أيامٌ قليلة تفصل بين إعلان تييري فريمو عن اختيار مهرجان "كانّ" السينمائي فيلماً ينتمي إلى الـ"بلوكباستر (Blockbuster)، من دون ذكر اسمه، وكشف الاسم. مفاجأة أم لا؟ هذا غير مهمّ. التوقّعات تفشل في تحديد الفيلم المختار: Dune لدوني فيلنوف، أو "لا وقت للموت" (حلقة جديدة من سلسلة "جيمس بوند) لكاري جوجي فوكوناغا، أو "قصّة الحيّ الغربي"، اقتباسٌ جديد، بتوقيع ستيفن سبيلبيرغ، للكوميديا الموسيقية الأشهر ذات العنوان نفسه (1957)، لمبتكريها ليونارد برنشتاين وستيفن سوندهايم وآرثر لورنتس، المستوحاة بدورها من "روميو وجولييت" (1597) لويليام شكسبير (الأفلام الـ3 المذكورة مُنتجة كلّها عام 2021).
المندوب العام للمهرجان، الذي تُقام دورته الـ74 واقعياً بين 6 و17 يوليو/ تموز 2021، يُريد إثارة قلقٍ وانتظار، قبل "إفشاء السرّ". الدورة الجديدة مُنتظرة منذ العام الفائت. أفلام كثيرة مُختارة تصنع حماسة مهتمّين وترقّبهم، بسبب كلامٍ عنها، وتعليقات نقدية عليها. "الفيلم ذو الإنتاج الضخم" (إحدى ترجمات Blockbuster) مطلبٌ جماهيري لمهرجانٍ، عائدٍ إلى واجهة المشهد السينمائي الدولي بعد غياب عامٍ كامل، بسبب تفشّي وباء كورونا. الفيلم جزءٌ تاسعٌ من سلسلة "سريع وغاضب (Fast And Furious)" لجاستن لين، مع فِنْ ديزل وميشيل رودريغز، وجون سينا، الذي يؤدّي دور الشقيق غير المعروف سابقاً لدومينيك "دوم" توريتو (ديزل).
"فيلمٌ كوكبيّ"
في 3 يونيو/ حزيران 2021، يُعقد المؤتمر الصحافي السنوي لإدارة المهرجان، للإعلان عن أبرز تفاصيل الدورة الجديدة: "إنّه "بلوكباستر" كوكبيّ، سيُرضي روّلد المهرجان جميعهم"، يقول فريمو حينها، من دون ذكر اسم الفيلم. بعد 4 أيامٍ فقط (7 يونيو/ تموز)، تنشر إلسا كاسْلاسي، في "فارايتي"، مقالةً تذكر فيها أنّ "سريع وغاضب 9" الفيلم المقصود. غايل غولن، رئيس تحرير المجلة السينمائية الفرنسية "بروميير"، يشير إلى أنّ 14 يوليو/ تموز 2021 سيكون موعد إطلاق العروض التجارية للفيلم في الصالات الفرنسية، بعد وقتٍ قليلٍ على عرضه في "سينما دو لا بلاج"، على شاطئ الـ"كروازيت". هذه "هدية رائعة من "يونيفرسال فرنسا"، بمناسبة عودة المهرجان"، كما في تعليق على الـ"تويتر" الخاص بـ"كانّ" (8 يونيو/ حزيران 2021).
في افتتاحيته الخاصّة بالعدد الأخير (يوليو/ تموز ـ أغسطس/ آب 2021)، يُحلِّل غولن تعبير فريمو: "يجب القول إنّ السلسلة الصغيرة هذه متمكّنة من ترسيخ نفسها تدريجياً كأضخم إنجاز تشويقي في السينما". يُقارن بين حلقاتٍ من السلسلة بأفلام منتمية إلى الإنتاج الضخم أيضاً: قبل أشهرٍ مديدة على تحقيق "الرجل الحديدي (Iron Man)" لجون فارفو (2008)، "تلعب" الحلقة الرابعة من السلسلة (Tokyo Drift)، لجاستن لين (2006)، على مفهوم "الكون المشترك"، مُبتكرةً تلك "اللقطة الختامية المُدهشة". قبل عامٍ واحدٍ على إنجاز "المُستهلَكون (ترجمة حرفية للمفردة الإنكليزية The Expendables)، لسيلفستر ستالون (2010)، "يتسلّى" الجزء الرابع من السلسلة (2009، لين نفسه) "بجمع نجوم الأمس واليوم على ملصقه". برأي غولن، "تُغلِّف سلسلة "سريع وغاضب"، في أفلامها، التطوّرات كلّها لوسائل الترفيه الحديثة"، مُرجِّحاً، في الوقت نفسه، أنْ يكون قول فريمو (Un Blockbuster Planetaire) نابعٌ من هذا، مُضيفاً، في نهاية مقالته، ما يلي: "من دون شكّ، لهذه الأسباب، تُجمِع أفلام السلسلة إيرادات شعبية كبيرة" (يستخدم تعبير "تسونامي" حرفياً)، ويختم كاتباً: "في الأحوال كلّها، لهذا السبب، يُخصَّص غلاف العدد الصيفيّ بالحلقة الـ9".
