لم يتوقف إنتاج كارتون "ساوث بارك" في ظلّ الجائحة، بل اعتمد صنّاعه في الموسم الـ24 على صيغة الحلقات الطويلة (قرابة ساعة)، وبدأ الأمر بحلقة خاصة عن الوباء والتباعد الاجتماعي. وأخيراً، بثت الحلقة الثانية التي تحمل عنوان "ساوث بارك: حلقة خاصة باللقاح".
تنتقد الحلقة بشدة نظام التلقيح في الولايات المتحدة، وتشير إلى التقصير الحكومي، خصوصاً في ظل إهمال المعلمين وكثير من الذين تابعوا أعمالهم، بالرغم من الخطر الذي قد يتعرضون له. وهذا ما انعكس على تلاميذ "ابتدائية ساوث بارك" أنفسهم، ستان، وكايل، وكارتمان، وكيني، الذين فقدت علاقاتهم وصداقاتهم معناها، خصوصاً في ظل تهديد العودة للحجر الصحي.
لكنّ ما يثير الاهتمام في الحلقة، والذي نقرأه منذ العنوان South ParQ: vaccination special، هو جماعة "كيو أنون" QAnon، المؤمنون بنظرية المؤامرة من مؤيدي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذين وجدوا أنفسهم مهزومين بعد خسارته في الانتخابات. بحسب منطق المسلسل، كان معلم المدرسة الابتدائيّة، مستر غاريسون، قد عاد الآن إلى ساوث بارك في محاولة للعودة إلى مهنته الأولى مدرّساً في الابتدائيّة، لكنّ المؤمنين به وبحقيقة أنّه "المختار" ما زالوا بانتظار أوامره ورسائله المشفّرة، من أجل القضاء على أغنياء هوليوود الذين يلتهمون الأطفال.
يوجه المسلسل الانتقاد لـ"كيو أنون" بشدة، خصوصاً حين يقوم أفراد الجماعة بالعمل معلّمين، هدفهم غسل أدمغة الأطفال وزرع نظريات المؤامرة في رؤوسهم، ما يحيلنا إلى دور الأهل أنفسهم، الذين تحولوا إلى ما يقارب المهووسين باللقاح، يحاولون الحصول عليه مهما كان الثمن، في إشارة إلى أنّ كلّ واحد منهم يرى نفسه يستحق حقنة، ليس فقط لما يستطيع أن يقدمه للعالم، بل أيضاً كونه يرى نفسه الأضعف، وبحاجة إلى اللقاح كي يحافظ على حياته وحياة من حوله، ما يترك الأطفال أمام ما لا يمكن تخيّله من رسائل مغلوطة تتسرب إليهم من الإنترنت.
تنتقد هذه الحلقة مفاهيم الديمقراطية نفسها، وتحاول أن تشير إلى أنّه لا يوجد اختلاف كبير بين جماعة "كيو أنون" وأيّ فئة تمتلك قناعات سياسية، وتتصرف على أساسها، كحالة المشاركين في العملية الديمقراطية، التي من المفترض أن تضمن حق الجميع في تمثيل أنفسهم والدفاع عن قناعاتهم، وهنا يكسر المسلسل الجدار الرابع، إذ يبدأ صنّاعه بتشويه رسائل "كيو أنون" وتغيير أشكالهم، في محاولة لتبني اتهاماتهم بأنّ آراءهم يتم التلاعب بها. هذه الصيغة الساخرة، تكشف بداية أنّ هؤلاء يمكن أن يكونوا أيّ شخص، ثانياً، تثبت أنّ هناك فعلاً فئة تتحكم بما نراه، لكنّ هذا لا يعني أنّ الآراء التي تنتقد هذه الهيمنة محقة، بل يمكن، بحسب المسلسل، ألّا تكون أكثر من هراء، يُترك لنا حرية الحكم عليه.
لم يخفف "ساوث بارك" من لهجته الساخرة والنقدية، خصوصاً في ما يتعلق بالوباء والتقصير الحكومي، لكنّه يقدم الحلّ بصورة ساخرة: طائرة إسرائيلية تقدم اللقاحات للجميع، في إشارة إلى عملية التلقيح الشامل التي قامت بها "إسرائيل". مع ذلك، المشكلة لم تنتهِ، ولن تعود الحياة إلى وضعها الطبيعيّ، خصوصاً في ظلّ تصاعد عدد الوفيات، وتحطم الروابط الاجتماعية.
والمثير للاهتمام أنّ الحلقة تعرضت إلى انتقادات إيجابية، خصوصاً أنّها أعادت لنا، نحن المشاهدين، رونق "ساوث بارك"، وحذرتنا من المقبل. حتى إنّ جماعة "كيو أنون" نفسها رحبت بالحلقة، ووجدتها تعرّف بأفكارها! بل يمكن القول إنّها أوحت لها بأسلوب جديد لبث أفكارها، عبر التركيز على التعليم والجيل الجديد، فمعركة "البيض" أو اسم العائلة الداعمة لترامب في "ساوث بارك" لم تنتهِ، وما زالوا موجودين بيننا، يتسللون أفراداً إلى منازلنا عبر وسائل الإعلام والتعليم.