اتّخذت ربى شمشوم، من مفردة "ريشة"، عنواناً لألبومها الجديد، الذي ستصدره خلال شهر إبريل/نيسان الجاري، بعد أن كانت قد مهدت له بحفل "أونلاين"، أقامته بالتعاون مع منصة "مرسم" على مسرح "غراند جانكشن"، في لندن يوم 20 مارس/آذار الماضي. يضم "ريشة" خمس أغان.
وكانت شمشوم قد أصدرت أغنيتين منفردتين منها بالأشهر الماضية، إذ طرحت أولاً "سنونو" في بداية شهر فبراير/شباط، قبل أن تطرح "منارة" في بداية شهر مارس/آذار. وعن المفهوم الذي تتمحور حوله أغاني العمل، تقول شمشوم في لقاء خاص مع "العربي الجديد":
"قد تكون كلمة الطيران أو التحليق هي الكلمة الأنسب، ففي الألبوم الكثير من التحليق، بالموسيقى والكلمات؛ ذلك ما أشعر به، ربما لأنني سمحت لنفسي بأن أطير. هناك العديد من الأمور التي تربط بين أغاني الألبوم، فهي جميعاً تتشارك بالتكرار، فتعاد الكلمات على ذاتها العديد من المرات، لتصيغ نوعاً غريباً من الصلاة؛ يرافقه صوت جديد أستخدمه للمرة الأولى، هو يتوافق مع الطيران والتحليق للابتعاد عن الواقع إلى حدٍ ما".
"ريشة" هو ثاني ألبومات شمشوم، بعد "شامات"، الذي سبق أن أصدرته بعد إنهاء دراستها الموسيقى في مدينة دبلن الأيرلندية، التي شهدت ولادتها الفنية مع أغنيتها المنفردة "فقاعتي". بذلك، يكون ألبوم "ريشة" تجربة جديدة متكاملة في حياة ابنة الناصرة الفنية، لتطرح من لندن هذه المرة ألبومها الأقصر. وعن ذلك، تقول: "إنها المرة الأولى التي أقوم بها بالعمل على ألبوم قصير مكون من خمس أغان فقط، لكنها كانت تجربة ممتعة، تشبه صناعة "بوست كارد"، تضع بها من روحك وتكتفي بذلك. في الألبوم العديد من الأمور الجديدة بالنسبة لي أيضاً، ففيه أستخدم للمرة الأولى الموسيقى الإلكترونية".
ما بين الناصرة، المدينة التي نشأت بها وتنتمي إليها، وبين دبلن ولندن والمدن التي عاشت فيها، تشكلت هوية ربى شمشوم الموسيقية الخاصة؛ الهوية التي تبدو نتاجاً لتأثيرات وتجاذبات موسيقية مختلطة من الغرب والشرق. وعنها تقول شمشوم: "هويتي الموسيقية حالها كحال الكثير من الأشخاص الذين نشأوا في بلدان الشرق الأوسط، هي مخلوطة بالعديد من الأشياء، لكوننا ربينا ونحن نستمع إلى فيروز والرحابنة وأم كلثوم وأسمهان، وكبرنا وهذه الأصوات ترافقنا كخلفية. وفي المراهقة، جرفتنا تيارات موسيقية عالمية، كالروك؛ وأنا شخصياً كان لاكتشافي موسيقى الجاز الأثر الأكبر حينها. وأعتقد أن الموسيقى التي أنتجها هي خليط من هذه الأنماط الموسيقية التي تركت أثراً بي، لكنه يختلف عنها جميعاً أيضاً، فهي صوتي الخاص، الذي يصعب تحليله لعناصر يمكن أن تتبع بها التأثيرات الشرقية والغربية، بل هو صوت فريد وخاص ومختلف تماماً".
عند الاستماع إلى أغاني ربى شمشوم، ولا سيما ألبوم "ريشة"، قد تشعر بأن هذه الأغاني تحتل مكانة خاصة ما بين تهويدات الأمهات والأغاني الطفولية، وما بين أغاني الجاز الشرقية التي صدرّها زياد الرحباني من خلال الألبومات التي تعاون فيها مع فيروز؛ فأغنية "سنونو" يبدو إيقاعها شبيهاً لحد ما بأغاني شارات الكرتون، وأغنية "منارة" تبدو أشبه بترنيمة أو تهويدة طفولية، بالإضافة إلى كونها بذات الوقت تترك أثراً شبيهاً بأغاني فيروز، بصوتها القوي الحاد الذي يتجاوز كل الآلات المرافقة، من دون أن يتمرد على المشهد.