الغلاف المذكور ينشر صورة لديزل واقفاً بين رودريغز (إلى يمينه) وجوردانا بروستر، التي تؤدّي دور ميا، شقيقة دوم. أما العنوان، فيعكس جوهر السلسلة وركيزتها الأساسية: "عائلة من ذهب". العائلة، هنا، تعني العلاقات الإنسانية المتينة التي يصنعها دوم مع كلّ من يُدخله إلى عالمه، بينما الـ"ذهب" يُشير إلى الإيرادات الضخمة، المُحقَّقة بين عامي 2001 (الحلقة الأولى، روب كُوِن) و2021 (الحلقة 9، لين أيضاً): 5 مليارات و891 مليوناً و45 ألفاً و797 دولاراً أميركياً، في مقابل مليار و269 مليوناً ميزانية إنتاج، بينها 200 مليون ميزانية الحلقة الأخيرة، التي تبلغ إيراداتها الدولية 500 مليوناً و537 ألفاً و250 دولاراً أميركياً، بين 25 يونيو/ حزيران و5 يوليو/ تموز 2021، بحسب "موجو"، الموقع الإلكتروني المتخصّص بالإيرادات، علماً أنّ العروض مستمرّة.
العائلة
في كلّ حلقة من حلقات "سريع وغاضب"، يتفوّه دوم توريتو باسم العائلة وفضائلها، ويمارس متطلباتها مع رفاقٍ يُشاركونه المخاطر من أجل عدالةٍ ما، تتفوّق عليها العائلة دائماً، أهميةً وانجذاباً. هذا غير حاصلٍ في كواليس المشروع. النزاع قائمٌ بين ديزل ودْوَاين "الصخرة" جونسن أولاً، ثم بينه وبين جايزون ستاتم، الذي "سيُهمَّش" في السلسلة، كما جونسن. في المقابل، هناك لقاءات دائمة بين ديزل وعددٍ من الممثلين والممثلات، والعاملين والعاملات في الفرق التقنية. لقاءات متعلّقة بمناسبات عائلية واحتفالات مختلفة، وأحياناً تحصل اللقاءات من دون سبب.
الحلقة الـ7 (2015) لجيمس وان (أعلى إيرادات دولية بين أفلام السلسلة، بتحقيقها ملياراً و516 مليوناً و45 ألفاً و911 دولاراً أميركياً، في مقابل ميزانية إنتاج تبلغ 250 مليون دولار أميركي)، خاصة بوداع بول واكر، الذي يتعرّض لحادث سير يودي بحياته (30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2013) عن 40 عاماً. حلقة مؤثّرة، يُغنّي فيها ويز خليفة وتشارلي بوث أغنية See You Again، تكريماً لواكر.
"هذه الفكرة (العائلة) ركيزة أساسية للسلسلة، منذ الحلقة الأولى. نعمل كلّ شيءٍ كي نحافظ عليها في الأفلام كلّها، بصرف النظر عن الشكل الذي تتّخذه عائلة "سريع وغاضب" هذه"، يقول نيل آيتش موريتز، "المنتج التاريخي" للسلسلة، في حوار مع غايل غولن ("بروميير"، العدد نفسه). يُضيف: "اليوم، جميع الذين يعملون في السلسلة يشعرون، حقيقةً، بالانتماء إلى خلية، واسعة جداً بالتأكيد، لكنّها موحّدة للغاية". يُشير إلى أنّ المقصود بهؤلاء هم الممثلون المغادرون، مؤكّداً أنّه على تواصلٍ معهم لمعرفة أخبارهم، أو لتهنئتهم بأفلامٍ جديدة لهم. يُفسِّر حضور مفهوم العائلة منذ البداية، بقوله إنّ جميع أعضاء فريق دومينيك توريتو "هامشيّون"، وإنّهم "سيعثرون، في سياق الحكاية، على أشقاء وشقيقات، بل على أبٍ أيضاً، في العصابة. براين أوكونور (واكر) غير مُدركٍ هذا، عند ظهوره للمرّة الأولى. لكنّه، هو أيضاً، يبحث عن عائلة، وإنْ يحضر في العصابة كمحقِّق متخفٍّ في أعمالها. سيكتشف تحديداً ما ينقصه: هذه الأخوّة غير الحاصل عليها، سابقاً، أبداً".
