عاد "ديسكو مغرب"، المتجر وشركة الإنتاج التاريخية في وهران الجزائرية، إلى الأضواء مجدداً، بعدما أصدر دي جي سنيك أغنية تحمل اسم المحل، وبعد أن زاره الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون.
ظلت شركة إنتاج أغاني الراي الشهيرة، "ديسكو مغرب"، طويلاً في دائرة الضوء مع إطلاقها مسيرة بعض من أشهر مغني هذا النوع الموسيقي الذي نشأ في وهران غرب الجزائر، قبل أن يطويها النسيان، إلى أن شهدت أخيراً زخماً متجدداً.
خلال زيارته الرسمية الأخيرة إلى الجزائر، توقف الرئيس الفرنسي عند محل التسجيلات الموسيقية الشهير في وهران، في بادرة واضحة لمخاطبة الشباب الجزائري.
وقال ماكرون إن زيارته للمحل "وسيلة للتعبير عن احترامي وإعجابي وذوقي"، واصفاً إياه بأنه مركز موسيقى الراي.
واستقبل الناس ماكرون في محل "ديسكو مغرب" في مدينة وهران، معقل موسيقى الراي الجزائرية الشعبية والثورية في أغلبها في فترة الثمانينيات والتسعينيات.
"دي جي سنيك" يحيي "ديسكو مغرب"
لم يعد "ديسكو مغرب" اسم متجر وشركة إنتاج موسيقي وحسب، بل بات أيضاً عنوان أغنية فرنسية جزائرية، من أداء دي جي سنيك (36 عاماً).
في بداية يونيو/حزيران الماضي، طرح دي جي سنيك أغنية "ديسكو مغرب" التي حققت 80 مليون مشاهدة حتى حدود كتابة هذه السطور.
ويحتفي العمل بمتجر الأسطوانات الشهير، ويبدأ الكليب بلقطة لواجهة المتجر قبل الانتقال إلى مقاطع لخروف ملطخ بصورة أفعى، وحلويات جزائرية، ومشاهد من حفل زفاف تقليدي، ورقصات ومغامرات على الدراجة، مع كلمات باللهجة الجزائرية.
ويقول المغني ومنسق الأسطوانات، الذي ولد في فرنسا لأم جزائرية، واسمه الحقيقي ويليام سامي غريغ حسين، إنه أراد تكريم المتجر الأسطوري الواقع في أحد أزقة مدينة وهران.
وكتب دي جي سنيك عبر حسابه في "تويتر"، أنه يعتبر "ديسكو مغرب جسراً بين أجيال وأصول مختلفة، تربط شمال أفريقيا والعالم العربي وما وراءهما... إنها رسالة حب إلى شعبي".
واعتبر مستخدمون كُثُر للشبكات الاجتماعية في الجزائر أن هذا العمل يروج لبلدهم أكثر بكثير مما يفعله المحترفون في القطاع السياحي المحلي.
تاريخ على الرفوف
منذ النجاح العالمي لأغنية "ديسكو مغرب"، يتوافد جيل جديد لالتقاط صور سيلفي أمام المتجر الذي بقي مغلقاً سنوات طويلة، ولقاء مالكه. ويتردد فنانون ورياضيون وصحافيون وشخصيات عامة، أو زوار حلوا في وهران على محل "ديسكو مغرب" الواقع في أسفل مبنى قديم في شارع جاودي عبد الرحمن، والذي تعاقب عليه أكبر نجوم الراي، من الشاب خالد إلى الشاب مامي، مروراً بالراحل حسني شقرون الذي تعرّض للاغتيال سنة 1994.
ولم يستخدم معظم الشباب اليافعين شرائط الكاسيت سابقاً، لكن يعلو السرور محياهم وهم يلتقطون الصور مع بن حوى أمام شرائط الكاسيت وأسطوانات الفينيل.
وكشاهدة على العصر الذهبي لموسيقى الراي، تتكدس شرائط الكاسيت على رفوف أحد جدران المحل منذ أعوام، وتنتشر في زوايا أخرى أجهزة صوتية قديمة.