لذلك، لا يجب أن يقتصر تحليل موسيقى شمشوم على التجاذبات الموسيقية التي أثرت بها ما بين الغرب والشرق، ولكن أيضاً بالأثر الحسي الذي تتركه. وعن هذه الانطباعات، تقول شمشوم: "بالتأكيد، تنطوي أغنياتي على جانب طفولي. ومنذ أن قدمت أغنية "فقاعتي"، اكتشفت أن لدي هذا الجانب. قد يكون أحد أحلامي أن أصنع الموسيقى لأفلام الكرتون المخصصة للأطفال". تضيف: "ربما، يجب أن أشير هنا إلى أن فرح شما، التي كتبت كلمات أغنية "منارة"، كانت قد عنونتها بالأصل بـ"صلاة"، فهي بالأصل كانت صلاة قبل أن ألحنها، وربما ذلك جعل اللحن يكتسب التكرار ببنيته بشكل تلقائي. وفعلاً، أنا أعتمد على فكر التهويدات كثيراً في الأغاني التي أصنعها، وهناك في الألبوم أيضاً أغنية كتبتها لابن أختي. إن أغاني الألبوم عموماً هي رسائل حب غير نمطية، لشخص مجهول، لأم أو لطفل أو للطبيعة، وتحتوي على طلب خاص بتفاصيلها، لتكون صلاة أو تهويدة كما ذكرت".
بالعودة إلى البدايات، كانت ربى شمشوم متوهجة بانطلاقتها الفنية، حيث كانت ثاني أغانيها، "مادلين"، تنضح بروح متمردة، ففيها تمكنت الفنانة الفلسطينية من استثمار قوة صوتها لتعكس صورة مغايرة للمرأة العربية، تختلف عن الأغاني الخجولة التي تنتمي إلى ذات النمط في بلاد الشام، وتبدو إلى حد ما متأثرة بأغاني فيروز. عن "مادلين"، تقول شمشوم: "مادلين كانت أول أغنية أصدرتها وأول أغنية كتبتها، وكان فيها تمرد بالفعل. من خلالها أردت أن أحكي عن حالي، فهذه أنا، الفتاة غير المتكاملة".
هذه الروح المتمردة والمتوهجة التي كانت واضحة لدى شمشوم في البداية، ربما يبدو أنها قد أصبحت أقل حدة في ألبومي "شامات" و"ريشة". لكن شمشوم لا توافق على هذه النظرة، فتقول: "لا أعتقد أن التمرد تلاشى في الألبومات التالية. إذا سمعت "بركان" من ألبوم "شامات" ستدرك ذلك، فالأغنية تحتوي على صرخة تختصر روح التمرد والنار. ربما يكون هذا الانطباع قد تولّد بسبب تركيزي بالألبوم الأخير بشكل أكبر على الهرمونيا أو التناغم، حيث حاولت أن أطوع صوتي ليكون آلتي واستخدمه بأكبر قدر ممكن، لأرسم من خلاله إحساسا بأن قبيلة كاملة من النساء تغني معاً. هذا كان الأهم بالنسبة لي، وخصوصاً في "منارة" التي يوجد فيها نفس قبائلي، وكذلك "سنونو"، التي أبدأها بهارمونيا صوتية. فعلياً حاولت بالألبوم الأخير أن أتمرد بصوتي لأستخدمه بطريقة لا تعكس تماماً السائد في الوطن العربي. ففي هذا الألبوم، أقوم للمرة الأولى بالكلام ضمن الأغنية، بأسلوب أفضّل أن أسميه بالبوح على تسمية الراب المتداولة. حيث إنني ببوحي كنت أتكلم عن حقيقتي وأخرج به عن النمط المتوقع بأنني سأغني فقط. وأنا أعتقد أن هذا الجانب يشبه "مادلين" إلى حد ما، التي ملت فيها إلى استخدام أسلوب المخاطبة المباشرة".
لقد تم إنتاج ألبوم "ريشة" وإطلاقه بظروف استثنائية، في ظل جائحة كورونا، التي جعلت حفل إصدار الألبوم يتم عبر الإنترنت، بعرض بث مباشر يتوافق مع الشكل الذي بات سائداً في قطاع الإنتاج الموسيقي بالأشهر الأخيرة، وحول ذلك تقول شمشوم: "واجهنا العديد من الصعوبات، التي ترتبط بالدرجة الأولى بالتنقل، ذلك جعلني أرسل الموسيقى للعازفين للتدرب عليها منفردين. وذلك كله غريب، فبسبب هذه الظروف، ضاعت المساحة التي نحتاجها للقاء المباشر والتواصل، لكن إقامة حفل إصدار ألبوم حتى وإن كان أون لاين هو أمر بغاية الأهمية بالنسبة لي، وخصوصاً بعد السنة الصعبة التي مررنا بها؛ فهذا أول عرض لي من سنة، وحتى هذه اللحظة مازلت أجد أن عدم حضور الجمهور الحفل جسدياً هو أمر غريب بالنسبة لي".