هذا أن مجتمعات اللاجئين هي من بين أكثر المجتمعات عرضة للآثار النفسية للوباء". وركزت إحدى هذه الدراسات، التي أجراها باحثون أكاديميون في جامعة ليفربول بالمملكة المتحدة، على تأثير الوباء على اللاجئين السوريين في تركيا. وأظهرت الدراسة أن اللاجئين السوريين يعانون من عرض واحد على الأقل من أعراض الاكتئاب، وتفاقم ذلك بفقدان الوظائف وصعوبة الوصول إلى الخدمات الصحية ودعم الصحة النفسية والبيئة المضغوطة في المنزل مع الأطفال والتعليم عن بعد.
كما أشارت إلى اللغة كعقبة أخرى أمام اللاجئين السوريين في تركيا. إذ أدى الافتقار إلى خدمات الصحة النفسية بلغتهم الأم إلى جعل حياتهم تبدو أكثر صعوبة. وخلال فترات الإغلاق، تغيرت الأدوار في الأسرة وخلق وجود أفراد الأسرة على مدار 24 ساعة في المنزل المزيد من التحديات، خاصةً بالنسبة للنساء، اللائي أصبحن مسؤولات عن رعاية الأطفال والتأكد من متابعتهم لعملهم المدرسي عبر الإنترنت بالإضافة للأعمال المنزلية. وكانت التحديثات والصعوبات أكبر بالنسبة للمرأة العزباء؛ إذ يعيش عدد كبير من اللاجئات في غازي عنتاب في المدينة كأمهات عازبات مع أطفالهن بعد أن فقدن أفراداً من عائلاتهن خلال الحرب في سورية. فالأمر الذي دفعنا للتوجه إلى النساء في غازي عنتاب أنهن كم من النساء الأكثر تضرراً خلال الوباء.
وعن سبب اختيار القصص المصورة والدراما الإذاعية كوسيلة لتسليط الضوء على تأثير كورونا على الصحة النفسية للنساء، يقول الدباس: "لا تزال الصحة النفسية تعتبر موضوعاً حساساً في العديد من المجتمعات، إذ يشعر الناس بالخجل من التحدث عن مشاعرهم أمام الآخرين ويشعرون بأن قضية الصحة النفسية وصمة عار. لذلك أردنا إنشاء محتوى يمكن الوصول إليه ونستطيع من خلاله سرد القصص ذات الصلة للوصول إلى أوسع جمهور. وتمت كتابة النصوص بناءً على قصص حقيقية سمعناها من النساء بالتعاون مع راديو "روزنا"، التقينا من خلال مجموعات تركيز مع 15 لاجئة سورية تعيش في تركيا. لقد أردنا بهذه الحملة الوصول للجمهور المستهدف عبر منصات يتفاعلون معها بالفعل، وراديو "روزنا" لديه جمهور واسع من اللاجئين السوريين. كذلك تضمنت الحملة الرقمية سلسلة رسوم متحركة، عرفنا أنها ستكون في متناول الجمهور، فالكرتون يضيف حياة إلى القصة المسموعة، كي يجعلها تقدم بطريقة غنية وجذابة".