وأطلق اسم "ديسكو مغرب" على الشركة بالصدفة، إذ دخل، في أحد الأيام، مالكها الاستديو حيث كان الشاب خالد يسجّل أغنية فأراد تكريمه، وبدلاً من أن يقول "بوعلام مغرب إديسيون" اسم محل بيع الكاسيت، قال "بوعلام ديسكو مغرب"، فأُعجب المالك بالاسم وأطلقه على المكان.
وأنتجت "ديسكو مغرب" أول أعمال الشاب خالد والشاب مامي والشاب حسني والشابة زهوانية، وغيرهم الكثير من نجوم الراي الذين استمع إليهم الشباب من أنحاء البلاد في الثمانينيات على شرائط كاسيت.
ولا يزال "ديسكو مغرب" يعتبر مكاناً رمزياً، وشاهداً على العصر الذهبي لصناعة الموسيقى الجزائرية رغم غلقه لفترة طويلة، تقول وكالة الأنباء الجزائرية.
وباتت شبكات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام تعج بالصور التذكارية أمام الشريط الصوتي الشهير ولافتة الاستديو، محولةً بذلك المحل الذي شهد بروز موسيقى الراي إلى فضاء لاستقطاب السياح.
وعبر شبكة الإنترنت، أعرب العديد من زوار مدينة وهران عن أملهم في إعادة تأهيل الموقع مع الحفاظ على أصالته وعن فضولهم لمعرفة تفاصيل مغامرة ديسكو مغرب وفاعلين آخرين من تلك الحقبة.
دار نشر موسيقية
لعب بوعلام بن حوى، صاحب المحل، دوراً مهماً في الترويج لنجوم الراي أمثال الشاب خالد، الذي يلقب بملك الراي، والشاب حسني، أيقونة الشباب في التسعينيات الذي قُتل على أيدي متشددين رافضين لأغانيه العاطفية.
ويقول بن حوى (68 عاماً) لوكالة فرانس برس "لدي الكثير من الذكريات الموسيقيّة، الكثير من الذكريات مع مغني الراي، لقد مروا جميعاً من هنا".
ويتذكر بن حوى أنه قرر ذات يوم من عام 1980 الانتقال من بائع كاسيت إلى صاحب دار نشر موسيقية.
ويقول عن هذه التجربة لصحيفة الشروق الجزائرية: "عندما قرّرت أن انتقل من بائع كاسيت إلى صاحب دار نشر موسيقية لم أضع في الحسبان النجاح والفشل لكني حاولت أن أستثمر في تجربتي وفي معارفي وخبرتي في هذا المجال".
ويتابع أن إطلاق ألبوم راي في الثمانينيات كان يعتبر مغامرة لأن تلك الأصوات كانت لا تزال مرفوضة من السلطات، وكان يمنع الحديث والترويج لأغنية الراي في الثمانينيات عبر الصحافة والإذاعة والتلفزيون.
أمام هذه العراقيل كان هو من يتكفل شخصياً بتوزيع سلعته، وإلصاق ملصقات الفنانين، والإعلان عن جديدهم بطريقة غير رسمية في المقاهي والمطاعم الشعبية.
ووعد بوعلام بانطلاقة جديدة في سبتمبر/أيلول المقبل، ووعد بالحفاظ على طريقة اختيار الأسماء والمواضيع.
وعن أغنية "ديسكو مغرب"، يؤكد بن حوى في تصريحات لـ"فرانس برس"، أن دي جي سنيك "ليس مجرد مغنٍ، إنه مثل فرد من عائلتي لأني وجدت فيه صفات رجل عظيم، إنه رجل متكامل، يتعاطف مع ذوي الدخل المتواضع وهو نفسه نشأ في تلك الظروف".
ويرى بن حوى أن "دي جي سنيك" ساهم في تحقيق شهرة عالمية لمدينة وهران، ما جعل الناس يرغبون في زيارتها.