جزء أساسيّ من الحوار يُركّز على العائلة. يردّ موريتز على سؤال سبب الإصرار على النقطة الواردة أعلاه، بالقول إنّ "الجميع يتحدّثون عن هذا الموضوع. الجماعات كلّها في القارات كلّها". يُضيف: "كلّ واحدٍ منّا، إنْ شئنا أو لا، يريد الانتماء إلى "عائلة". هذه الأفلام تُظهر جيداً إلى أي حدٍّ نحن محتاجون إلى انتماءٍ كهذا، كما تُظهر لماذا البعض منّا يريد عائلة".
غير أنّ وقائع عدّة تُشير إلى نقيض ما يقول به موريتز، الذي يُصدر ـ قبل أشهرٍ قليلة ـ بياناً يؤكّد فيه أنّ "سريع وغاضب" يتحدّث عن العائلة: "وكما يحدث أحياناً، فإنّ الحاصل بيننا شجار عائلي صغير". هناك، أولاً، "المعركة" الناشبة بين فن ديزل ودْواين جونسن، صاحبي العضلات المفتولة، إذْ يخشى الأول أنْ يُصبح الثاني ظلاًّ له، ما أدّى به إلى نبذه وتجاهله في الأفلام. عام 2018، يتقدّم موريتز بدعوى قضائية بسبب غياب اسمه عن "جينيريك" فيلمٍ منبثق من السلسلة، لكنّه غير مُعتَبرِ إحدى حلقاتها: "سريع وغاضب يُقدِّم: هوبس وشاو" (2019) لديفيد ليتش. يريد أنْ يُذكر اسمه بصفته "المنتج الرئيسي".
يتردّد في أوساط إعلامية وصحافية أنّ موريتز، مع كلّ حلقة من حلقات السلسلة، يُفاوض مُجدّداً على عقوده. "هوبس وشاو" سيكون الضربة الأكبر، فتُصرفه "يونيفرسال" من السلسلة، والنزاع يُحلّ سلمياً، بعد دفع مبلغ ضخم.
عدوٌ أم شقيق؟
الحلقة الـ9 من السلسلة، المعروضة "خارج المسابقة" في الدورة الحالية لمهرجان "كانّ"، تروي صداماً ينشأ فجأة بين توريتو وعدوٍّ جديد، غير متوقّع البتّة، يُدعى جايكوب (جون سينا)، سيُكشَف لاحقاً عن "هويته الحقيقية": إنّه الشقيق الأصغر لدوم، الذي يعيش حياةً هانئة ومُسالمة مع حبيبته وزوجته ليتيسيا (ليتي) أورتيز توريتو (ميشيل رودريغز) وابنه الصغير براين (اسم بول واكر، المحقِّق الذي يخترق "عائلة" توريتو للإيقاع بها، قبل أنْ يُصبح فرداً أساسياً فيها، وصديقاً حميماً لدوم، وزوج شقيقته ميا)، بعد إنقاذه من سيفر (تشارليز ثيرون) في الحلقة الـ8 (2017)، لأف. غاري غراي.
إنْ يكن جون سينا، أحد أبرز نجوم المصارعة الحرّة، تماماً كـ"الصخرة" جونسن، وستايتم أيضاً حاضرون في السلسلة، فإنّ نجوماً آخرين يحضرون فيها، لهم في السينما أفلامٌ تمزج بين التشويق والمغامرة والاختبارات الإنسانية والنفسية والاجتماعية، وبعضها منتمٍ إلى الخيال العلمي، أمثال تشارليز ثيرون وهلن ميرن وإيفا مانديز وكيرت راسل وغال غادوت ولوكاس بلايك وغيرهم. الأساسيون هم، إلى ديزل ورودريغز وبروستر: تايريس غيبسن ولودا كريس وناتالي إيمانويل. هؤلاء يلتقون، مجدّداً، مع راسل وثيرون وميرن في الحلقة الـ9.
سلسلة مليئة بالمغامرات والمخاطر، ولقطات عدّة تشهد أحداثاً يستحيل أنْ تحصل واقعياً، وبلدانٌ متفرّقة تجري فيها مطاردات جوية وبرّية، ومعارك بين أصحاب عضلات مفتولة ومحترفي فنون قتالية، وكثيرٌ من الحبّ، في عائلةٍ أو بين عاشِقين. سلسلة راسخةٌ في أذهان متابعين لها يصعب حصر عددهم، رغم أنّ شبّاك التذاكر يُلمّح إلى "أنّه كبيرٌ جداً". عدو يُصبح حليفاً، ومحقّق يلتزم القانون ثم يتحوّل إلى شريكٍ لربّ الأسرة، دومينيك توريتو، في مطارداتٍ تبقى خارج القانون، وعميل استخباراتي يُدعى "السيّد شخص" (كيرت راسل) يجد في الـ"عائلة" أداة لإلقاء القبض على مطلوبين دوليين لـ"العدالة الأميركية".
تُرى، ما الجديد في الحلقة الجديدة؟